قاسم أمين في الذاكرة
كلامنا الآن في هل يلزمنا أن نعيش ونحيا، أو نقضي على أنفسنا بأن نموت ونفنى؟ هل علينا أن نهتز مكاننا ونرضى بما وجدنا عليه آباءنا، والناس من حولنا يتسابقون الى منابع السعادة وموارد الرفاهية ومعاهد القوة، ويمرون علينا سراعاً ونحن شاخصون اليهم، إما غير شاعرين بموقفنا وإما شاعرين ولكنا حيارى ذاهلون؟ أوَ منَ الواجب علينا أن ننظر كيف تقدم الناس وتأخرنا؟ كيف تقووا وضعفنا؟ كيف سعدوا وشقينا؟ ثم نرجع أبصارنا كرة ثانية في ديننا وما كان عليه أسلافنا الصالحون، ثم نقتدي بهم في استماع القول واتباع أحسنه وانتقاد الفعل والأخذ بأفضله، ونسير في طرق السعادة والارتقاء والقوة مع السائرين؟ ذلك هو الامر الخطير الذي وجهنا اليه نظرنا.
ها هي ذا مسألة الحجاب مسألة من أهم المسائل ولها مكان عظيم في شؤون الأمة. اذا ترك القارئ نفسه لعواطفه واستسلم الى عوائده ظهر له الحجاب في مظهر حسن لأنه ألفه في صغره ونشأ بين المحجبات وعاش معهن حتى صار ذلك عادة مألوفة له. ثم إنه ورثه عن آبائه وأجداده فلا يستغربه بل يميل اليه ميلاً غريزياً ليس للعقل فيه مدخل، وإنما هو حركة ميكانيكية ليس الا. وأما اذا نزع من نفسه العوامل التي أحدثت فيه تلك العواطف، وخلع ما البسه إياه أسلافه من أردية الوراثة، وبحث في المسألة من جميع جهاتها بحثَ من لم يتأثر الا بالتجربة التي تجرى في الوقائع الصحيحة، وحصل لنفسه رأياً من ملاحظاته الشخصية، وكان ممن تنجذب نفسه الى الحق وتنبعث الى السعي للوقوف عليه وتأييده لما له عندها من المنزلة العلية والمكان الرفيع، وكان لا يغش نفسه بالتزويق والتزيين الوهميين، وإنما يسمع صوت وجدانه السليم ويرجحه على كل هوى سواه مهما كانت درجته من التمكن فيمن حوله من الناس - فعند ذلك يرى أن المرأة لا تكون، ولا يمكن أن تكون، وجوداً تاماً الا اذا ملكت نفسها، وتمتعت بحريتها الممنوحة لها بمقتضى الشرع والفطرة معاً، ونمت ملكاتها الى أقصى درجة يمكنها أن تبلغها. ويرى أن الحجاب على ما ألفناه مانع عظيم يحول بين المرأة وارتقائها، وبذلك يحول بين الأمة وتقدمها.
من كتاب "تحرير المرأة" لقاسم أمين
إضافة تعليق جديد