فرنسا تقترع غداً

21-04-2007

فرنسا تقترع غداً

من منتصف ليل الجمعة السبت، انتهت الحملة الانتخابية وبات، بحسب القانون الفرنسي، محظوراً نشر أي استطلاع أو إقامة أي حفل انتخابي. أربع وعشرون ساعة يتركها القانون للناخب كي يعود إلى نفسه ويبتعد عن تأثير حملات الساركوزي خلال زيارة إلى مزرعة في سانت - ماري دو لا مير في كامارغ أمس مرشحين «الإعلامية الإعلانية». إنها فترة الراحة التي تسبق يوم الانتخاب. يوم الأحد سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في الدورة الأولى، إما لاختيار من يرغبون بأن يكون حاضراً في الدورة الثانية أو لاختيار من يستطيع أن يقطع الطريق على نجاح من لا يريدون أن يصل إليها.
النتيجة ستعلن غداً، عندها يتبدى الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتنفرز الخطوط الرمادية التي يتمسك بها حتى الساعة المترددون. انتهت الحملة الرسمية وذهب كل مرشح لقطف قسط من الراحة بانتظار «سهرة النتائج». إلا أن توتر الأعصاب لدى المرشحين وآلاتهم الانتخابية لا يزال متوّقداً، لا بل إنه في ازدياد ملحوظ بسبب تراكم الاستطلاعات المتناقضة بعض الشيء رغم تشابهها في فرز «فرسان الطليعة الأربعة» من جهة والباقين من جهة أخرى.
إلا أن الثقة في هذه الاستطلاعات باتت في حال يرثى لها لأسباب كثيرة، منها ما يعود إلى انتخابات عام ٢٠٠٢ حين عجزت مؤسسات الاستطلاع عن توقّع وصول اليميني المتطرف جان ماري لوبن إلى الدورة الثانية بعدما هزم ليونيل جوسبان الذي كان يحتل رأس قائمة الاستطلاعات قبل التصويت.
ويؤدي التفاوت الكبير في الأرقام التي تغزو صفحات الإعلام دوراً كبيراً في بناء هالة من الشك حول «ملاءمة الاستطلاعات» مع الوقائع على الأرض. ويغذي هذا الشك التنبيهات التي صدرت مرات عديدة من جهاز مراقبة الاستطلاعات، التي أشارت إلى أخطاء كانت وراء توجيه «إنذارات صارمة» لبعض المؤسسات حول «جدية» ما يصدر عنها.
وللمرة الأولى تبدو الاستطلاعات بعيدة جداً عن الأرقام التي ينتظرها المراقبون استناداً إلى الانتخابات السابقة.
فإن معظم الاستطلاعات تعطي الأربعة الذين يتصدرون من ٨٣ إلى ٨٦ في المئة وتوزّع النسب المتبقية على «المرشحين الصغار»، وهذا ما لا يتطابق مع الانتخابات السابقة. كما أن كل الاستطلاعات تسجل لنيكولا ساركوزي معدلاً «لم يكن يوماً أقل من ٢٦ في المئة»، وهو رقم لا يتناسب بتاتاً مع أرقام الانتخابات السابقة، وخصوصاً أن أرقام رويال كانت دائماً بمعدل ٢٣ في المئة. والجدير بالذكر أن جاك شيراك حل أول في الانتخابات الماضية وحصل على نحو ١٩ في المئة، بينما حصل لوبن على 17.7 في المئة.
ومن جهة أخرى، فإن «مجموع الأصوات المحسوبة على اليسار» لا تتجاوز ٣٣ في المئة، رغم وجود سبعة مرشحين من اليسار، وهو ما لم تشهده فرنسا سابقاً، رغم كل ما يقال عن «انحيازها نحو اليمين»، وهذا ما يدفع البعض إلى التشكك كثيراً في تناسب الاستطلاعات مع حقيقة توجهات الناخبين. وقد يكون هذا العنصر من العناصر المفاجئة التي يمكن أن تحصل يوم غد، ذلك أن يوم الأحد لا يمكن إلا أن يكون يوم المفاجآت ومنطلقاً للتغيير ولقلب صفحة جديدة في الحياة السياسية الفرنسية؛ فنتائج الدورة الأولى، أياً كان الرابحان، تفتح أبواب تحالفات جديدة تذهب من الوسط يساراً من جهة ويميناً من جهة أخرى.
