مياه الأرض نحو نضوب تحت أعين البشر
تغطي المياه 72 في المئة تقريباً من سطح كوكب الأرض وتمنحه امتيازاً للحياة كما تعطيه لقب «الكوكب الأزرق». في المقابل، ليس الماء وفيراً في بنية الأرض كما يتبادر إلى أذهان بعض الناس. إذ يبلغ حجم الأرض قرابة 1100 بليون كيلومتر مكعّب، ولا يزيد حجم المياه فيها على 1.4 بليون كيلومتر مكعب، وهو أقل من 0.13 في المئة من ذلك الحجم. ولأن كثافة الماء أقل من خُمس معدل كثافة الأرض، فإن مياه الكوكب لا تمثل سوى 0.02 في المئة من كتلته. والأسوأ أن معظم المياه، على رغم نسبتها المتدنية نسبيّاً، هي مياه مالحة في البحار والمحيطات. وبالأرقام، تمثّل المياه المالحة قرابة 1357 مليوناً من أصل 1400 مليون كيلومتر مكعب من المياه، ما يعني أن المياه العذبة لا تزيد على 43 مليون كيلومتر مكعب، ما يساوي 3 في المئة من إجمالي المياه.
أكثر من ذلك، لا يستطيع البشر الوصول إلا لقرابة 7 في الألف من ذلك الجزء الضئيل النادر من المياه العذبة، بينما يتكدّس القسم الأكبر من المياه (28 مليون كيلومتر مكعب) على جليد صلب في قطبي الأرض، ويغور الباقي (15 مليون كيلومتر مكعب) في أعماق الأرض.
الوصول إلى شيء نادر
من حسن حظ البشر أن حاجاتهم من المياه العذبة على سطح القشرة الأرضية تأتي من دورة المناخ التي تتضمن هطول الأمطار والثلوج التي تنجم عن تكثّف ما يتبخر من مياه البحار والمحيطات، في الغلاف الجوي البارد. ولا يزيد حجم ذلك الجزء من المياه على 113 ألف كيلومتر مكعب سنويّاً، وهي تزيد على حاجة البشر التي قُدّرت في العام 2000 بقرابة 9 آلاف كيلومتر مكعب.
في المقابل، يتزايد استهلاك البشر للمياه بسبب النمو الديموغرافي، وربما يتضاعف بحلول العام 2100، وفق تقديرات الباحث غسلين دي مرسيلي، الاختصاصي في شؤون الماء في «جامعة بيار وماري كوري» في باريس. ويشير دي مرسلي إلى أن قضية المياه العذبة لا تتعلّق بكميتها، بل بالقدرة على الوصول إلى المياه المتوافرة. «هناك في شكل إجمالي كمية كافية من المياه العذبة على سطح الأرض. وتكمن المشكلة في أن التوزيع السكاني ليس متناغماً مع توزيع المصادر المائيّة»، وفق كلمات دي مرسيلي.
ومنذ زمن، هناك مناطق تتعرض لنقص في مياه الشفة بينما تفيض المياه في مناطق أخرى. وأحياناً، ينجم نقص المياه عن تضييع الفرصة للاستفادة من مصادرها، وليس من غياب الموارد المائيّة.
وتعطي منطقة جنوب الصحراء الأفريقية نموذجاً عن ذلك الوضع. إذ لم تشهد المنطقة تشييد سدود وأقنية وأنظمة كفوءة للري، بسبب نقص الأموال. وتعمد بعض الدول إلى حلّ أزمة المياه عبر الشفط من المياه الجوفيّة، لكن ذلك حلّ موقت. وإذا استمر المعدّل الحالي للضخ، سوف تجفّ كثير من الآبار الجوفيّة في بلدان كثيرة، خصوصاً في قارة آسيا، خلال الثلاثين سنة المقبلة.
مياه قيعان المحيطات
في سياق المشهد عينه، يعمل الاحتباس الحراري على إنقاص احتياط الماء العذب، خصوصاً في الجبال الجليدية كسلسلة الـ»أنديز» التي تعتبر احتياطاً مائيّاً للبيرو والأرجنتين. ويتوقّع اختفاء ثلوج تلك الجبال تماماً بحلول العام 2045.
ويتوقّع أن يؤثّر الاحتباس الحراري على المناخ ودوران المياه في الغلاف الجوي برمته. وفي أحد السيناريوات عن المستقبل، ربما تزداد الأمطار إجمالاً، لكن المناطق المناخية الفاعلة ستزحف باتجاه قطبي الأرض، مع زيادة الرطوبة وتناقص الجليد فيها.
في المقابل، ستشهد منطقة المتوسط جفافاً متزايداً. ويقدّر معظم العلماء أن تغيّر المناخ سيزيد في سلاسل الفيضانات والجفاف على امتداد الكوكب.
ولذا، يطرح دي مرسيلي طريقة لتجنب الجفاف تستند إلى الاستفادة من فائض المياه أثناء الفيضانات، بتخزينها في خزّانات جوفيّة ما يحميها من التبخّر لاحقاً. كما يقترح الاستفادة من المياه المتجلدة التي تطفو فوق المياه المالحة في المحيطات وتضيع تدريجياً فيها. وكذلك يقترح جرّ الكتل الجليدية من موقعها عند القطبين إلى مناطق الجفاف. ويبقى أنّ الطريقة الكلاسيكية والأكثر واقعية هي تحلية مياه البحار، إلاّ أنها طريقة مكلفة جداً لمياهٍ لا يستخدمها البشر سوى لري مزروعاتهم.
أين يمكن إيجاد المياه الحلوة أيضاً؟ ربما في مخزونات جوفية منتشرة بكثرة تحت قيعان المحيطات، وفق فنسنت بوست، وهو باحث في علوم الجيولوجيا المائية في «جامعة فلنرز» في أستراليا. ووفق تقديره، هناك قرابة نصف مليون كيلومتر مكعّب ربما تكون مختزنه «هناك» منذ العصر الجليدي الأخير قبل 20 ألف سنة تقريباً، حين كان مستوى سطح البحر أدنى بـ 120 متراً عن مستوياته حاضراً. ووفق بوست، «يبقي أن نعرف إذا كانت تلك المياه عذبة لتصلح مياهاً للشرب، ومدى الجدوى الاقتصادية لعمليات سحبها من قيعان المحيطات».
أحمد شعلان
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد