واشنطن تخسر رهانها على «الثورة البرتقالية» وموسكو تبحث عن البدائل
لا تزال نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أوكرانيا، محور الكثير من التعليقات على الصعيدين المحلي والعالمي. وكانت واشنطن وعدد من الدوائر الغربية على مقربة من هذه الانتخابات في محاولة لتبرير الكثير من الهبات التي اغدقتها على نظام الرئيس فيكتور يوشينكو، في محاولة لدعم موقعه قبيل اجرائها. ويذكر المراقبون ان الرئيس جورج بوش، كان قد وقع قانون إلغاء «تعديل فينيك ـ جاكسون»، الذي طالما فرض القيود على التجارة مع الاتحاد السوفياتي السابق والذي لا يزال ساري المفعول بحق روسيا، رغم صدوره في عام 1974 ردا على القيود التي سبق وفرضها الاتحاد السوفياتي على الهجرة اليهودية الى إسرائيل!! ولعل الفشل الذريع الذي مني به الحزب الحاكم «اوكرانيا وطننا»، بزعامة يوشينكو يبدو بالتبعية فشلا لواشنطن التي راهنت على فوزه في توقيت لم يسجل فيه الجناح الآخر لـ«الثورة البرتقالية» ممثلا في تحالف يوليا تيموشينكو النصاب القانوني للفوز بحق تشكيل الحكومة، بعد ان جاءت في المركز الثاني بعد «حزب الاقاليم»، بزعامة فيكتور يانوكوفيتش الذي اكتسح الانتخابات، بفوزه بما يزيد عن ضعف عدد مقاعد الحزب الحاكم. وتكشف هذه النتائج عن مدى الارتباك الذي يسود الساحة السياسية الأوكرانية اليوم، بسبب المخاوف التي تكتنف كل المشاورات الرامية الى صنع الائتلاف اللازم لتشكيل الحكومة. وثمة من يعزو ذلك الى تفتت الاصوات نتيجة كثرة عدد الأحزاب والتحالفات السياسية التي شاركت في الانتخابات، وبلغ عددها ما يقرب من 45، الى جانب «جنون» الانفاق المالي الذي جعل الانتخابات الاوكرانية الأغلى في تاريخ المنطقة، بحيث كان المقعد النيابي يكلف من مليونين إلى عشرة ملايين دولار بسبب «ممثلي الاوليغاركيا»، ممن يبحثون عن الحصانة والسبيل الى تقنين أوضاعهم من خلال ما يهمهم من قوانين. ولم تكن موسكو لتقدم في الانتخابات الأخيرة على ما قامت به إبان الانتخابات الرئاسية السابقة، من تدخل ساهم والى حد كبير، في اثارة الميول المعادية لها. بل وبدا حرص يانوكوفيتش المحسوب عليها واضحا على التعبير عن «استقلاليته» وانحيازه الى بعض شعارات المعسكر الآخر، ومنها الرغبة في انضمام اوكرانيا الى الاتحاد الاوروبي ما يفسر تقدمه عن تحالف تيموشينكو بما يزيد عن عشرة في المائة. لكن ذلك لا ينفي تمسكه بالفضاء الاقتصادي الموحد مع روسيا وثلاثة من بلدان الكومنولث، وهو ما يثير لغطا في اوساط الحزب الحاكم الذي يبدو قريبا من التحالف معه. وعلى ضوء هذه النتائج، تواصلت المشاورات في محاولة لتجاوز العثرات التي تناثرت على طريق الاحزاب الرئيسية الثلاثة التي تصدرت قائمة الفائزين في الانتخابات البرلمانية الاخيرة. ورغم تقدم حزب «الاقاليم» بزعامة فيكتور يانوكوفيتش، الذي حصل على ما يقرب من ثلث اصوات الناخبين، فإن مسألة فوزه بأحقية تشكيل الحكومة، تظل بعيدة المنال بسبب صعوبة التوصل الى اتفاق مع أي من التحالفات الحزبية الكبيرة. وذلك ما لا يمكن قوله حول فرص منافسته الرئيسية وهي يوليا تيموشينكو التي يقترب عدد مؤيديها في الانتخابات الأخيرة من ربع عدد المشاركين فيها. ولعل ما حققته تيموشينكو في جنوب شرق أوكرانيا، حيث شغلت المرتبة الثانية، كما كان الحال غرب البلاد ـ معقل الرئيس الحالي فيكتور يوشينكو ـ يمكن أن يفسر الكثير من ملابسات الأوضاع الراهنة في أوكرانيا. وكانت الأحداث الأخيرة قد كشفت عن أن انفراط عقد «الثورة البرتقالية» ساعد تيموشينكو في ادارة حملتها الانتخابية، انطلاقا من تعثر مسيرة حليفها السابق يوشينكو، فيما كانت اقالتها من رئاسة الحكومة فرصة لتأكيدها لاحقا عدم تحمل مسؤولية الاخفاقات الاقتصادية، وارتباك ادارة ملف الشؤون الخارجية. وقد تجسد ذلك في موقع حزب يوشي نكو «اوكرانيا وطننا»، الذي حل ثالثا في قائمة الفائزين التي تضم ايضا ممثلي الحزبين الاشتراكي والشيوعي. ومع ذلك فإن تيموشينكو ورغم ما تبدو معه بوصفها المرشحة الاوفر حظا للفوز، فإن احتمالات تحالفها مع «اوكرانيا وطننا»، الذي لم يحصل سوى على ما يقرب من14 في المائة، لا تزال يكتنفها غموض كثير، نظرا لعدم تحديد موقفها من مدى التمسك بحق تشكيل الحكومة ما يرفضه يوشينكو وهو الذي اقالها من هذا المنصب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي! لكن ذلك يبدو ايضا مشروطا بموافقة «الحزب الاشتراكي». وذلك يفتح الباب امام احتمالات الاندفاع في الاتجاه المعاكس، اي احتمالات اقدام يوشينكو على التحالف مع حزب «الاقاليم» بما قد يعيد ما سبق وطرحه يانوكوفيتش ابان احتدام الازمة الدستورية في اوكرانيا وقت «الثورة البرتقالية»، في أعقاب الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية في ديسمبر (كانون الأول) 2004. وكان يانوكوفيتش اقترح على يوشينكو التسليم له بالرئاسة، مقابل توليه منصب رئيس الحكومة، الذي حصل بموجب التعديلات الدستورية على كثير من الحقوق خصما من صلاحيات رئيس الدولة. وفي مثل هذه الاجواء الذي يسودها الغموض، يبدو منطقيا ما يهدد به الرئيس يوشينكو حول حل البرلمان الجديد، ما لم تتوصل الأطراف المعنية الى قرار حول تشكيل الائتلاف الحاكم للحكومة الجديدة في غضون شهرين، بموجب التعديلات الأخيرة التي أقرها البرلمان السابق في ديسمبر 2004.
عن الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد