كيف تتداخل ملوثات التراب والماء والهواء
ما يهمنا هو الطبقة السطحية منها، والتي تقل سماكتها عن مئة سنتيمتر، وتحوي على نسبة عالية من المواد العضوية والماء والهواء، وتعيش بها أنواع مختلفة من الكائنات الحية، وهذه الطبقة من الأرض هي التي تعتمد عليها أحياء الأرض.
- هناك تداخل وتبادل بين ملوثات الماء والهواء والأتربة، فمن الهواء يتساقط الغبار الملوث من نفايات المصانع والمساكن والمواصلات، كما ان الأمطار تجلب معها الأحماض العالقة بالهواء، أما المياه الملوثة فتنشر حمولتها على الأتربة من جراء السيول والفيضانات والري، ومن ملوثات الأتربة أيضاً الأسمدة الكيميائية ومبيدات الحشرات ومبيدات الفطور في المزارع.
وتعتبر القمامة، أي الفضلات الصلبة الناتجة عن المساكن والمصانع والمزارع وعمليات التعدين من ملوثات الأتربة الأساسية، هذه الكميات الضخمة من القمامة تجمع يومياً وتشحن إلى مواقع معالجة القمامة، وبعد فصل القطع المعدنية والزجاجية والبلاستيكية والخرق والورق، يصار إلى فرم المواد العضوية المتبقية وتعالج بعدة طرق:
1- الحرق: هذه الطريقة تعطي قدرة حرارية مفيدة، لكن نفاياتها من دخان ورماد غنية بالمواد الملوثة للأتربة.
2- تحويلها إلى دبال: يصدر عن عملية التخمير غازات ملوثة للهواء، والدبال بحد ذاته يحوي على نسبة عالية من المعادن الملوثة للأتربة.
3- طريقة التكويم: على شكل تلال وتغطى بطبقة من الأتربة لعزلها عن الهواء بعد معالجة موقع التجميع لمنع تسرب السوائل إلى المياه الجوفية، وبهذه تتسرب غازات ملوثة للهواء أيضاً.
من المؤسف أن أقول وباختصار: ان كل طرق معالجة القمامة لا تمنع استمرار تراكم الملوثات في الأتربة والهواء.
بالإضافة إلى ما أسلفنا، هناك مشكلة التوسع العمراني من مساكن ومصانع وطرق مواصلات التي تلتهم مساحات شاسعة من الأتربة غالبيتها خصبة، لأن العمران ابتدأ أصلاً على أرض خصبة، واستمر يتوسع على المناطق نفسها، وهذه المساحات تتحول وباستمرار إلى سطوح من الاسمنت والاسفلت، وهي سطوح كتيمة لمياه لها مفعول سيىء لحركة المياه السطحية ومخزون المياه الجوفية.
كما ان نوع غطاء سطح الأرض يلعب دوراً في انعكاس وامتصاص الأشعة الشمسية، فالمادة التي تعكس أقل وتمتص أكثر تسخن أكثر من غيرها، وقد وضع الفيزيائيون مصطلح «البيدو» بالمئة (ويساوي الطاقة الشمسية المنعكسة، مقسمة على الطاقة الشمسية الواصلة إلى السطح مضروبة بمئة).. فمثلاً «البيدو» بالمئة للأتربة الزراعية أربع عشرة بالمئة، السطوح العشبية من ستة وعشرين إلى ثلاثين بالمئة، سطوح الغابات من ثمانية وثلاثين إلى خمسين بالمئة، سطوح الاسفلت والاسمنت أربعة بالمئة فقط، والباقي من القدرة الشمسية يمتصه هذا السطح الاسفلتي او الاسمنتي ويزيد حرارة الوسط ويسبب خللاً بالتوازن الحيوي.
- من المناسب ذكر شيء ما عن الملوثة الخطيرة جداً، ألا وهي الأشعة النووية أو الذرية، وهي موجودة في الطبيعة بنسبة ضئيلة غير مؤذية، لكن المعضلة التي تتفاقم هي النفايات المشعة، فالنفايات المشعة ذات المستوى الإشعاعي المنخفض، الناتجة عن الصناعة والمعالجة الطبية توضع بحاويات خاصة، وتطمر بحفر عميقة تحت الأرض.. أما النفايات المشعة ذات المستوى الإشعاعي العالي كنفايات المفاعلات النووية فتوضع في حاويات من البيتون، وتلقى في قعر المحيطات.. وهذا الحل غير سليم لعدم التأكد من المدة التي تبقى فيها الحاويات غير نفوذة لهذه الأشعة.
