قبلة دفاعاً عن حريّة الإعلام
في خطوة فريدة من نوعها في تاريخ الإعلام التونسي دعت قناة «الحوار» التونسيين أمس، وعبر صفحتها الرسميّة على «فايسبوك»، إلى الاعتصام وتبادل القبل ليلة 13 كانون الثاني الحالي، أمام وزارة الداخليّة. ودعت الجميع إلى المشاركة في هذا الاعتصام، أزواجاً وأحباء ومخطوبين، «دفاعاً عن الحياة»، بحسب تعبيرها. وجاءت هذه الدعوة إثر انتشار خبر محاكمة شابين مراهقين بتهمة تبادل القبل في الشارع، ما اعتبره كثيرون محاولة لتقييد الحريات الشخصيّة. لكنّ قناة «الحوار» سارعت إلى سحب الدعوة عن صفحتها الرسميّة، بعدما انتشرت على شبكة التواصل الاجتماعي، ربما تخوفا من استغلال هذه المسألة من قبل أنصار حكومة «النهضة»، الذين يتهمونها بالتحريض على الدولة.
وقد جاءت هذه الدعوة إذاً على خلفية إصدار المحكمة الابتدائية حكما يقضي بسجن شاب وفتاة لشهرين، بتهمة التعدّي على الأخلاق الحميدة، وتبادل القبل في الطريق العام. وعلى إثر هذه الحادثة، ارتفعت الأصوات المتخوّفة من عودة زمن تقييد الحريات الفرديّة، والرقابة.
تحتفل تونس بعد أيام قليلة بالذكرى الثانية لثورة «14 يناير»، رغم ذلك، لم يتخلّص قطاع الإعلام التونسي تماماً بعد من الرقابة، ولم يحقّق استقلاليته التامة. وفي هذا الإطار حذّر «مركز تونس لحرية الصحافة» (غير حكومي) يوم الثلاثاء الماضي في بيان أصدره، من عودة الرقابة الحكومية إلى الإعلام العام في تونس، بعد تعمد «إدارة التلفزيون العمومي التونسي تغيير توقيت بث برنامج إخباري، تضايق منه مسؤولون في الحكومة التي تتزعمها حركة النهضة الإسلامية». البرنامج هو «بتوقيت الأولى»، وقد تعرّضت مقدّمته آمال الشاهد، بحسب بيان المركز، إلى محاولات تضييق على عملها. مع العلم أن البرنامج يبث على القناة الأولى من الاثنين إلى الخميس من الساعة السابعة إلى الثامنة مساء بتوقيت تونس، ويلخص هذا البرنامج أهم الأحداث اليومية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أنّ أنصار «النهضة» قاموا طوال العام الماضي بالتظاهر ضدّ وسائل الإعلام التونسيّة، داعين إلى «تطهير إعلام العار»، أي وسائل الإعلام التونسيّة المتهمة «بسيطرة اليسار عليها»، و«بتنفيذ أجندات خارجيّة». وبلغت تلك الاحتجاجات ذروتها، في آذار الماضي، حين نظّم أنصار حركة «النهضة» الحاكمة، اعتصاماً مفتوحا أمام مبنى التلفزيون الرسمي التونسي تحت عنوان «اعتصام الأحرار لتطهير إعلام العار»، نصب المتظاهرون خياماً أمام مبنى التلفزيون العمومي لمدة شهرين متتاليين. كما قام في الشهر الماضي عدد من المواطنين الموالين للحكومة، برمي أجهزة التلفزيون القديمة على شاطئ البحر في محافظة سوسة الساحلية، في إشارة إلى عدم قبولهم بأداء القنوات التلفزيونية التونسية.
كما يستعد أنصار «النهضة» لتنظيم اعتصام شعبي ضخم أمام مقر التلفزيون الرسمي التونسي، يوم 14 الحالي، تحت شعار «موعدنا يوم 14 جانفي (كانون الثاني) 2013، فضائيات الفتنة والشائعات»، ويهدف الاعتصام إلى تطهير الإذاعة وإقفال التلفزيون بشكل نهائي.
هكذا، وبعد عامين على الثورة، يتخوّف كثيرون من عودة رقابة السلطة على الإعلام، مع تزايد ضغوطات الحكومة وأنصارها على الشاشات والصحف. في المقابل، يزداد الإعلاميون تمسكاً برأيهم وبإصرارهم على التحدي والصمود وعدم التفريط في حرية التعبير، التي تعدّ المكسب الوحيد من الثورة في تونس.
نسرين حامدي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد