فلسطين: نظام سياسي برأسين

05-10-2006

فلسطين: نظام سياسي برأسين

تعيش القضية الفلسطينية، هذه الأيام، واحدة من أهم محطات الخطر التي دهمتها منذ نشأتها، إن لم تكن الأخطر في تهديد الوجود الفلسطيني.

ففي ظل انسداد الأفق السياسي، وغياب مقومات الصمود الفلسطيني، وزيادة درجات الإحباط واليأس في الشارع، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، يعيش الشعب الفلسطيني أزمة حقيقية على صعيد وحدته الداخلية تكاد تعصف بوجوده إذ أن شبح الحرب الأهلية بات يلوح في الأفق الفلسطيني.
كان لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأخيرة التي جرت بتاريخ 25/1/2006، أثر كبير على مجمل النظام السياسي الفلسطيني، حين فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس وحققت فوزا ساحقا على حركة فتح التي قادت المشروع الوطني الفلسطيني على مدار الأربعين سنة الماضية.

وقد أهل ذلك حماس، للمرة الأولى في تاريخها لتشكيل حكومة من بين أعضائها، الأمر الذي أحدث تغيرا واضحا في النظام السياسي الفلسطيني، واستدعى تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية وتبديل الأدوار، ففتح التي شكلت السلطة وقادتها منذ تكوينها مطلوب منها أن تلعب في ملعب المعارضة، كما أن دور حماس قد اختلف هو الآخر باتجاه السلطة.

ولا ننسى هنا أن نتائج انتخابات الرئاسة في يناير/كانون الثاني من عام 2005 التي لم تشارك فيها حماس قد أفرزت هي الأخرى رئيسا للسلطة الفلسطينية من حركة فتح، وفق برنامج سياسي يختلف عن البرنامج الذي فازت حماس بموجبه بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي.

إذن نحن أمام أزمة حقيقية في النظام السياسي الفلسطيني تتمثل في ازدواجية هذا النظام لكونه برأسين، وكل رأس يحمل معه برنامجا سياسيا مختلفا عن الآخر، ويصعب الجمع بينهما.

إن قيام حماس بتشكيل حكومة نقية من بين أعضائها أدخلها في أزمة أخرى بفعل التحديات الكبيرة التي اعترضت وتعترض سبيلها، فلا خبرة كافية لدى أعضاء الحكومة ولا علاقات دولية أو عربية لديها، ولا أموال في خزينتها، ولا تحالفات داخلية لديها، ولا اعتراف دولي بها، فكيف لها أن تنجح في إدارة أمور البلاد والعباد؟

كان على حماس أن تقبل بالدور التشريعي المراقب لعمل الحكومة، لا أن تصبح هي الحكومة، وذلك لمعالجة ملفات الفساد التي اتهمت بها الحكومات السابقة، لتحقيق نجاح ملموس على هذا الصعيد، مما يؤهلها مستقبلا لكسب ثقة جمهور أوسع من جمهورها، ونيل خبرة برلمانية لم تنلها في المرحلة السابقة.

إن فتح كانت تدرك حجم التحديات التي تواجه حماس، وحجم العزلة الدولية المحيطة بها، وكانت تدرك أيضا أن فشل حكومة حماس سيسجل لصالحها، وهي ما زالت ترنو إلى تولي القيادة من جديد.

لقد انقسم الشارع الفلسطيني إلى قسمين بعد الانتخابات الأخيرة هما فتح وحماس، ولم يكن لقوى اليسار أو القوى الديمقراطية أي دور أو تأثير في تحديد أجندة العمل الفلسطيني، وانحسر دور هذه القوى بشكل كبير لصالح حماس وفتح المتصارعتين.

إن ما يجري من مناكفات بين فتح وحماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية أمر في غاية الخطورة، ليس فقط على العلاقة بين التنظيمين الفلسطينيين الكبيرين وإنما على مجمل العلاقة الوطنية في الساحة الفلسطينية.

وإذا كانت حكومة الوحدة ضرورة وطنية للخروج من حالة الفراغ التي تشهدها القضية الفلسطينية، فإنها من الممكن أن تساهم في إيجاد مخرج للشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال وإجراءاته القمعية.

نعم، إن حكومة الوحدة الوطنية مطلب فلسطيني، رغم أنها لا تعتبر الوصفة السحرية للخروج من الحالة المتأزمة التي تعيشها القضية الفلسطينية، ولكنها قد تكون أفضل الخيارات المطروحة، هذا ما عبر عنه تفاؤل الشعب الفلسطيني بعد التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني، حين ظن الكثيرون أن التوقيع يعني التنفيذ الفوري.

إن حماس تدرك جيدا أنها تخسر من جماهيريتها وأن استطلاعات الرأي تؤكد ذلك، وهي في وضع لا تحسد عليه ويزداد هذا الوضع سوءا يوما بعد يوم، خاصة مع تفاقم أزمة إضراب الموظفين الحكوميين وتفشي البطالة والفقر بنسب عالية جدا.

يبدو أن حماس فوجئت بهذا التغيير الدراماتيكي ولم تكن جاهزة لوضع الحلول العملية له، فراحت تتخبط بتصريحاتها ومواقفها، ولم تكن تدرك حجم ثمن استلامها السلطة الوطنية التي كانت بالأمس القريب تكيل لها التهم والتشكيك.

هل أدركت حماس أن هذه السلطة التي تقودها الآن هي نفسها التي جاءت بفعل موافقة دولية على اتفاقيات وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل برعاية ومباركة دولية، وأن هناك استحقاقات عربية ودولية جراء ذلك على حماس أن تراعيها؟

فالسلطة تعتمد في تمويلها على الهبات والمساعدات الدولية وما تجبيه إسرائيل من ضرائب من الفلسطينيين، أي أن حماس ورثت واقعا سيئا يصعب تغييره دفعة واحدة يتمثل في اتفاقيات أوسلو وما تبعها من اتفاقيات اقتصادية وأمنية.

والأمر الآخر الذي لم يساعد حماس على تخطي هذه الإعاقات هو عدم حدوث أي تغير إيجابي في الهيكلية القيادية لحركة فتح، بل بقيت فتح على حالها يسيطر عليها من أوصلوها إلى الفشل دون حدوث أي حراك تنظيمي إيجابي على بنية القيادة رغم وجود بعض المحاولات البطيئة في هذا الشأن.

يضاف إلى ذلك سيطرة النظام الأميركي على العالم وعدم وجود منافس له، وخوض هذا النظام الحرب الطويلة ضد ما يسمى بالإرهاب، وإدراج حماس على جدوله كمنظمة إرهابية، اشترط عليها أن توافق على الاعتراف بإسرائيل وبقرارات الشرعية الدولية ونبذ العنف كي يشطب اسمها من قائمة المنظمات "الإرهابية"، وفي حال ما إذا وافقت حماس على ذلك فإنها تكون قد بدأت بحفر قبرها بيدها، وستصبح حركة أخرى غير حماس.
الخيارات المطروحة كبديل عن حكومة الوحدة هي الأخرى صعبة، وأعتقد أن أحد هذه الخيارات هو قيام الرئيس أبو مازن بتشكيل حكومة طوارئ وطنية، رغم وجود عائق أمامها ألا وهو المجلس التشريعي الذي يجب أن يقر هو الآخر حالة الطوارئ حينما تعرض عليه بعد شهر، أو حتى أيام، من إعلانها حسب النظام الأساسي للسلطة.

فإذا هو رفض أن يمنحها شهرا آخر تكون في حكم اللاغية، وبما أن المجلس التشريعي بيد حماس فمن المرجح التصويت بالأغلبية ضد تمديد حكومة الطوارئ.

والخيار الثاني يتمثل في ذهاب الشعب الفلسطيني من جديد لانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، يختار على أساسها ممثليه وبرامجهم ويكون جاهزا للدفاع عنها ودفع الثمن وراء ذلك، وتكمن هنا أيضا مشكلة دستورية تتمثل في المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه حماس وسيصوت ضد قانون من هذا النوع.

أما الخيار الثالث فهو قيام رئيس السلطة بحل السلطة، وإعادة ملف القضية الفلسطينية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإنهاء كل ما نتج عن تشكيل السلطة من قوات أمن وطني ووزارات وغير ذلك من مظاهر ظن الفلسطينيون أنها مظاهر سيادية.

إن من شأن هذا القرار أن يعيد القضية الفلسطينية إلى البدايات كي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته كاملة لشعب ما زال يرزح تحت الاحتلال، وعلى دولة الاحتلال أن تتحمل مسؤولياتها كاملة تجاه الشعب المحتل.

إن هذا القرار سيجعل الشعب الفلسطيني يعيد هو الآخر ترتيب أولوياته وطريق نضاله من أجل مواصلة رحلة كفاحه الوطني لنيل حريته وحقوقه المغتصبة.
إن الخروج من المأزق الذي وقع الفلسطينيون فيه يحتاج إلى إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة بحيث تضم كافة الفصائل وفق برنامج سياسي متفق عليه، تشارك فيه حماس بفعالية، ويحتاج كذلك إلى ضرورة إعلاء كلمة الوطن على كلمة الفصائل.

فحين يكون الوطن في خطر حقيقي يجب أن يتعالى الجميع على جراحه وبرامجه وتكتيكاته، ولا يمكن أن ينتصر الشعب الفلسطيني ما دامت فصائله الوطنية تبني إستراتيجيتها على تدمير الفصائل الأخرى.

لا بد أن يكون كل فصيل فلسطيني داعم للفصيل الآخر وليس مناقضا له، فالشعب الفلسطيني لا يستطيع الانتظار طويلا في وضع كهذا تنهب فيه خيرات الوطن وتستباح حرماته يوميا دون أية احتجاجات من أي فصيل.

إن المناكفات الدائرة بين حماس وفتح تضعف التنظيمين جماهيريا، ويبدو أن الذين يقودون المفاوضات من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية بين فتح وحماس لا يرغبون في التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف.

لا بد لحماس أن تنظر بعين المصلحة الوطنية حول الظروف التي أحاطت بنجاحها في الانتخابات، وما نتج عن ذلك من حصار مالي على الشعب الفلسطيني، ولا بد لها أن تتحمل مسؤولية ذلك.

كما أنه لا بد لفتح أن تتحلى بالرؤية الوطنية هي الأخرى، الرؤية التي تسمح لها بالتوصل إلى وفاق وطني طبقا لوثيقة الأسرى من دون إيجاد أسباب أو شروط أخرى.

إن التأخير في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية سيزيد الأمور الداخلية تعقيدا، مما يستوجب الإسراع باتخاذ قرارات جريئة من قبل الأخوة في حماس للتنازل عن الحكم والبقاء أغلبية في المجلس التشريعي، وإلا فإن القادم يحمل في طياته مخاطر جمة.

تيسير نصر الله

المصدر: الجزيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...