إن تسرب الأشعة النووية خطر جداً على البيئة بكل ما فيها من كائنات حية، والتلوث يلحق بالأتربة والمياه والهواء، وأثرها يبقى في الطبيعة لمدة طويلة جداً قد تبلغ مئات السنين.
- من المعلوم انه توجد علاقة بين التيار الكهربائي والحقل المغناطيسي، لذا تصدر موجات كهرطيسية عن الآلات الكهربائية، كالمولدات والمحركات والمحولات، وكذلك عن خطوط نقل القدرة الكهربائية عالية التوتر وغيرها، وأيضاً تصدر أمواجاً كهرطيسية عن هوائيات الراديو والتلفزيون والتلفون إلى آخره.
إن تلويث الموجات الكهرطيسية يختلف عن الملوثات الأخرى، ولا توجد اثباتات علمية تؤكد أثرها على الكائنات الحية، لكن الاحصاء الطبي أثبت ان حالات سرطان الدماغ وحالات الاكتئاب مرتفعة بين السكان القاطنين بالقرب من مصادر الأمواج الكهرطيسية، وقد أبعدت هذه عن مواقع المدارس في كثير من الدول، ومنع بناء المدارس والتجمعات السكانية بالقرب منها.
-عندما يصطدم جسمان أو أكثر مع بعضهما، تصدر اهتزازات تنتقل بشكل موجات خلال وسط ما كالهواء إلى أذن الإنسان.
إذا كانت هذه الاهتزازات قوية وعديدة يقال عنها انها ضجيج، وقيل: ان الضجيج آفة العصر، وقد أثبتت الأبحاث العلمية ان للضجيج أثراً مزعجاً على الإنسان والحيوان ويهدد صحتها ويغير سلوكها ويؤذي حاسة السمع وله علاقة بالجملة العصبية، ويسبب توتراً نفسياً، ويعتبر عاملاً من عوامل أمراض الأوعية الدموية وجهاز الهضم.. والضجيج عامل مخفض للإنتاج، وقد يصل انخفاض الإنتاج بالنسبة للأعمال الفكرية إلى خمسين بالمئة، وبالنسبة للأعمال العضلية إلى ثلاثين بالمئة، والضجيج يحسب بوحدة «الديسيبل»، ولأخذ فكرة عن ضرره أذكر: أقل من خمسين ديسيبل، يعتبر ضجيجاً معقولاً له ردود أفعال خفيفة.. من خمسين إلى ثمانين ديسيبل، يعتبر ضجيجاً يعرقل سماع الكلام، كما انه مثير لردود أفعال عصبية ونفسية.. أكثر من مئة وعشرين ديسيبل، يؤدي إلى تخريب جهاز السمع وإلى حالات مرضية جدية.
كان هذا حول الأثر المباشر للضجيج على الإنسان والحيوان، وهناك أثر غير مباشر على التوازن الحيوي في الطبيعة، وللاختصار نقدم المثال التالي: في موقع طبيعي أو زراعي ما، تعيش الكائنات الحية ضمنه في توافق معيشي بين الطيور والحيوانات الصغيرة القانصة والقارضة وآكلة الحشرات، وكذلك الحشرات مع بعضها.. إذا أنشئت طريق للسرعة العالية في هذا الموقع، ما يحصل في الواقع من جراء الضجيج هو ابتعاد الطيور والحيوانات القارضة والقانصة وآكلة الحشرات فيختل التوافق المعيشي بين هذه الأحياء وتزداد الحشرات وينخفض المحصول الزراعي ويزداد استعمال المبيدات الحشرية الملوثة للبيئة، وهذه الظاهرة تتفاقم في العالم مع توسع المناطق السكنية والصناعية وطرق المواصلات.
بعد هذه اللمحة عن مكونات البيئة وتلوثها، أرى انه من المفيد التطرق إلى ظواهر التلوث الشاملة والمتفاقمة التي لها آثار ضارة جداً على الإنسان والمملكة الحيوانية والمملكة النباتية.
م. حبيب عربيلي
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد