هل بدأ صعود الإسلام السياسي في الغرب من مدينة ميونيخ؟

10-08-2011

هل بدأ صعود الإسلام السياسي في الغرب من مدينة ميونيخ؟

جرى رعاية الجماعات الإسلامية في ألمانيا من قِبَلِ أجهزة الاستخبارات بشكل هادف – هذا ما يدَّعيه شتيفان ماينينغ في كتابه "مسجد في ألمانيا". ويتمحور موضوع الكتاب حول مسجد في ميونيخ. لكن ما مدى صحة الصِلات المزعومة بتنظيم القاعدة وهجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ كلاوديا مند في مراجعة للكتاب.

 كتب شتيفان ماينينغ كتابًا يشبه بالدرجة الأولى في فصوله الأولى قصص التجسس المثيرة. وهذه الفصول هي الأقوى في الكتاب. يرسم ماينينغ خطًا يبدأ بالحقبة النازية ويعرِّج على الحرب الباردة والصراع حول أفغانستان ويصل إلى هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.

يستند الكاتب في الأساس إلى أبحاثه التي أجراها قبل فيلمه الوثائقي الذي جرى بثه على القناة الألمانية الأولى في عام 2006. ويشرح في هذا الفيلم صعود الإسلام السياسي في الغرب. تخضع الساحة الإسلاموية للمراقبة الحثيثة منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001، بيد أنها استطاعت قبل ذلك أن تنتشر بدون عوائق، لا بل أن أجهزة الاستخبارات قد قامت برعايتها بشكلٍ مباشرٍ. لم يهتم أحد بأهدافها لفترة طويلة من الزمن. وكان مطلوبًا استخدامها لأغراض آخرين استخفّوا بها كما يبدو بوضوح.

تعود بدايات الإسلام السياسي في أوروبا إلى فترات بعيدةٍ في الماضي، وتـُعتبرُ إعادة تبيان هذه الجذور من خلال بحوثٍ واسعةٍ النطاق أجراها المؤلف من أهم إنجازاته. اعتمد هتلر آنذاك على مسلمي الاتحاد السوفيتي وبخاصةٍ مسلمي منطقة القوقاز الذين حاربوا على الجانب الألماني ضد الروس ضمن ما يسمى بروابط المتطوعين. ولم تكن دوافعهم ذات طبيعة أيديولوجية بل قومية. فدعموا الحرب الألمانية ضد عدوهم اللدود ستالين تحت شعار "عدو عدوي صديقي" على أمل الحصول على الاستقلال الوطني. واستخدم النازيون الإسلام كسلاحٍ دعائيٍ استخدمته إدارة الحرب الألمانية في المقام الأول في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، لكنه سلاحٌ منسيٌ اليوم إلى حدٍّ بعيد. وتمتْ إعادة المقاتلين المسلمين إلى وطنهم في الاتحاد السوفيتي بعد عام 1945، ما كان يعني موتهم المحتم. ومن كان محظوظا منهم، سُمِح له بالاستقرار في ألمانيا.

"جاء سعيد رمضان بسبب الاضطهاد الذي عايشه في عهد عبد الناصر في عام 1958 إلى منفاه في مدينة ميونيخ الألمانية، وكان زعيم لامعًا ومؤثرًا في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، بينما كانت غرف التعذيب في عهد عبد الناصر مدارس مهمة أنتجت كوادر الإسلامويين"، بحسب كلوديا منده. كان المسلمون الأوائل في ميونيخ ممثلين قياديين في هذه الحركة التطوعية. نازيون مثل المختص بالثقافة التركية جيرهارد فون منده، الذي نسّق روابط المتطوعين المسلمين في حقبة الرايخ الثالث لعبوا دورا حاسما بعد عام 1945 أيضًا، حيث أرادوا الاستمرار بالاستفادة من السياسيين المنفيين من الاتحاد السوفيتي لخدمة المصالح الألمانية، وسعوا على وجه الخصوص منعهم من العمل لصالح الأمريكيين. وكانت وظيفة الإسلام بمثابة وسيلة لتحقيق غاية نشر الاضطرابات في الاتحاد السوفيتي. والجلي أن الشبكات والروابط القديمة ظلت فاعلة بعد عام 1945 بلا انقطاعٍ نسبيًا.

 أسس متطوعون سابقون في الجيش الألماني والوحدة الوقائية (إس إس) وحركة التطوع السياسية جمعية "جماعة الدينية الإسلامية" في ميونيخ في عام 1953، وكانت بذلك أول جمعية إسلامية ألمانية، وقد انبثق عنها "التجمع الإسلامي في ألمانيا" (IGD) في وقتٍ لاحقٍ. أصبحت مدينة ميونيخ خط مواجهةٍ في الحرب الباردة. وسرعان ما فقد جناح اللاجئين السوفييت نفوذه لصالح طلابٍ عرب استطاعوا في نهاية المطاف فرض أنفسهم في إدارة لجنة بناء المسجد.

إحدى الشخصيات الرئيسة في هذه الفترة كان المصري سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين، ووالد طارق رمضان. وكان سعيد رمضان قد جاء إلى المنفى في ميونيخ بسبب الاضطهاد الذي عايشه في عهد عبد الناصر في عام 1958، وكان زعيمًا لامعًا ومؤثرًا في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، بينما كانت غرف التعذيب في عهد عبد الناصر مدارس مهمة أنتجت كوادر الإسلامويين. ، وقع المسجد في ميونيخ تحت نفوذ الأخوان المسلمين من خلال سعيد رمضان، وما زال الأمر كذلك حتى يومنا هذا. أما ما يشاع باستمرار عن أن سعيد رمضان ذا الاتصالات الجيدة بالمملكة العربية السعودية قد تعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، فهذا ما لا يستطيع شتيفان ماينينغ أيضًا أنْ يقدم أيَّ دليلٍ يثبته.

صِلات بتنظيم القاعدة؟
 تستخلص كلوديا منده: " على الرغم من إسهاب الفصول الأولى، إلا أنها لا تشفي غليل القارئ الراغب في معرفة المزيد عن الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وصلة الأخوان المسلمين بتنظيم القاعدة". يصف المؤلف بشكلٍ مفهومٍ وبسلاسةٍ هذه الارتباطات ويصف تحرياته في محفوظات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز أمن الدولة التابع لجمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقًا) والاستخبارات السوفييتية. أما طرحه بأنَّ كلَّ خيوط الإسلام السياسي الجوهرية في ألمانيا تمر بالفعل في مسجد ميونيخ في منطقة فرايمان فيعطي الانطباع بأنه مصطنعٌ ولا يخدم سوى حبكة الكتاب الدرامية. وما يزعمه في نص الغلاف بالذات من ارتباطٍ بمهاجمي الحادي عشر من أيلول/سبتمبر ادعاءٌ ضعيفٌ في الواقع.

 اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية غالب همة الذي كان آنذاك رئيس "التجمع الإسلامي في ألمانيا" وشريك أعماله يوسف ندا بتزويد تنظيم القاعدة بالأموال عن طريق شركة "التقوى". وتعرض المركز الإسلامي في ميونخ إلى شبهة الإرهاب. بيد أن هذه التهم لم يتم التحقق منها من قِبَلِ أية محكمة حتى اليوم. وعلى الرغم من إسهاب الفصول الأولى، إلا أنها لا تشفي غليل القارئ الراغب في معرفة المزيد عن الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وصلة الأخوان المسلمين بتنظيم القاعدة.

 يقتبس شتيفان ماينينغ على نطاقٍ واسعٍ من سلسلة كتب الإسلام الصادرة عن المسجد في ميونيخ، والتي ينشرها الألماني أحمد فون دنفر معتنق الدين الإسلامي. وتتجلى في نصوص سلسلة كتب الإسلام علاقةٌ متوترةٌ بالمجتمع العلماني والديمقراطي. يرغب القارئ بعد تركيز المؤلف على عالم الاستخبارات المبهر مزيدًا من الترتيب والتصنيف ضمن الطيف الواسع للإسلام السياسي، حيث لا يشكل الأخوان المسلمون والإسلامويون جبهة موحدة، كما يتجلى بوضوح في المناقشات التي تجري في مصر. لكن لا يمكن في النتيجة إلا الاتفاق مع المؤلف على أن: من لا يريد التعرّف على الارتباطات بين الأمور يبقى أعمى.


كلاوديا منده- ترجمة:يوسف حجازي

عن موقع قنطرة 2011

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...