الحجاب فريضة سياسية
مسألة حجاب النساء أصبحت تفرض نفسها على العقل الإسلامى، وعلى العقل غير الإسلامى، بعد أن ركزت عليها بعض الجماعات، واعتبرت أن حجاب النساء فريضة إسلامية، وقال البعض إنها فرض عين، أى فرض دينى لازم على كل امرأة وفتاة «بالغة»، ونتج عن ذلك اتهام من لا تحتجب - بالطريقة التى تفرضها هذه الجماعات - بالخروج عن الدين والمروق من الشريعة، بما يستوجب العقاب الذى قد يعد أحيانا عقابا عن الإلحاد، (أى الإعدام)، هذا فضلا عن التزام بعض النساء والفتيات بارتداء ما يقال إنه حجاب فى بلاد غير إسلامية، وفى ظروف ترى فيها هذه البلاد أن هذا الحجاب شعار سياسى وليس فرضا دينيا، مما يحدث مصادمات بين المسلمين وغير المسلمين، كما أحدث منازعات بين المسلمين أنفسهم.
فما هى حقيقة الحجاب؟
وما المقصود به؟
وما الأساس الدينى الذى يستند إليه من يدعى أنه فريضة إسلامية؟
ولماذا يرى البعض أنه ليس فرضا دينيا، وإنما مجرد شعار سياسى؟
بيان ذلك يقتضى تتبع الآيات القرآنية التى يستند إليها أنصار «الحجاب» لاستجلاء حقيقتها، واستقصاء الغرض منها، ثم بيان الحديث النبوى فى ذلك وتتبع مفهومه ونطاقه، ثم عرض أسلوب الإسلام فى تنفيذ أحكامه.
أولا: آية الحجاب:
الحجاب لغة هو الساتر، وحجب الشىء أى ستره، وامرأة محجوبة أى امرأة قد سترت بستر (لسان العرب، المعجم الوسيط: مادة حجب). والآية القرآنية التى وردت عن حجاب النساء تتعلق بزوجات النبى وحدهن، وتعنى وضع ساتر بينهن وبين المؤمنين.
«يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق وإذا سألتموهن (أى نساء النبى) متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما» «سورة الأحزاب 33:53». وهذه الآية تتضمن ثلاثة أحكام:
الأول: عن تصرف المؤمنين عندما يدعون إلى الطعام عند النبى (صلى الله عليه وسلم).
الثانى: عن وضع الحجاب بين زوجات النبى (صلى الله عليه وسلم) والمؤمنين.
الثالث: عن عدم زواج المؤمنين بزوجات النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاته.
وقيل فى أسباب نزول الحكم الأول من الآية (تصرف المؤمنين عندما يدعون إلى الطعام عند النبى) (صلى الله عليه وسلم) إنه لما تزوج زينب بنت جحش «امرأة زيد» أولم عليها، فدعا الناس، فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون فى بيت النبى (صلى الله عليه وسلم) وزوجه «زينب» مولية وجهها إلى الحائط، فثقلوا على النبى (صلى الله عليه وسلم) ومن ثم نزلت الآية تنصح المؤمنين ألا يدخلوا بيت النبى إذا ما دعوا إلى طعام إلا بعد أن ينضج هذا الطعام، فإذا أكلوا فلينصرفوا دون أن يجلسوا طويلا يتحدثون ويتسامرون. «تفسير القرطبى - طبعة دار الشعب - ص 5306».
- وقيل فى أسباب نزول الحكم الثانى من الآية (والخاص بوضع حجاب بين زوجات النبى والمؤمنين) إن عمر بن الخطاب قال للنبى (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن. فنزلت الآية. وقيل إنه إثر ما حدث عند زواج النبى (صلى الله عليه وسلم) بزينب بنت جحش نزلت الآية بأحكامها (الثلاثة) تبين للمؤمنين التصرف الصحيح عندما يدعون إلى طعام فى بيت النبى (صلى الله عليه وسلم) وتضع الحجاب بين زوجات النبى والمؤمنين، وتنهى عن الزواج بزوجاته بعد وفاته (المرجع السابق).ولا شىء يمنع من قيام السببين معا. فالقصد من الآية أن يوضع ستر بين زوجات النبى (صلى الله عليه وسلم) وبين المؤمنين، بحيث إذا أراد أحد من هؤلاء أن يتحدث مع واحدة من أولئك - أو يطلب منها طلبا - أن يفعل ذلك وبينهما ساتر، فلا يرى أى منهما الآخر، لا وجهه ولا جسده ولا أى شىء منه. هذا الحجاب (بمعنى الساتر) خاص بزوجات النبى (صلى الله عليه وسلم) وحدهن، فلا يمتد إلى ما ملكت يمينه (من الجوارى) ولا إلى بناته، ولا إلى باقى المؤمنات، وفى ذلك يروى عن أنس بن مالك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) أقام بين خيبر والمدينة ثلاثا (من الأيام) يبنى عليه (أى يتزوج) بصفية بنت حُيى، فقال المؤمنون إن حجبها فهى من أمهات المؤمنين (أى من زوجاته) وإن لم يحجبها فهى مما ملكت يمينه (أى من جواريه).. فلما ارتحل وطأ «أى مهد» لها خلفه ومد الحجاب (أى وضع سترا) بينها وبين الناس. (بذلك فهم المؤمنون أنها زوج له وأنها من أمهات المؤمنين وليست مجرد جارية)، (أخرجه البخارى ومسلم).
ثانيا: آية الخمار:
أما آية الخمار فهى: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن» (سورة النور24:31). وسبب نزول هذه الآية أن النساء كن فى زمان النبى (صلى الله عليه وسلم) يغطين رؤوسهن بالأخمرة (وهى المقانع) ويسدلنها من وراء الظهر، فيبقى النحر (أعلى الصدر) والعنق لا ستر لهما، فأمرت الآية بلى (أى إسدال) المؤمنات للخمار على الجيوب، فتضرب الواحدة منهن بخمارها على جيبها (أعلى الجلباب) لستر صدرها «المرجع السابق ص4622». فعلة الحكم فى هذه الآية هى تعديل عرف كان قائما وقت نزولها، حيث كانت النساء يتضعن أخمرة (أغطية) على رؤوسهن ثم يسدلن الخمار وراء ظهورهن فيبرز الصدر بذلك، ومن ثم قصدت الآية تغطية الصدر بدلا من كشفه، دون أن تقصد إلى وضع زى بعينه. وقد تكون علة الحكم فى هذه الآية (على الراجح) هى إحداث تمييز بين المؤمنات من النساء وغير المؤمنات (اللاتى كن يكشفن عن صدورهن)، والأمر فى ذلك شبيه بالحديث النبوى الموجه للرجال (احفوا الشوارب وأطلقوا اللحى) وهو حديث يكاد يجمع كثير من الفقهاء على أن القصد منه قصد وقتى، هو التمييز بين المؤمنين وغير المؤمنين (الذين كانوا يفعلون العكس فيطلقون الشوارب ويحفون اللحى).
فالواضح من السياق - فى الآية السالفة والحديث السابق - أن القصد الحقيقى منهما هو وضع فارق أو علامة واضحة بين المؤمنين والمؤمنات وغير المؤمنين وغير المؤمنات. ومعنى ذلك أن الحكم فى كل أمر حكم وقتى يتعلق بالعصر الذى أريد فيه وضع التمييز وليس حكما مؤبدا (وسَيَلى بيان أوفى فى ذلك).
ثالثا: آية الجلابيب:
أما آية الجلابيب فنصها كالآتى:
«ياأيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين» «سورة الأحزاب 33:59». وسبب نزول هذه الآية أن عادة العربيات (وقت التنزيل) كانت التبذل، فكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء (الجوارى). وإذ كن يتبرزن فى الصحراء قبل أن تتخذ الكنف (دورات المياه) فى البيوت، فقد كان بعض الفجار من الرجال يتعرضون للمؤمنات على مظنة أنهن من الجوارى أو من غير العفيفات، وقد شكون ذلك للنبى ومن ثم نزلت الآية لتضع فارقا وتمييزا بين «الحرائر» من المؤمنات وبين الإماء (الجوارى) وغير العفيفات هو إدناء المؤمنات لجلابيبهن، حتى يُعرفن فلا يؤذين بالقول من فاجر يتتبع النساء دون أن يستطيع التمييز بين الحرة والجارية أو غير العفيفة (المرجع السابق ص 5325، 5326). وقد قيل إن الجلباب هو الرداء، وقيل إنه ثوب أكبر من الخمار، وقيل إنه القناع، ولكن الصحيح أنه الثوب الذى يستر جميع البدن (المرجع السابق). فعلَّة الحكم فى هذه الآية أو القصد من إدناء الجلابيب أن تعرف الحرائر من الإماء (الجوارى) ومن غير العفيفات، حتى لا يختلط الأمر بينهن ويعرفن، فلا تتعرض الحرائر للإيذاء وتنقطع الأطماع عنهن. والدليل على ذلك أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى أمة (جارية) قد تقنعت أو أدنت جلبابها عليها، ضربها بالدرة محافظة على زى الحرائر (ابن تيمية - حجاب المرأة ولباسها فى الصلاة - تحقيق محمد ناصر الدين الألبانى- المكتب الإسلامى - ص 37). وقد اختلف الفقهاء فى معنى إدناء الجلابيب على تفصيل لا محل له، والأرجح أن المقصود به ألا يظهر جسد المرأة.
