مشفى البيروني من سيئ إلى أسوأ
كانت مناوبتي يوم الجمعة الماضية وكان مطلوب مني تغطية وحدة الحقن الدوائي النسائية والرجالية وجزء كبير من وحدة المرضى الذين يوجدون لمدة أربع وعشرين ساعة فعدد المرضى - وفقاً لرواية الممرضة - وصل إلى أكثر من 35 مريضاً وعندما جاءت مديرة المشفى وسألتني عن سبب التقصير شرحت لها الحال، ثم تبعتها لتوضيح أي ملابسات وشرحت لها حالة النقص وأكدت أنه من المستحيل أن تستطيع ممرضة واحدة أن تقدم الخدمة التمريضية لهذا العدد الكبير من المرضى وجواب مديرة المشفى بالوكالة على شرحي لهذا الأمر كان هو أني «بلا ذوق».
مديرة المشفى بالوكالة سهام سليمان - وفي اتصال هاتفي معها - لم تنف الواقعة بل أكدتها، مبينة أنها كانت في جولة مع طلاب الدراسات العليا، وعندما اكتشفت وجود ممرضة واحدة تقدم الخدمة التمريضية لكل هذا العدد من المرضى، قامت بالاتصال برئيسة التمريض وأنبتها، وطلبت منها فوراً تأمين ممرضة أخرى معها في القسم، لأنه حسب رأيها أن ذلك خطأ وليس في محله ومن غير الممكن أن يحصل أي مريض من هؤلاء المرضى على أبسط حقوقه في الخدمة التمريضية ووفقاً لوجهة نظر سليمان فإن انفعال الممرضة كان في محله، لكنها هي أيضاً كانت منفعلة نتيجة الواقع المزري الذي واجهته في تلك اللحظة «وكلمة أن تصرف الممرضة بلا ذوق جاءت نتيجة استمرار الممرضة بسرد معاناتها بصوت عال رغم تحركها السريع لحل الإشكال» وهي بعد أن أنهت جولتها وبعد أن تم تكليف ممرضة أخرى لمساعدتها اعتذرت من الممرضة في غرفة رئيسة الممرضات مبينة لها أن كل شيء يمكن حله بهدوء.
ما سبق يسلط الضوء على جزء من أجزاء الخلل الإداري الذي يعاني منه مشفى البيروني للأورام.
مرضى على قارعة الطريق
الأحوال في مشفى البيروني من سيئ إلى أسوأ، وهو الأمر الذي يؤكده أغلب من التقينا بهم، فلا حل للزحمة ولا حل للانتظار ولا حل لأبسط المسائل التي أكدتها نائب رئيس الجمهورية «كأس الماء أو الشاي والسندويشة» فالندوة الداخلية للمشفى مغلقة، ومن يود أياً من هذه الرفاهيات فعليه أن يذهب إلى خارج المشفى إلى الطريق العام حيث يتوضع عدد من العربات التي تبيع الشاي والقهوة والسندويش بعيداً عن أي رقابة صحية. فقبل شروق الشمس بوقت طويل يفترش الأرض أمام مشفى البيروني الكثير من المرضى من أبناء المحافظات، بانتظار أن يبدأ الدوام الرسمي في المشفى صباحاً، شرائح مختلفة باختلاف محافظاتهم ومناطقهم، ينشدون الدواء الذي يعيد أملاً بالحياة التي يكاد البعض ييئس منها بعد معاناة مع المرض العضال.
ممرضات: ألغوا عيدنا
الجلوس مع ملائكة الرحمة ليس بالهين فلهن الكثير من الشجون التي يبثثنها، وكثير من العتب يمكن حله كما أن قسم الحل في صيدلية المشفى حيث يتم خلط الدواء بالسيروم من أجل حقن المريض بالجرعة وريدياً، يظهر جزءاً من طبيعة عملهن، الخطرة نسبيا فالكفوف التي تلبسها الممرضة من أجل الإمساك بعلبة الدواء بيد والإبرة التي تسحب بها الدواء باليد الأخرى هي كفوف نايلون لا يمكن لها أن تصد هجوم الإبرة في حال أخطأت وغرزتها في يدها فلهذا الدواء مخاطر ويجب أن تكون نوعية الكفوف بلاستيكية وقاسية، إلى ذلك فإن العمل في غرفة حل الدواء من الساعة الثامنة والنصف حتى الثالثة له مخاطر صحية، وهنا يسألن أمام هذه المخاطر لماذا تكون طبيعة العمل للمرضات 40%؟ على حين هي للإداريين في المشفى 35% وللأطباء 95% أليس لهن الحق بأن تكون طبيعة العمل متناسبة مع حجم الخطورة. إلى ذلك ووفقاً لروايتهن لا توجد كلمة شكر. علماً أنه في أغلب الأحيان تكون الطاقة التخديمية للمشفى أكبر من الممكن حتى إن المرضى لا يجدون مكاناً للجلوس من أجل أخذ الجرعة، فيضطر البعض منهم لقلب سلة المهملات من أجل الجلوس. إلى ذلك فإن اللوم يوجه لنا حتى على النظافة، وهو الأمر الذي لا علاقة لنا به فهناك متعهدون للنظافة هم المسؤولون ونحن لا نستطيع أن نوزع جهدنا بين متابعة المرضى والبحث عن عامل النظافة.
الممرضات بينّ أنه ليس لهن الحق بالمطالبة بأي شيء فالكل يتجه باللوم لهن من المدير إلى الطبيب إلى الشرطي إلى الزبال، وتؤكد إحداهن أن طريقة تعامل الإدارة معهن تنعكس سلباً على تعاملهن مع المرضى مبينة أن الكلمة الطيبة يمكن أن تجعلها تعمل طوال النهر بل هي مستعدة أن تذهب إلى بيتها سيراً على الأقدام. وفي النهاية حملنا مطلبهن بإلغاء عيد الممرضة الذي صادف أول هذا الشهر فالتكريم حسب قولهن فيه خيار وفقوس، ونسبة المكرمين من خارج الكادر التمريضي تفوق نسبة الممرضات المكرمات، أما الحوافز حسب قولهن فيقبضها كل مدعوم أو مسنود من خارج قطاع التمريض.
«نغنشة» إدارية
التصوير داخل المبنى جعلنا تحت أعين العاملين في المشفى، فما هي إلا لحظات حتى كان مدير الخدمات يسأل عن هويتنا الصحفية وطلب بلباقة أن نرى الإدارة فأكدنا له أن ذلك سيحصل، لكن بعد فترة وجيزة وجدنا أن هناك من يتابع تحركاتنا والأماكن التي نزورها داخل المشفى، فجاء معاون مدير الخدمات يطلب منا التوجه إلى الإدارة، فأكدنا له مجدداً أن ذلك سيحصل لكنه أصر لأن التعليمات الموجهة له تلزمه بذلك، بالطبع الرفض في هذه اللحظة مرتبط بالمشهد الذي يجري في قسم التحليل فالمريض يريد الدخول والمسؤول هناك يطلب منه بلهجة صارمة التقيد بالدور، المريض يحتج على اللهجة ويؤكد له أن هذه الطريقة بالتعامل لو حصلت في الشارع معه لكان ثمنها غالياً، أمام مكاتب الإدارة وطوال ساعة ونصف الساعة يستلقي مسن على نقالة، فهو بحاجة لسيارة الإسعاف التي تقله إلى فرع المشفى في المزة من أجل العلاج بالأشعة ثم تعيده، لكن السيارة لا تأتي فسيارات الإسعاف قد ذهبت ويجب عليه الانتظار. على حين أن التأخر في الصعود إلى الطوابق العليا أوجد حالة من النشاط التنظيفي بين أروقة المشفى حتى إن الشطف في أروقة الطابق الثالث استمر بعد الساعة العاشرة صباحاً.
ندخل إلى معاون مدير المشفى للشؤون الإدارية عفيف عفيف الذي يبين لنا أن المشفى يعاني من مشكلتين رئيسيتين الأولى اهتزاز ثقة المرضى به نتيجة حادثتين الأولى وكانت قبل سنوات حول عدم إعطاء جرعات الدواء الصحيحة والثانية كانت بعد زيارة نائب رئيس الجمهورية لذا فإن المشفى مازال يعيش ارتدادات هاتين الحادثتين. أما المسألة الثانية فهي تحميل المشفى أكثر من طاقته.
تحميل تظهر تفاصيله في الزحمة داخل الطابق الأول حيث أقسام العيادات الخارجية والقبول وقسم التحليل الذي يعاني ضغطاً كبيراً نتيجة العدد الضخم لطالبي التحليل علماً أن جزءاً كبيراً من المرضى يقوم بإجراء تحاليله خارج المشفى، لكن السؤال المطروح على إدارة المشفى هو السبب بوجود ثمانية مقاعد لجلوس المرضى في غرفة التحليل على حين المستخدم منها فقط مقعدان أو ثلاثة علماً أنه لم يوجد سوى ممرضين في أكثر الأحيان وثلاثة في أقلها لسحب الدم من المرضى. علما أن التعميم في الوحدة النسائية مثلاً يؤكد «على المرضى تحضير جميع التحاليل والأوراق المطلوبة قبل يوم المراجعة بيوم».
أما قسم القبول الداخلي فالازدحام على أشده وكل يبحث عن سرير يستلقي عليه خلال الأربع والعشرين ساعة أو الثماني والأربعين والتي تشكل المدة اللازمة لأخذ الجرعة، فبعض هؤلاء ينتظر منذ يومين وبعضه الآخر من محافظات أخرى يضطر إما للنزول في الفنادق أو السفر إلى محافظته والعودة مرة أخرى.
دوام الأطباء في المشفى الذي يستقبل مئات الحالات يومياً وبالآلاف أسبوعياً يختلف من وحدة علاجية إلى أخرى فأغلب الأطباء في العيادات لا يحضر وفقاً للجداول الموجودة على باب كل وحدة علاجية سوى يومين في الأسبوع وفي أقصى الحالات ثلاثة أيام، وهذا الدوام يكون من التاسعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً في أقصى حالاته وهو الأمر الذي نفته سليمان مؤكدة أن الأطباء موجودون على رأس عملهم يومياً من الثامنة والنصف حتى الساعة الثالثة ظهراً طوال خمسة أيام في الأسبوع. فالطبيب له جدول دوام في العيادات.
مديرة المشفى بالوكالة بينت أن حال المشفى بوجود ثلاثمئة واثنتي عشرة ممرضة موزعات بين البيروني في حرستا وقسم الأشعة في المزة ليس بالوضع الصحيح، «ونحن نطالب مطالبة شديدة بزيادة عددهن» وبينت سليمان أن العدد الحالي موزع لتقديم خدمة تمريضية لـ450 سريراً لا يوجد بينها سرير واحد فارغ على مدار الأربع والعشرين ساعة إضافة إلى ثمانمئة أو ألف مراجع يومياً، فلذلك هناك نقص بالعدد علماً أن الممرضات يعملن بالطاقة القصوى لهن.
عبد المنعم مسعود
المصدر: الوطن السورية
التعليقات
اتمنى من السيد المحترم كاتب
إضافة تعليق جديد