طرطوس : مدينة شيدت على عجل أم ريف يفقد أصالته..
الجمل– طرطوس– حسان عمر القالش: هنا في طرطوس أحوالك كالواقف واضعا قدما في الريف والأخرى في المدينة... يقول أحمد المغترب الذي كان يزور محافظته عندما بدأنا نبحث في سؤال " ماذا بقي من ريف في طرطوس وهل نضجت كمدينة ؟".
يكمل أحمد : " طرطوس هي ببساطة مجموعة من دوائر حكومية يعمل فيها موظفون يأتونها في معظمهم من ريفها وقراها" . فباستثناء زحمة السير المتنامية في شوارع سوق المدينة الضيـّق, يمكن أن نرى ازدحاما يوميا مركزه نقطة الكراج حيث تنطلق السرافيس متجهة الى آخر ما عـُمـّر من قرى كبيرة أو صغيرة, من الشيخ سعد الملاصقة للمدينة الى دوير رسلان, ومن النقيب القريبة الى آخر بيت في جبال القدموس البعيدة حيث تعزل هذه المنطقة عن محيطها أحيانا بسبب تراكم الثلوج التي تقطع طرق المواصلات فيها.
يتركز هذا الازدحام في ذروته وقت انصراف الموظفين الحكوميين, وفيما غير ذلك فحركة السير في المدينة عادية ومريحة, بل مربكة أحيانا لشدة عدم خبرة و"غشمنة" بعض سائقي التاكسي والشباب الذي لم يصدف أن اختبر القيادة في المدن الكبيرة وزحمتها. لذا يمكن القول بشيء من الثقة أن الوتيرة المدينيـّة أو "نبض المدينة" في طرطوس يتوقف بعد انتهاء الدوام الرسمي, حتى بالنسبة للمرفأ الذي هو عصب مهم في حياتها الاقتصادية. و"بعد الساعة التاسعة مساء لا تجد مواصلات الا (التكاسي) السهرانة..ومعظم مطاعم الوجبات السريعة مغلقة أيضا". يقول حسام.
الشباب.. الى الشام سـر أو مكانك خليك
والحال بالنسبة لساكني هذه المدينة هو نفسه حال المدينة المتأرجح بين المدينة والريف, بين تقييد الحضارة وتحرر الطبيعية, وفي بعض الحالات لا هذا ولا ذاك. فهنا أيضا وكمعظم مدننا تكاد تنعدم الأندية والنشاطات الاجتماعية المدينية. يقول أحمد بشيء من المبالغة : اسأل أي مواطن هنا عن المركز الثقافي.. أكيد لن يعرفه ! لن نستغرب اذاً تحول – الشـُرفات –, ومداخل المحلات, وأرصفة الطرقات الى نواد ثقافية وغير ثقافية ذات طابع شخصي أو عائلي أو شـلـلي. ماعليكم الا الانتظار حتى تنكسر حـدّة الشمس وبعدها انظروا الى البنايات و(برنداتها) التي تشبه مجموعة من الأنوف الممتدة الباحثة عن تجديد الهواء . فهذه الشرفات عامرة بسكان المنازل وضيوفهم "المعتادين" الذين لم يعودو ضيوفا, من زملاء الحي أو المدرسة أو العائلة. في هذه الجلسات والتي تتجدد ليلا, يندر أن تسمع حديثا أو دردشة في أمر جديد أو مشوق, فكل الأحاديث قد قيلت بين الجالسين دوما مع بعض, وبعض الجديد اليومي لا يتعدى في أفضل الأحوال تفاصيل روتينية. فتبدأ هذه الأحاديث رويدا رويدا بالتحول الى نمط الدردشة القروية التي يغلب عليها طابع النميمة والثرثرة وتفصيل ما لا يحتمل التفصيل من يوميات الناس. ومن المألوف أن ترى هذا المشهد حيث تسمع أحدهم وقد وقف في شرفته يتحدث بصوت يسمعه الجميع الى جاره الواقف في شرفته في البناية المقابلة. وكثيرا ما يبدأ كلامهما بـ: كيفك ؟ أو حـوّل, أي تفضل لعندنا. ومن الأمور التي اعتاد عليها الناس ولم تعد تثير كثيرا من الاستياء أو الانزعاج, أن ترى شابا قد تبـرّع بأن يسمع الحارة كلها ما يشتهي سماعه هو من موسيقى وأغاني, وفي أي وقت كان, صباحا باكرا أو ليلا ساهرا, أوافق مزاجه الفني مزاج الوقت الذي يسمع فيه أو مزاج الجيران أم لم يوافق, المهم أن يسمع هو ويـُسمع القاصي والداني.
تبدأ الفوارق بالظهوروالوضوح في طرطوس, عندما يزورها أبناؤها المدينيون أي الذين يعيشون خارجها في العاصمة والمدن الكبيرة. هؤلاء في أغلبهم من فئتين : موظفين حكوميين أو طلاب جامعة. فعندما يأتي هؤلاء الى هنا يحدث أن تتجدد الأحاديث والخبريات, ويحدث أيضا أن ترى الفجوة الاجتماعية اللاشعورية بين فئات الشباب من الساكنين هنا والزائرين لـهذا الـ هنا. ففي نهايات الأسابيع والأعطال الرسمية حيث تكون أغلب زيارات الشباب المتعلم, تراهم يعودون الى التآلف مع أقرانهم, أو يشعرون بشيء من الاغتراب وصعوبة الاندماج مع مجايليهم. فـ"الشبكات الشخصية للأفراد" هنا بما فيها من علاقات اجتماعية وشبكات أصدقاء, تكاد تكون في كثير من الأحيان شديدة الانغلاق على نفسها ومهلهلة تفتقر الى العنصر الجديد المحفـز, فيحصل هذا التواطؤ الخفي بين أفراد الشباب ضمن المجموعة الواحدة, خصوصا الذين حكمت عليهم ظروفهم بالفشل والبقاء أسرى الكسل, وهذا من صفات العيش في "المدن الصغيرة".
في هذه الظروف يبرز على صفحة المجتمع من قد يطلق عليهم صفة " المتشـوّمين" أي الآخذين من العاصمة قشور مظاهرها من لهجة وسلوك. عندما زار نبيل العاصمة وصادف شادي ابن ضيعته هناك في ساحة المدينة الجامعية محاطا بزملائه اقترب منه ليسلم عليه واذ به يتفاجأ بزميل القرية وقد طارت البراءة من عينيه, وأخذ يكلمه بلهجة متكسرة مابين الشامية والـ..لا شيء, تحولت القاف العريضة الواثقة الى "آف" ناعمة وبلا طعم, و سُـكبت على اللهفة الريفية مياه اللامبالاة وادعاء الحياد مع هذا القادم القديم المقتحم عالم صديق طفولته الجديد. هذا المشهد الأخير يتكرر يوميا بأشكال وسيناريوهات مختلفة, وأحيانا يكون القادم من خارج العاصمة أو المدن الكبرى اليها يحاول أن يؤقلم لسانه وسلوكه مع طريقة كلام وسلوك من هم أرفع منه مكانة اجتماعية كما يظن في وساوسه.
مزاج المدينة في الحب والتسميات
وطرطوس مدينة تتأثر بأمزجة المدن الكبرى, ويظهر ذلك في محاولات بعض أصحاب المتاجر أو المطاعم تسمية محلاتهم بأسماء محلات لها شهرتها وصيتها الذي تخطى العاصمة أو المدينة الكبيرة. وما دخول عادة "العراضات الشامية" في الاحتفال بافتتاح محل ما أو حتى في الأعراس الا دليل على هذا التأثر بمزاج العاصمة هنا. لكن رغم ذلك يبقى من الصعب تجاوز الأمر الواقع الاجتماعي في طرطوس والذي يؤثر على حياة الناس هنا, فهذه المظاهر الحداثية وادعاءات العيش في المدينة لم تفلح في القضاء على كثير من الهوى القروي الذي يحكم علاقات الناس, ففي طرطوس التي يقال عنها " ضيعة كبيرة " لا يزال الناس يضعون الغريب القادم اليها من خارجها تحت منظار ملاحظتهم وتتبعهم أخباره وأفعاله. ومازالت علاقات الحب بين الفتاة والشاب حبيسة هذا المجتمع الذي يعرف الشاردة والواردة. فغالبا ما تبقى العلاقة محصورة ضمن اطار التعاطي العام البريء الساذج حيث لا يوجد مكان يحترم الخصوصية والرغبة في العزلة ليتاح المجال لاختبار العواطف.
يمكن القول ختاما بأن طرطوس لم تصدّر الى العاصمة ومراتب المسؤولية والقيادات فيها كثيرا من رجالها أو شبابها مما كان يمكن أن يذر بعضا من حسنات الاهتمام والرعاية عليها, والبقية الباقية من شبابها المبدع والمتعلم المنتشر خارجها فالظروف جعلت "خيره يكون لغيره" فلا تنال محافظته من عمله الا السمعة الطيبة فقط.
الجمل
التعليقات
طرطوس جنة بلا
مدينة لا حياة فيها
لا أعرف ما
ليست بمدينة
قال طرطوس قال
يعني شو الشي
يعني صراحة الله
طرطوس عبر التاريخ
طرطوسي اصيل
مدينة البساطة
إضافة تعليق جديد