وإذا كانت القاعدة فى علم أصول الفقه أن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، فإن وجد الحكم وجدت العلة، وإذا انتفت العلة انتفى (أى رفع) الحكم، إذ كانت القاعدة كذلك، فإن علة الحكم المذكور فى الآية - وهى التمييز بين الحرائر والإماء - قد انتفت لعدم وجود إماء «جوارى» فى العصر الحالى، وانتفاء ضرورة قيام تمييز بينهما، ولعدم خروج المؤمنات إلى الخلاء للتبرز وإيذاء الرجال لهن، ونتيجة لانتفاء علة الحكم فإن الحكم نفسه ينتفى (أى يرتفع) فلا يكون واجب التطبيق شرعا.
حديث النبى (صلى الله عليه وسلم):
واضح مما سلف أن الآيات المشار إليها لا تفيد وجود حكم قطعى بارتداء المؤمنات زيا معينا على الإطلاق وفى كل العصور، ولو أن آية من الآيات الثلاث الآنف ذكرها تفيد هذا المعنى - على سبيل القطع واليقين - لما كانت هناك ضرورة للنص على الحكم نفسه مرة أخرى فى آية أخرى، فتعدد الآيات يفيد أن لكل منها قصدا خاصا وغرضا معينا يختلف عن غيره، لأن المشرع العادى منزه عن التكرار واللغو فما البال بالشارع الأعظم؟! ومن أجل ذلك، فقد روى حديثان عن النبى (صلى الله عليه وسلم) يستند إليهما فى فرض غطاء الرأس (الذى يسمى خطأ بالحجاب) فقد روى عن عائشة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت (بلغت) أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا» وقبض على نصف الذراع. وروى عن أبى داود عن عائشة أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال لها: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه».
ويلاحظ على هذين الحديثين أنهما من أحاديث الآحاد لا الأحاديث المجمع عليها، أى المتواترة أو الأحاديث المشهورة، وفى التقدير الصحيح أن أحاديث الآحاد أحاديث للاسترشاد والاستئناس، لكنها لا تنشئ ولا تلغى حكما شرعيا، ومن جانب آخر، فإنه رغم رواية الحديثين عن واحدة - هى عائشة زوج النبى (صلى الله عليه وسلم) - فإنه قد وقع تناقض بينهما، ففى الحديث الأول قيل إن النبى (صلى الله عليه وسلم) قبض على نصف ذراعه عندما قال الحديث، بما يفيد أن الجائز للمؤمنة البالغة أن تظهر وجهها ونصف ذراعيها (بما فى ذلك الكفين) بينما قصر الحديث الثانى الإجازة على الوجه والكفين وحدهما «دون نصف الذراع»، ومن جانب ثالث، فقد ورد الحديث الأول بصيغة الحلال والحرام، بينما جاء الحديث الثانى بصيغة الصلاح «لا يصلح للمرأة إلا كذا»، وفارق ما بين الاثنين كبير، ذلك أن الحلال والحرام يدخل فى نطاق الحكم الشرعى، فى حين أن «الصلاح» يتعلق بالأفضل والأصلح فى ظروف اجتماعية معينة. ومع هذا الاختلاف البين بين الحديثين، فإنهما يثيران مسألة وقتية الأحكام، أى تأقيت الحكم فى حديث شريف معين، بوقت بذاته وعصر محدد، ذلك أن بعض الفقهاء يرى أنه فيما صدر عن النبى حتى من تشريعات - ما يفيد أنه تشريع زمنى روعيت فيه ظروف العصر. فقد يأمر النبى (صلى الله عليه وسلم) بالشىء أو ينهى عنه فى حالة خاصة لسبب خاص، فيفهم الصحابة (أو الناس) أنه حكم مؤبد بينما هو فى الحقيقة حكم وقتى.
