15-07-2017
ماضي ومستقبل حرارة الأرض
يعتبر ثاني أوكسيد الكربون من الأسباب الرئيسيّة لارتفاع حرارة الأرض لكنّه ليس اللاعب الوحيد، إذ أنّ الشمس نفسها تمرّ في دورات متتابعة تشهد تغيّراً في نشاطها الإشعاعي الذي يؤثّر على حرارة الأرض
تحاول الدراسات الأخيرة أن تضع في حساباتها هذه المحددات لاحتساب التغيّرات المتوقّعة في العقود المقبلة، وسط احتدام النقاش السياسي أيضاً حول ظاهرة الاحتباس الحراري مع وصول رئيس مشكّك في صحّة هذه الظاهرة، وفي العديد من نواحي العلم بشكل عام، إلى سدة الرئاسة في الولايات المتّحدة.
وفيما تجمع الأوساط العلميّة على الأثر الكبير الذي يخلّفه تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجويّ على ارتفاع حرارة الأرض، إلّا أنّ مقاربة الموضوع برؤية شموليّة تتضمّن دراسة المتغيّرات الأخرى ومنها نشاطيّة الشمس تعتبر ضرورية للخروج بتوقّعات مستقبليّة دقيقة.
تشير الدراسات الجيولوجيّة إلى أن الماضي البعيد شهد مستويات مرتفعة من ثاني أوكسيد الكربون في غلافنا الجوي لعدة أسباب فيزيائية وجيولوجيّة، لكنّ نسب تركّز هذه الجزيئات اليوم تعتبر الأعلى من 200 مليون سنة. وخلال هذه الفترة الزمنيّة كانت الشمس تنشط بوتيرة تصاعديّة أيضاً، مما يؤدّي إلى ارتفاع حرارة الأرض إلى مستويات لم تشهدها منذ مئات ملايين السنين.
تسير التغيّرات الطبيعية على سطح الأرض بوتيرة بطيئة جدّاً تمتد على فترات من ملايين إلى مئات ملايين السنين، مثل تشكّل القارات والمحيطات والجبال وتغيّر تركيبة المكوّنات الجزيئيّة للغلاف الجويّ وغيرها إلى جانب تطوّر الحياة الذكيّة. لكنّ التغيّرات التي يتسبّب بها الإنسان تجري بشكل فائق السرعة قياساً لتغيّرات الطبيعة حيث أدّى النشاط البشري خلال 150 عاماً الأخيرة مع الثورة الصناعيّة وما تلاها من تطوّر سريع إلى ارتفاع حرارة الأرض درجة مئويّة واحدة ما أدّى إلى اختفاء مساحات هائلة من الكتل الجليديّة القطبيّة وارتفاع مستويات سطح البحر وهي ظواهر مرشّحة للتزايد بوتيرة متسارعة.
الماضي والمستقبل
يمكن للعلماء القيام بدراسات دقيقة حول ماضي المناخ وتركيبة الغلاف الجويّ للأرض من خلال دراسة المكوّنات التي تعتبر دلائل كامنة في الصخور والترسبات وطبقات الأرض الأعمق. تشير كل هذه النتائج إلى أنّ تغير المناخ حصل في عدة حقبات في الماضي، لكنّ الفارق هو في سرعة هذه التغيّرات إذ أن نسب التغيّر الحاليّة تعتبر الأعلى في تاريخ الأرض المعروف.
وبحال استمرّ تغيّر المناخ بنفس الوتيرة التي شهدناها خلال العقود الأخيرة إثر استنفاد كل الوقود الأحفوري وحرقه لتأمين الحاجات البشريّة، فستكون سرعة مراكمة ثاني أوكسيد الكربون سبباً رئيسياً لسخونة الأرض بعد قرنين بسرعة تصاعديّة لم تبلغها منذ 420 مليون سنة.
سرعة التغيّر قياسيّة، لكنّ قيمة هذا التغير التي تبلغ درجة مئوية واحدة ليست كذلك. في فترات ماضية من تاريخ الأرض تغيرت الحرارة عدة درجات على فترات طويلة، حيث بلغ أوج هذا التغيّر قبل حوالى 50 مليون سنة عندما وصلت حرارة الأرض إلى حوالى 15 درجة أعلى مما هي عليه اليوم، حيث ذاب كلّ الجليد القطبي ونمت الأشجار في الأنتركتيك وجابت التماسيح والحيوانات الأفريقيّة الحالية شمال أوروبا وكندا. لذلك لا تعتبر الفترة التي نعيش فيها اليوم أو في المستقبل القريب من الفترات الساخنة في تاريخ الأرض، بل على العكس تعتبر من الفترات الباردة في دورة الحرارة في كوكبنا لناحية وجود جليد على قطبيه الشمالي والجنوبي. وعلى مدى تاريخها، كانت هذه المراحل عبارة عن دورات طبيعيّة عاديّة في حياة الأرض.
أثر البشر
ما يميّز الحقبة التي نعيشها اليوم هو وجود حياة بشرية متطورة على سطح الكوكب وهي تعتبر حساسة وضعيفة أمام ظواهر الطبيعة. فالدورات المناخية التي مرّت وستمرّ بها الأرض على مدى ملايين السنين تمّت قبل الحضارة البشرية، ولا شك أن تغيرات مناخيّة بعدة درجات مئوية تعتبر كارثيّة على الإنسان. وفي حين تحتاج الطبيعة إلى ملايين السنين للتغيّر، يمكن أن يؤدّي النشاط البشري القائم على الاستغلال المسرف للطبيعة ونمط الحياة الاستهلاكيّة الحديثة التي تستنزف إمكانات الكوكب وتلوّث أرضه وهواءه ومياهه وترفع من حرارته، إلى تغيّرات مناخية خلال مئات قليلة من السنوات. لذلك، يعتبر أثر البشر على هذه العملية قياسيّاً في سرعته ويتهدّد جدياً مستقبل الحياة على سطح المعمورة.
أرقام ومعطيات
تقاس نسب تركز ثاني أوكسيد الكربون بعدد الجزيئات الموجودة بين مليون جزيء من الهواء. قبل ثورة الصناعيّة كانت هذه النسبة تصل إلى 280 جزيء كربون بالمليون، فيما صارت اليوم حوالى 400 جزيء بالمليون وهو ارتفاع تبلغ نسبته 43%. وفي حال لم تحصل تغيّرات جديّة في سياسات الطاقة والاستهلاك خاصة في الدول الرأسماليّة الكبيرة، ومع استمرار حرق الوقود الأحفوري يمكن أن تصل نسبة ثاني أوكسيد الكربون إلى 2000 جزيء بالمليون خلال قرنين مما سوف يتسبّب بتغيرات مناخيّة حادة جداً مرتبطة بارتفاع حرارة الأرض خلال هذه الفترة. ما يميّز الفترة الحالية هو ارتفاع نشاطية الشمس، وبالتالي الطاقة التي ترسلها إلى الأرض عمّا كانت عليه قبل ملايين السنين، مما يزيد من تأثير التغيّرات الحاليّة.
الحياة تستمرّ
في تاريخ كوكبنا لم نشهد هذه النسبة من ثاني أوكسيد الكربون إلّا قبل حوالى 200 مليون سنة عندما كانت الأرض في مرحلة دفيئة سمحت بازدهار الحياة البيولوجيّة الحارّة ووجدت فيها الدينوصورات التي تحتاج إلى غطاء أخضر كثيف لتأمين استمراريتها. إن ارتفاع حرارة الأرض يعتبر خطراً على استقرار الحياة البشريّة وفق النمط الذي نعرفه اليوم، لكنّه بالضرورة خطراً على أشكال الحياة الأخرى إذ أنّ بعضها قد يزدهر وينتشر إلى أماكن جغرافيّة جديدة كانت قبل ذلك غير صالحة تماماً لها.
إن مشكلة الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة الأرض بهذه السرعة القياسيّة سببه الأساسي هو النشاط الإنساني، وأثرها السلبي وتداعياتها ستكون بالدرجة الأولى على نمط الحياة البشريّة نفسها.
الأخبار: عمر ديب
إضافة تعليق جديد