ماذا يجري في اللوزتين: التهاب أم سرطان؟
ما هو خط الدفاع الأول الذي يقف بالمرصاد للجراثيم والفيروسات؟
ما الذي يفرز كريات الدم البيض المناعية التي تطرح مضادات الأجسام التي تساهم في وضع الميكروبات عند حدها وعدم تماديها في الجسم؟ ماذا يحمي فوهة المجرى التنفسي والمجرى الهضمي؟ إنهما اللوزتان.
في أعلى الحلق، وعلى القسم الخلفي من الفم تقع اللوزتان، واحدة في الجانب الأيمن والأخرى على الجانب الأيسر، وفي الإمكان رؤيتهما بسهولة عند فتح الفم.
وتنتمي اللوزتان الى النسيج اللمفاوي، وهما تعتبران خط الدفاع الأول في الجسم، اذ تقومان بصنع خلايا متخصصة وأجسام مضادة تتولى مهمة تصفية الميكروبات من الفيروسات والجراثيم وبالتالي منعها من الدخول الى الجسم لإثارة الأمراض.
ونظراً الى كون اللوزتين خط الدفاع الأول في الجسم فإنهما كثيراً ما تتعرضان لالتهابات متكررة، خصوصاً في مرحلة الطفولة، وقد تتضخمان بسبب هذه الالتهابات الى درجة أنهما قد تعرقلان عمليتي البلع أو التنفس، وربما تحصل مضاعفات أخرى مثل الخرّاج حول اللوزة أو الحمى الروماتيزمية أو التهاب الكلية، وعندما تشكل هذه المضاعفات تهديداً لحياة الشخص فإن اللجوء الى استئصالهما قد يصبح أمراً لا مفر منه.
ويؤدي تكرار التهاب اللوزتين بجراثيم المكورات العقدية وعدم الخضوع للعلاج الصحيح في الوقت المناسب الى تعرض القلب، أو في شكل أدق صماماته، لتهديد حقيقي يجعلها عاجزة عن القيام بعملها. ولا تتعلق شدة الإصابة القلبية دوماً بشدة الالتهاب، اذ يمكن لالتهاب اللوزتين البسيط، الذي كثيراً ما يقابل بعدم الاكتراث، أن يتسبب في دمار صمامات القلب، ويمكن لالتهاب اللوزتين الشديد أن يمر على المريض من دون ضجة تذكر على القلب.
ولحماية صمامات القلب من هجمات التهابات اللوزتين المرتدة من الأفضل استئصال اللوزتين، لكن بعضهم يخشى إجراء الجراحة بحجة أن اللوزتين تلعبان دوراً أساسياً في مناعة الجسم وأن استئصالهما يفتح الباب على مصراعيه أمام الالتهابات، لكن الدراسات الحديثة التي تم فيها قياس مناعة الجسم قبل جراحة استئصال اللوزتين بستة أشهر وبعدها، أوضحت أن المناعة متساوية، إذ تتشكل مكان اللوزتين أنسجة لمفاوية أخرى تتولى مهمة صد الجراثيم.
ويعتقد كثيرون أن اللوزتين تصابان بالالتهابات فقط، وهذا ليس صحيحاً، فهما قد تكونان مقراً لنشوء السرطان الذي ينتمي الى فئة سرطانات الطريق الهضمي الهوائي العلوي الذي تجمعه قواسم مشتركة مع اللوزتين.
وتشيع الإصابة بسرطان اللوزتين بعد سن الخمسين، وتسجل 85 في المئة من الإصابات عند الرجال. وهناك مؤشرات قوية تشير الى أن لبعض العوامل دوراً، بينها التدخين، واستهلاك المشروبات الروحية، والوجبات الغذائية التي تفتقر الى الفواكه والخضروات، والإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري، إلا أن التدخين يعتبر المسبب الأهم لسرطان اللوزتين بلا منازع.
ويتظاهر سرطان اللوزتين بعوارض غير نوعية يمكن أن نشاهد مثيلها في أمراض كثيرة، ومع ذلك يجب القلق في شأنها، خصوصاً اذا كان المصاب مدخناً وتزامنت مع مظاهر أخرى مثل فقدان الوزن ونقص الشهية والتعب، ومن أكثر العوارض شيوعاً التي تصادف في سرطان اللوزتين:
- ألم عند الازدراد.
- صعوبة في البلع.
- آلام في الحلق أو في الأذن. خصوصاً اذا توضعت في جهة واحدة.
- إحساس بجسم غريب في البلعوم.
- ظهور تورمات كيسية في العنق أو في زاوية الفك.
كيف يشخَص سرطان اللوزتين؟
أمام العوارض التي أشرنا اليها أعلاه لا بد للطبيب أن يقوم بعمل الفحص بالمنظار من أجل استكشاف منطقة الحلق ورؤيتها عن كثب، ففي حال وجود آفة مشتبه بها يتم أخذ خزعة منها ليجرى فحصها في المختبر من أجل نفي أو إثبات وجود السرطان. واذا تبين أن الخزعة تحتوي على خلايا خبيثة وجب إجراء فحوص أخرى مكملة لتحديد مرحلة انتشار السرطان ودرجته من أجل تقرير الخطة العلاجية الأنسب للمريض.
كيف يعالج سرطان اللوزتين؟ يعتمد العلاج على المرحلة التي وصل اليها السرطان وعلى درجته، لأن نسبة الشفاء ترتبط بهاتين الصفتين. وفي شكل عام يكون العلاج إما كيماوياً وإما إشعاعياً وإما جراحياً، وقد يكون العلاج مزيجاً بينها.
وكشفت دراسة حديثة دامت ثلاث سنوات قام بها الدكتور ويد ثورستاد، رئيس قسم الرأس والعنق في كلية الطب في جامعة واشنطن، وشملت 46 شخصاً عانوا من سرطان اللوزتين المستفحل، أن العلاج بالأشعة الموجهة يفيد الأشخاص الذين يعانون هذا المرض لأنه يسمح بضبط الورم ويعطي نتائج طيبة مع تأثيرات جانبية ضارة قليلة نوعاً ما.
نصل الى النقطة الأهم في الموضوع وهي الوقاية، وبما أن الميكروبات هي الشرارة التي تشعل فتيل التهاب اللوزتين فإن اتباع بعض القواعد الصحية البسيطة هو الوسيلة الفضلى لتجنبه، وتقوم هذه القواعد على غسل اليدين جيداً، خصوصاً بعد الخروج من الحمام وقبل تناول الطعام، وتفادي مشاركة الآخرين أطعمتهم وأشربتهم وكؤوسهم وأدواتهم، واستخدام المنديل عند العطاس أو السعال.
أما الوقاية من سرطان اللوزتين فترتكز أساساً على التغذية الجيدة الحافلة بالخضار والفواكه، والابتعاد عن التدخين، والامتناع عن المشروبات الكحولية، وتفادي العدوى بفيروس الورم الحليمي البشري، ومراجعة الطبيب عند ظهور عوارض منذرة.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد