كرنفال ومسابقة لأجمل حمار في المغرب

11-07-2006

كرنفال ومسابقة لأجمل حمار في المغرب

 

لا تحتاج الحمير في المغرب إلى أكثر من ثلاثة أيام في العام كي تحس باسترجاع كرامتها وأنفتها التي ضاعت مع البشر.
وفي يوليو (تموز) من كل عام يتم تنظيم كرنفال الحمير في قرية بني عمار في ضواحي زرهون (وسط)، وهو كرنفال يروم تذكير البشر بما لهذا الحيوان الصموت من فضائل عليهم، والتذكير بالآلام الكثيرة التي يتحملها من أجلهم من دون أن ينبس ببنت شفة إلا عندما ينهق، فيكون نهيقه المفجع تفجيرا لمكنون حرية التعبير المكبوتة في حلقه، عندما تخرج دفعة واحدة.

أيام 21 و22 و23 من يوليو الحالي، ستكون أياما مشهودة في تاريخ الحمير الطموحة والتواقة إلى الفوز بإحدى الجوائز التي تخصصها إدارة المهرجان للحمير الأكثر جمالا والأكثر إبداعا والأكثر شهية للأكل والأكثر سرعة.. وأيضا الحمير الأكثر ضعفا.

مهرجان الحمير في بني عمار، الذي دخل دورته الرابعة، يريد أن يكون صوتا لكائنات مهضومة الحقوق منذ الأزل، ويوقظ ضمير الآدميين المتعجرفين الذين يعتقد الكثيرون منهم أنهم أفضل من الحمير. وعلى الرغم من أن الحمير لا تحتكر لوحدها المهرجان، إلا أن نجوميتها تحتكر كل الأضواء.

ويقول الشاعر محمد بلمو، الذي رعى المهرجان منذ بدايته، إن مهرجان بني عمار يتضمن أنشطة ثقافية واجتماعية كثيرة، لكن الشق المتعلق بسباقات الحمير يحظى دائما بالإعجاب والاهتمام بسبب فرادته.

ويعتبر بلمو أن الاهتمام بالحمير في الكرنفال لا يفعل أكثر من إعطاء الحق لمن يستحقه. فالحمار جزء أساسي من عملية التنمية، وهو يتجشم المشاق الكبيرة في كل شيء، في البناء وفي جلب الماء وفي الزراعة وفي أشياء كثيرة أخرى، ومع ذلك فإن الناس لا يزالون ينظرون إليه كما لو أنه مخلوق دوني لا يستحق أكثر من الازدراء والاحتقار.

ويشير بلمو إلى أن هذا المهرجان صار يحظى في كل دورة بمزيد من الشهرة، ويضيف أن جمعية «محبي الحمير» في المملكة العربية السعودية بعثت للمهرجان هذا العام بمساهمة مالية مقدارها 2000 دولار، ستضيفها إدارة مهرجان بني عمار إلى الجوائز المخصصة للحمير الفائزة في المسابقات.

الكرنفال يتضمن سباقات كثيرة تثبت أن مواهب الحمير أكثر من أن تحصى. فهناك سباق لاختيار أسرع حمار، وفي هذه المسابقة لا يمكن للبالغين أو ثقيلي الوزن ركوب الحمير، بل يتم اختيار أطفال بين 12 و16 سنة لكي يقودوا الحمير نحو الانتصارات. واتخذت إدارة الكرنفال كل الإجراءات والاحتياطات الضرورية لكي تضع كرامة الحمير فوق كل اعتبار، حيث منعت بشكل مطلق استعمال أي شيء يمكن أن يدفع الحمير إلى المزيد من الجري سواء العصي والهراوات، أو أدوات الوخز بمختلف أشكالها، أو ضرب الحمير بأرجل المتسابقين، بل يمنع شتم الحمار وتحفيزه على الجري بعبارات غير مناسبة ومهينة لكرامته مثل «تحرك أيها الحمار». ويمكن للحمير المتسابقة، وفق هذا القانون، أن تصل إلى خط الوصول في الوقت الذي تشاء وبالطريقة التي تشاء، ويكون الجمهور مضطرا إلى التصفيق لها بحرارة سواء وصلت في يوم المسابقة نفسه أو في اليوم الموالي.

ويربح الحمار الفائز بالمركز الأول في هذه المسابقة جائزة مالية، فيما يحصل الحمار الثاني على نصف المبلغ، أما الحمار الذي يدخل في المركز الثالث فيحصل على الربع.

وتحظى مسابقة اختيار أجمل حمار من الجنسين، باهتمام كبير في الكرنفال. فالناس كانوا يعتقدون أن الجمال مقتصر على البشر، على الرغم من سوء أفعالهم، وأن القبح مقتصر على الحمير، على الرغم من فضائل أعمالهم.

ومسابقة أجمل حمار من أكثر المسابقات التي تحظى بالاهتمام وتعتبر أم المسابقات في هذا الكرنفال. وتركز لجنة التحكيم، على شكل الحمار من رأسه حتى أخمص حوافره، بما فيها نظافته وهيئته وطريقة مشيه ونظراته ورموش عينيه.. وأشياء أخرى.

وتعتبر الجائزة التي يحصل عليها الحمار الجميل أو الأتان الجميلة، الأعلى في نوعها من بين كل جوائز المسابقات مع ما يفتح أمام هذه الحمير الجميلة من آفاق مستقبلية، تجنبها شر الهراوات على الأقل.

غير أن تركيز الدورات السابقة من المهرجان على الحمير القوية والجميلة، أثار غبن الحمير الضعيفة والواهنة التي لا تجد لها إلى الكرنفال سبيلا، لذلك قرر المنظمون أن يخصصوا هذا العام مسابقة خاصة لأضعف حمار، وبذلك تشارك الحمير على أشكالها. وخصص المنظمون للحمار الذي يحصل على لقب أضعف حمار عناية بيطرية وعلاجا من جروح الزمن وأذى البشر وكميات وافرة من الكلأ وتوصية به لدى صاحبه كي يرحمه من غبن الزمن.

مسابقة اختيار «أضعف حمار»، هي محاولة لإثارة الانتباه إلى تلك الحمير الضعيفة والهزيلة التي تقضي الوقت كله في رفع الأثقال وخدمة أسيادها الذين لا يولونها أدنى قدر من الرعاية. ويهدف المنظمون من وراء هذه المسابقة المتميزة إلى لفت الانتباه إلى محن هذه الحمير ودفعها إلى الأضواء وجعلها تكسب بعض اهتمام البشر.

وارتأى المنظمون أن الجوائز المالية غير كافية، لذلك أضافوا إليها شهادات تقديرية تثبت أن الحمار الفلاني شارك في المسابقة الفلانية وفاز بإحدى الجوائز الأولى، كما تقدم لهذه الحمير البطلة أكياس من الشعير وتبن من النوع الجيد، بعضه تأكله على الفور والبعض الآخر يتم الاحتفاظ به للوجبات المقبلة.

وبدأت الحمير، التي كانت متحفظة في الدورة الأولى من المشاركة في سباقات هذا المهرجان، في اعتبار مشاركتها تكسيرا لحاجز الصمت والخنوع الذي طبع حياتها. ويشير المنظمون إلى أن الحمير المشاركة في المسابقات الإقصائية تتزايد في كل دورة، وأن هناك جرأة حميرية أكبر في المشاركة وإثبات الذات.

ويتضمن المهرجان فصلا خاصا بالحمير الأكولة، والحمار الذي يلتهم أكبر قدر من الشعير والبرسيم في أقصر مدة زمنية يفوز بالمسابقة ويحصل على جائزة نقدية، وبالعملة الصعبة لو أراد.

كما يشمل كرنفال الحمير وصلة استعراضية للحمير المبدعة، والتي يمكنها القيام بحركات استعراضية ممتعة تنال إعجاب الزوار. وعلى الرغم من أن الحمير لم تتعود إلا على جلب سخط وغضب أصحابها، إلا أنها في هذه المسابقة تتحول إلى احتراف فن الاستعراض وهي مطمئنة إلى أن الهراوات لن تنزل على ظهرها لو أساءت القيام بحركة فنية معينة، أو حلت بها رغبة مفاجئة في النهيق. وتنال الحمير الفائزة في هذه المسابقة جوائز مالية أيضا، وتبنا وشعيرا وشهادات مكتوبة بالعربية والفرنسية، وربما تصلها مستقبلا دعوات للمشاركة في مهرجانات فنية خارج البلاد رفقة حمير البلدان الصديقة والشقيقة.

كرنفال الحمير في بني عمار متعة حقيقية ورسالة إنسانية راقية، لذلك فإن الذين يرعون هذا المهرجان هم من الشعراء والصحافيين والمزارعين والكتاب والأطباء البيطريين، ولا وجود بينهم للسياسيين. فالسياسيون يركبون الحمير فقط.

 

المصدر: الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...