من دارفور إلى سجون إسرائيل
لسنوات طويلة مضت، كانت مفردات “التهريب” عبر الحدود المشتركة بين مصر والكيان الصهيوني لا تخرج عن أمرين، هما “المخدرات وفتيات الليل الروسيات”، حيث كانت السلطات المصرية تعلن بين حين وآخر عن نجاحها في احباط عملية تهريب عبر الحدود خاصة بالمخدرات أو بالروسيات، وشيئا فشيئا أضافت “اسرائيل” الى هذه المفردات جديدا تعلق بادعاءاتها المتكررة عن وجود أنفاق لتهريب اسلحة من الأراضي المصرية الى الفدائيين الفلسطينيين، لكن الفترة الأخيرة شهدت، وبشكل مفاجئ، تزايدا في ظاهرة جديدة تتعلق بمحاولات تهريب مستمرة لأفارقة، وكان أكثر ما يلفت الانتباه في الظاهرة ان أغلبية الأفارقة الذين نجحوا في الدخول الى “اسرائيل” أو هؤلاء الذين فشلوا في تحقيق هذا الهدف كانوا من السودانيين، والذي تحدث بعضهم بانبهار غريب عن “الجنة المنتظرة” في الكيان الصهيوني، بما كشف عن تعرضهم او تعريضهم لعمليات شحن معنوي و”غسيل مخ”، دفعتهم الى خوض المخاطرة عبر اراضي سيناء الوعرة، وربما دفع مبالغ كبيرة لعصابات تخصصت في إرشاد الأفارقة الى أماكن اختراق الحدود.
ووفق التحقيقات مع من تم القبض عليهم، تبين أن غالبيتهم “مسلمون” وكانوا يحصلون على وعود وأمان بأنهم سيجدون في “إسرائيل” ما لم يجدوه في بلدانهم من فرص عمل وحياة كريمة واستقرار، بعيدا عن العنف، وقالت مصادر مطلعة ل”الخليج” ان الظاهرة ليست جديدة، وهي إضافة إلى ظواهر أخرى كانت قد شهدتها سيناء في الأعوام الخمسة الأخيرة باعتبارها الأرض المصرية المحاذية للجانب “الإسرائيلي”، ومنها عملية تهريب الفتيات الروسيات إلى هناك للعمل في بيوت الدعارة والخدمة في المنازل، بمعرفة عصابات منظمة تقودهن تحت ستار أنهن سائحات ومن ثم تسريبهن إلى الصحراء وتسفيرهن عبر المدقات والطرق الصحراوية البعيدة عن الرقابة في سيارات نصف نقل مقابل دفع مبالغ طائلة، وعلى النهج نفسه أصبح يتم التعامل مع المهاجرين السودانيين وعموم الأفارقة الراغبين في عبور الجانب الآخر من الحدود، حيث يصلون عبر طريق القاهرة رفح إلى سيناء وتحديدا إلى مدينة العريش ورفح.
وقال عديدون من بدو سيناء وعلى وجه التحديد في مناطق الشيخ زويد وقرية الجورة والماسورة أنهم أصبحوا يشاهدون سودانيين يأتون بمواصلات عادية ويسألونهم في براءة عن مكان الوصول الى “اسرائيل”، وكأن الأمر غاية في السهولة أو هو بمثابة الانتقال من مدينة أخرى في بلد واحد، وعلى ما يبدو أنهم سمعوا عن الهجرة وأتوا بشكل عشوائي وغير منظم، حتى إن بعضهم يغامر بعرض مبالغ مالية على من يقابله ليرشده فقط عن الاتجاه، ويتم إبلاغ أجهزة الأمن عن هؤلاء فتحضر للقبض عليهم، بعكس آخرين يتفقون مع عصابات متخصصة في التهريب لكي يصلوا بهم إلى المنطقة التي يعتقدون أنها “آمنة”، ويمكن عن طريقها اختراق الأسلاك وعبور الحدود، بعد أن يسيروا بهم من الطرق الصحراوية البعيدة عن رقابة الشرطة، إلى أن يصلوا إلى مناطق محاذية لمنطقة بئر السبع في فلسطين المحتلة التي يلتقطهم الجيش “الإسرائيلي” فيها ويودعهم في سجون خصصت للمتسللين.
ويتردد في أوساط المهربين أنهم غالبا يستقدمون للعمل في أعمال دونية، إلا أن كثرتهم في الآونة الأخيرة سببت لهم أزمة كما سببت ل “اسرائيل” نفسها التي أصبحت تضيق ذرعا بوجودهم، ما جعل تأمين عودتهم إلى مصر بندا جديدا على طاولة اللقاءات بين الجانبين “الإسرائيلي” والمصري وكذلك تضييق الخناق على وصولهم لأراضيها بهذا الشكل العشوائي.
محمد أبو عيطة
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد