هبوط مستوى الخطاب بين حماس وفتح

17-10-2007

هبوط مستوى الخطاب بين حماس وفتح

هبط التراشق الإعلامي بين فتح وحماس باللغة السياسية الفلسطينية إلى درك غير مسبوق. والواقع أن هذا الهبوط لم يقتصر على اللغة ومفرداتها، بل تعداه إلى استهداف الحقيقة بلي ذراعها حيناَ وبقتلها أحياناً.
وإن لم يوفر الواقع لطرف مراده من المعطيات لاستغلالها، في تهشيم الطرف الآخر فلا بأس من اختلاقها. وإن لم تتوفر من طرف أول فليس هناك ما يمنع من استخدام أساليب الدس، بهدف إيقاع الطرف الآخر في مثلبة الكذب.
وغدا لهذا التراشق الإعلامي رموزه، ممن لا يهتز لهم جفن عند إطلاق الأوصاف أو استخدام التعابير، طالما أنها تخدم لتجميل صورة جهةٍ وتشويه صورة الجهة الأخرى.
ويبدو أن مثال ونموذج وقدوة هؤلاء الرموز المسمّين «متحدثين باسم»، ليس من التاريخ العربي أو الإسلامي، وإنما من تاريخ معاصر لرموز الإعلام الدعائي في الحرب العالمية الثانية.. ولكن مع فارق بسيط: كان المتحدثون في الحرب يستهدفون اجتذاب جمهور وإقناعه بأن ما يسمعه حقيقة، في حين أن المتحدثين الجدد لا يهتمون إلا بمحاولة تهشيم صورة الآخر من دون انتظار النتيجة.
وهكذا فإن الحرب الإعلامية بين حماس وفتح لم تعد تقتصر على اللغة السياسية، بل تعدتها إلى لغة الشوارع والنميمة.
وللمرة الأولى في التاريخ، صارت للغة الشوارع أبواقها الممثلة بالاتصالات الهاتفية المباشرة إلى قنوات وفضــائيات تسيطر عليها حماس وفتح. وباتت لهذه اللغة مواقع إلكترونية تعرض أشكالاً متنوعة من التعابير الحاقدة والبذيئة، التي يصعب تخيلها في صراع لا اختلاف حول أنه سياسي المنطلق والوسيلة والغاية.
وفي الوقت الذي لا يمكن فيه لوم المتحـدثين والمعلقين في المحطات التلفزيونية ومواقع الانــترنت، ينبــغي لوم هذه الوسائل لإفساحها المجال لهذا النمط من التخاطب الذي لا يترك منفذا للتراجع. غير أن الأدهى من ذلك هو انزلاق مسؤولين بتصريحاتهم أو وسائل إعلامية «ملتزمة» بمواقفها، إلى هذا التخاطب.
ومثال على ذلك ما دار في الأيام الأخيرة على مواقع الانترنت، من خطاب بين مسؤولين من حماس وفتح. فبعد إعلان رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية عن قرب بدء حوار في دولة عربية بين فتح وحماس، خرج المتحدث باسم فتح، جمال نزال لينفي إمكانية عقد هذا الحوار.
ولم يكتفِ بذلك بل أعلن أن هنية «ممثل نرجسي ومهووس بملابسه وصوته ويفتقر للجدية والوعي السياسي»، مضيفاً أن حماس تخشى أن تنفرج مسالك الحياة الفلسطينية عن اي رخاء، من شأنه أن يبعدهم عن رياح اليأس التي لطالما قذفتهم إلى قماقم الأوهام التي تحفرها لهم حماس في برازخ الفاقة وقمامة الإغلاقات.
وفي وقت لاحق، اعتبر نزال أن هذه الأوصاف جاءت رداً على توصيف وزير الداخلية الأسبق في حكومة حماس سعيد صيام للرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ»الشخص البليد».
ورد الدكتور حسن أبو حشيش، وهو وكيل وزارة الإعلام في الحكومة المقالة، ومن كوادر حماس البارزين على كلام نزال. وبعد أن عدد مزايا الجنة في قطاع غزة، تحت حكم حماس، أشار إلى أن هذه الجنة «لم تُعجب بعض من عوّدونا أن يهرطقوا في القول، ويراهقوا في التصريحات، ويتحدثوا البذيء من القول والكلام. فكانت أجواء العيد في القطاع، والتحام رئيس الوزراء والنواب والوزراء مع جماهيرهم وشعبهم، استفزازاً لهم أن يخرجوا كالجرذان من أقوام القمامة، لتفوح الروائح الكريهة من أفواههم القذرة بكلام كله سُم وقذارة وخسة وصبيانية ومراهقة ونذالة، وعمالة لمشاريع العواصم التي علّمتهم وربّتهم ومنحتهم شهادات الدكتوراة في الإشاعة والدعاية السوداء والتضليل، والعمل باستمرار ضد كل ما هو نظيف، لأن النظافة تتعاكس مع رذالة البيئة التي ترعرعوا فيها».
ومن المؤكد أن أحداً لا يستطيع وصم «المتحدثين» هؤلاء بسمة «التخلف»، فهم يتابعون كل جديد، لدرجة أن عاصم ريحان في مقالته في موقع إلكتروني لحماس، يستخدم مفاهيم «باب الحارة»، كاتباً تحت عنوان «فريال خانم وجمال رئيس الوزراء» أن «أحد المتحدثين الرسميين باسم فتح الجديدة، ولا داعي لذكر اسمه لأن الجميع يعرفونه، أخذ بتقـليد بعض الممثلين والممثلات في هذا المسلسل» وبالتحديد دور «المرأة الحـاسدة الحاقدة»، التي وصل بها الغيظ من «راحة البال والهدوء والسعادة والستر»، لدى جيرانها إلى «درجة الحقد عليهم والحسد المستمر لهم»، وشبه «هذا المتحدث الإعلامي» بـ»فريال خانم»، الأمر الذي بدا له عجيباً «أن نُفاجأ بقادة سياسيين وصلهم الهوس بهذا المسلسل».
العجيب أنه لم يعد يتم الالتفات إلى واقع وجود أكثر من عشرة آلاف معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية، غالبيتهم من حركتي فتح وحماس، في حين تطفح مواقع الحركتين بالحديث عن المعتقلين في سجون الحركة الأخرى.
لقد انتهت في لغة الخطاب الجديد تعابير المقاومة والوحدة أو ملاحظة احتمال عودتها بعد حين، لتحل مكانها لغة الميليشيا. فبنظر فتح ليس في قطاع غزة سوى ميليشيات حماس الانقلابية، فيما لا ترى حماس في الضفة إلا «ميليشيات عباس الخيانية» أو «حكومة دايتون العميلة».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...