نقد نصوص العهد القديم بين ابن حزم ورينان

كشفت أطروحة علمية حديثة، اللثام عن جهود كل من ابن حزم الإندلسي وإرنست رينان في نقد نصوص العهد القديم وتمحيصها، وإخضاع الروايات اليهودية والأسفار لمنهج النقد العلمي القائم على الضوابط العلمية واستقراء النصوص وتحليلها.

وقالت الباحثة نهى كمال السيد في أطروحتها للماجستير المعنونة: «مقارنة منهج ابن حزم ورينان في نقد نصوص العهد القديم» التي نالتها بامتياز مع مرتبة الشرف في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة أخيراً، «إن قارئ العهد القديم يشعر بأنه أمام أكثر الكتب جمعاً بين المتناقضات... لذلك، فقد كان محلاً للنقد على مدى تاريخ طويل، حيث مر هذا النقد بمرحلتين حاسمتين، الأولى: كانت مع النقد الإسلامي للعهد القديم، الذي استمد معظم مقولاته ومنهجه الأساسي من القرآن الكريم، ومنهج نقد الحديث النبوي الشريف، الذي وضع الأسس المنهجية لنقد الروايات التارخية في شكل عام، ومن ثم طبقها علماء الأديان المسلمون على الكتاب المقدس».

وتضيف الباحثة قائلة: «ثم برز اسم ابن حزم الأندلسي على وجه الخصوص، في هذا المجال، حيث أتاحت له ثقافته الموسوعية، وعقليته المنهجية، واحتكاكه بنصوص العهد القديم، أن يقدم نقداً منهجياً رصيناً، دفع علماء العصر الحديث مثل غولد تسهير إلى الاعتراف بأنه أول من بَشَّر بعلم نقد العهد القديم الحديث»، ثم كانت نقطة التحول الحاسمة الأخرى في تاريخ نقد العهد القديم من بدايات العصر الحديث، الذي شهد تحولات فكرية قوية، بدأت بذورها مع عصر النهضة والثورة العلمية على الكنيسة في أوروبا، حيث بدأ مفكروها ينظرون إلى الكتاب المقدس بعيون نقدية، والتفتوا إلى التناقضات والمغالطات التي تعج بها نصوصه، خصوصاً بعد أن اصطدمت مقولاته مع الاكتشافات العلمية الحديثة، فبدأوا ينظرون إليه على أنه عمل أدبي لم يصمد أمام مناهج النقد التاريخي والفيلولوجي، وفق كلام الباحثة.

ورأت الأطروحة أن «علم نقد العهد القديم بدأ يبرز كمجال مستقل، وبزغت مناهجه وطرائقه في العصر الحديث، وكان الفضل الأكبر للمدرسة الألمانية التي انتقلت جهودها إلى فرنسا، حيث ورث إرنست رينان ميراثاً نقدياً ضخماً، أعاد إنتاجه وفق قريحته الخاصة، وقد اشتهر رينان بكونه أديباً وفيلسوفاً ومؤرخاً وفقيهاً لغوياً وعالماً في اللغات السامية، إلا أن جهوده في نقد العهد القديم لم تلق العناية والاهتمام من جانب الباحثين، حيث يشير زالمان شازار إلى أن تم تجاهل ذكر رينان كأحد مؤسسي علم نقد العهد القديم، لأن آراء رينان لم تلق استحساناً داخل الأوساط اليهودية.

وذهبت الباحثة إلى أهمية دراسة الجهود النقدية التي قدمها رينان في هذا المجال، مع مقارنته بالجهد الإسلامي الذي مثّله ابن حزم، للكشف عن نقاط التقارب والاختلاف بين التراث الفكري للحضارتين الإسلامية والأوروبية، في مجال نقد العهد القديم، وإبراز قضايا التأثير والتأثر، خصوصاً أن بعض الباحثين الغربيين، من أمثال الباحثة اليهودية هافا لازاروز قد أشارت إلى انتقال النقد الإسلامي، وجهود ابن حزم – على وجه الخصوص – للعهد القديم إلى أوروبا، مع بدايات عصر النهضة، عبر قنوات الاتصال بين الشرق والغرب، في إسبانيا وصقلية، وذلك على أيدي يهود العصر الوسيط، ومن أهم تلك الشخصيات أبراهام بن داود، وأبراهام بن عزرا، وسليمان بن عدريت، كما نقلها أيضاً بعض اليهود المتحولين للمسيحية من أمثال: بتروس ألفونس، وبعض الرهبان المسيحيين كريمونس ماريتني.

وتوصلت الباحثة إلى نقاط ونتائج عدة بعد المقارنة بين منهجي ابن حزم ورينان منها: أنه بينما كان يسعى ابن حزم إلى إظهار كيف حرفت التوراة الأصلية، وأن مخطوطات موسى عليه السلام الأصلية قد ضاعت وانقطع سندها، وتحوَّلت إلى نص بشري مليء بالخرافات، كان رينان يسعى إلى تأكيد أن أصل تلك الروايات كان لادينياً بالأساس، وأنه لا وجود فعلي للوحي الموسوي، وأن الأصل – وفق رينان – كان مجرد أساطير وقصص شعبية خرافية لادينية تحولت عبر جهود أنبياء بني إسرائيل إلى نص ديني مقدس!

ورأت الباحثة أن غاية ابن حزم في نقده نصوصَ العهد القديم كانت الوصول للحق عبر قَوْلٍ فصل، وهو أن الدين عند الله الإسلام، بينما كانت غاية رينان هدم فكرة الدين من أساسها، وإحالتها إلى جمع من الأساطير، ليصبح العلم وحده هو دين الإنسانية الجديد، كما يقول هنري بيري.

وانتهت الرسالة إلى اختلاف منطلقات الرجلين المنهجية والفكرية، فابن حزم انطلق من عقل معانق للوحي، ورينان انطلق من عقل مفارق، إلا أنهما اتفقا على حقيقة واحدة هي «أن العهد القديم كتاب محرف مليء بالتناقضات والخرافات، وأنه خضع عبر قرون طويلة للتحريف والتشويه والحذف والإضافة!».

صلاح حسن رشيد

المصدر: الحياة