وقد كان لعدم الفصل بين النوعين من الأحكام: المؤبد والوقتى أثر كبير فى الخلاف بين الفقهاء. فقد يرى بعضهم حكما للرسول يظن أنه شرع عام أبدى لا يتغير بينما يراه الآخر صادرا عنه لعلة وقتية، وأنه حكم جاء لمصلحة خاصة قد تتغير على مر الأيام (عبدالوهاب خلاف - مصادر التشريع مرنة - مجلة القانون والاقتصاد - عدد أبريل- مايو سنة 1944 ص 359، محمد مصطفى شلبى، تعليل الأحكام، طبعة سنة 1949، ص 28). وأخذا بهذا النظر، فإن ما جاء فى الحديثين المنوه عنهما، وخاصة ذلك الحديث الذى ورد بلفظ «الصلاح»، أقرب إلى أن يكون حكما وقتيا يتعلق بظروف العصر وليس حكما مؤبدا بحال من الأحوال، يؤيد هذا النظر ما أنف شرحه من أن آية الخمار قد قصدت تعديل عرف جار والتمييز - غالبا - بين المؤمنات وغير المؤمنات، كما أن آية الجلابيب قد قصدت التمييز بين الحرائر والإماء (الجوارى) أو بينهن (أى الحرائر العفيفات) وبين غير العفيفات. أسلوب القرآن فى تنفيذ الأحكام: ومهما يكن الرأى، فإن أسلوب القرآن ونهج الإسلام هو عدم الإكراه على تنفيذ أى حكم من أحكامه، حتى أحكام الحدود (العقوبات)، وإنما يكون التنفيذ دائما بالقدوة الحسنة والنصيحة اللطيفة والتواصى المحمود.
ففى القرآن: «لا إكراه فى الدين» «سورة البقرة:2:256». وإذا كان الأصل أن لا إكراه فى الدين ذاته، فلا إكراه - من باب أولى - فى تطبيق أى حكم من أحكامه أو تنفيذ أى فريضة من فرائضه، إنما تكون نتيجة عدم التطبيق وعدم التنفيذ إثما دينيا، وهو أمر يتصل بالعلاقة بين الإنسان وربه، وحتى فى الحدود (العقوبات) فإن القاعدة فيها أن لا حد على تائب، ومعنى ذلك أن الحد لا يقام على من يعلن التوبة وإنما يقام على من يرفض ذلك ويصر على توقيع العقوبات عليه. وفى تصرف النبى (صلى الله عليه وسلم) إثر رجم أحد الزناة ما يفيد أنه إذا أراد الجانى أن يفر من تطبيق العقوبة فعلى الجماعة (المجتمع) أن تمكنه من ذلك، أى أن الحدود لا تقام إلا بإرادة الجانى، وبقصد تطهيره إن رغب هو فى التطهر. فإذا كان ذلك هو الأساس فى الإسلام، والقاعدة فى القرآن، فإنه لا يجوز إكراه أى امرأة أو فتاة على ارتداء زى معين، سواء كان الإكراه ماديا باستعمال العنف أم كان معنويا بالتهديد بالعنف أو الاتهام بالكفر، ويكون المكره فى هذه الحالة آثما لاتباعه غير سبيل الإسلام، وانتهاجه غير نهج القرآن.
وقد كان من نتيجة الإكراه، والتلويح بالإكراه، على تغطية النساء رؤوسهن بغطاء يسمى خطأ بالحجاب (مع أن الحجاب شىء آخر كما سلف البيان) كان من نتيجة ذلك أن وضعت بعضهن هذا الغطاء رياء ورءاء، وأحيانا أخرى مع وضع الأصباغ والمساحيق على الوجه بصورة تتنافى مع معنى الحجاب، وقد يحدث مع ارتداء ما يسمى بالحجاب أن تقف به سيدة أو فتاة فى المراقص العامة أو النوادى الليلية وهى تخاصر رجلا أو فتى تراقصه على الملأ، أو قد تسير أو تجلس معه فى طريق مظلم أو مكان موحش دون وجود أى محرم.
- إن الحجاب الحقيقى هو منع النفس عن الشهوات وحجب الذات عن الآثام، دون أن يرتبط ذلك بزى معين أو بلباس خاص، غير أن الاحتشام وعدم التبرج فى الملبس والمظهر أمر مطلوب يقره كل عاقل وتتمسك به أى عفيفة.
الخلاصة:
يخلص من كل ذلك:
ü الحجاب يعنى وضع ساتر معين، وهو فى القرآن يتعلق بوضع ستر بين زوجات النبى - وحدهن - وبين المؤمنين، بحيث لا يرى المؤمن من يتحدث إليها من أمهات المؤمنين ولا هى تراه. ü الخمار كان وقت التنزيل عرفا تضع النساء بمقتضاه مقانع (أغطية) على رؤوسهن ويرسلنها وراء ظهورهن فتبدو صدورهن عارية، ومن ثم فقد نزل القرآن بتعديل هذا العرف بحيث تضرب المؤمنات بالخمار على جيوبهن ليخفين صدورهن العارية ويتميزن بذلك من غير المؤمنات. ü إدناء الجلابيب كان أمرا بقصد التمييز بين النساء المؤمنات الحرائر وبين الإماء (الجوارى) منهن أو بين العفيفات وغير العفيفات، وإذا انتفت علة هذا التمييز لعدم وجود إماء (جوارى) فى الوقت الحاضر فإنه لم يعد ثم محل لتطبيق الحكم. ü حديث النبى (صلى الله عليه وسلم) عن الحجاب (بالمفهوم الدارج حالا) هو من أحاديث الآحاد التى يسترشد ويستأنس بها، وهو أدنى إلى أن يكون أمرا وقتيا يتعلق بظروف العصر لتمييز المؤمنات عن غيرهن، أما الحكم الدائم فهو الاحتشام وعدم التبرج. الحجاب دعوى سياسية:
الحجاب - بالمفهوم الدارج حالا - شعار سياسى وليس فرضا دينيا ورد على سبيل الجزم والقطع واليقين والدوام، فى القرآن الكريم أو فى السنة النبوية. لقد فرضته جماعات الإسلام السياسى - أصلا - لتميز بعض السيدات والفتيات المنضويات تحت لوائهم عن غيرهن من المسلمات وغير المسلمات، ثم تمسكت هذه الجماعات به كشعار لها، وأفرغت عليه صبغة دينية، كما تفعل بالنسبة للبس الرجال للجلباب أو الزى الهندى «والباكستانى»، زعما بأنه زى إسلامى، وهذه الجماعات - فى واقع الأمر - تتمسك بالظواهر دون أن تتعلق بالجواهر، وتهتم بالتوافه من المسائل والهوامش من الأمور، ولا تنفذ إلى لب الحقائق وصميم الخلق وأصل الضمير، وقد سعت هذه الجماعات إلى فرض ما يسمى بالحجاب - بالإكراه والإعنات - على نساء وفتيات المجتمع كشارة يظهرون بها انتشار نفوذهم وامتداد نشاطهم وازدياد أتباعهم، دون الاهتمام بأن يعبر المظهر عن الجوهر، وأن تكون هذه الشارة معنى حقيقيا للعفة والاحتشام وعدم التبرج. وقد ساعدهم على انتشار ما يسمى بالحجاب بعض عوامل منها عامل اقتصادى هو ارتفاع أسعار تجميل الشعر وتصفيفه، وازديادها عن مستوى قدرة أغلب الناس. والدليل على أن للعامل الاقتصادى أثرا فى انتشار ما يسمى بالحجاب، أن هذا العامل ذاته هو الذى يدفع كثيرا من النساء والفتيات إلى العمل - فى الغالب - للحصول على موارد مالية أو لزيادة إيراد الأسرة مع أن جماعات الإسلام السياسى تدعى أن عمل المرأة حرام. فالعامل الاقتصادى - فى غالب الأحيان - هو الذى دفع المرأة إلى العمل رغم الزعم بتحريمه، وهو الذى دفع كثيرا من النساء والفتيات إلى وضع غطاء للرأس، وإن كان مزركشا وخليعا، كأنما الشعر وحده هو العورة لابد أن تستر ثم تكون بعد ذلك غطاء لأى تجاوز أو فجور.
من كتاب:
حقيقة الحجاب وحجية الحديث للمستشار العشماوى
المصدر: روز اليوسف
إضافة تعليق جديد