فقد أخذت سيغولين رويال موقعها في اليسار وناشدت « قوى اليسار كافة»، طالبة منهم أن يصوّتوا لها بشكل حاسم «من الدورة الأولى» وعدم الانتظار للدورة الثانية، منتظرة وصولها إلى الدورة الثانية للانفتاح على الوسط، وكما يقول البعض، البدء بـ«التفاوض السري مع بعض عناصر (فرانسوا) بايرو».
كذلك فعل ساركوزي، الذي لم يعد يتردد في توجيه نداءات مكشوفة لناخبي اليمين المتطرف، محاولاً «نهش أكبر قدر منهم في الدورة الأولى». فساركوزي يعرف أن الخطر الكبير الذي يتهدده هو «ألا يلحق به عدد كاف من ناخبي لوبن» لأن معظم الاستطلاعات التي تضعه في رأس القائمة مبنيّة على أساس أن قسماً كبيراً من أصوات اليمين المتطرف ستذهب إليه، بعد أن «تشدد خطابه يمينياً»، وتبنّى معظم طروحات لوبن ما عدا «الطروحات اللاسامية» الخاصة بانتقاد اليهود وقوتهم في عالم المال والإعلام.
إلا أن «قاعدة لوبن» هي قاعدة إيديولوجية متماسكة، وليست مثل بقية شرائح الناخبين تنتقي من المرشحين من يكون الأقرب لأفكارها. بل هي «متجانسة الآفكار»، وإذا لم يقدّم لها مرشح «برنامجاً يمينياً متجانساً» فإنها لن تعطيه أصواتها. وقد حصل هذا سابقاً، إذ إن قسماً كبيراً من ناخبي لوبن يعزفون عن التصويت حين لا يكون أحد مرشحي الجبهة الوطنية حاضراً في الدورة الثانية، حتى ولو أدى ذلك إلى خسارة اليمين التقليدي.
وأمام ساركوزي مشكلة أخرى في داخل قاعدته، وفي داخل حزبه «التجمع من أجل أكثرية شعبية». إذ إن عدداً لا بأس به من محازبي التجمع هم أساساً من الحزب الديغولي الذي أسسه جاك شيراك عام ١٩٧٦ قبل أن تذوب داخله الأحزاب التي دعمته في الانتخابات السابقة. ولا ينظر الديغوليون بسرور لما يسميه البعض «استسلام شيراك لانتهازية ساركوزي»، ولا يتردد البعض باتهام هذا الأخير بأنه «سطا على التجمع». وهذه الأعداد تراها مؤسسات الاستطلاع في عملية «التصحيحات السياسية» التي تجريها على النتائج لمصلحة ساركوزي، لكن لا أحد يستطيع الجزم بأن كل المنتسبين للحزب الحاكم سيصوتون لساركوزي، وقد سبق لإدوار بالادور أن خبر هذا الأمر وذاق الخسارة بسببه.
ومن الأخطار الأخرى التي تهدّد وصول ساركوزي إلى الدورة الثانية، تعاطي اليمين المعتدل مع طروحات بايرو، الذي وضع نفسه في موقع الوسط منفتحاً على اليسار، وخصوصاً على اليسار الذي لم يقتنع برويال ممثلة للاشتراكية الديموقراطية الليبرالية. كما أنه لم يقل يوماً ما إنه يتراجع عن مواقعه السابقة التي كانت يمينية حتى الأمس.
وأمام جملة هذه المعادلات، التي يمكن أن تخلط التوقعات المنتظرة كافة، يقف الناخب الفرنسي غير حائر البتة، فهو ينتظر مفاجأة. وكلما كان الغموض يلف هذه المفاجأة سميكاً، كانت هذه الأخيرة أكثر لذة.
أضف إلى أن مؤسسة الأحوال الجوية قد أعلنت أن الطقس يوم الأحد سيكون ربيعياً جميلاً جداً وهذا ما يدخل السعادة دائماً إلى قلوب الفرنسيين. إلا أن هذا الخبر الصغير يقلق كثيراً المرشحين بشكل عام، لأنه يزيد عدد الممتنعين الذين «يخرجون في نزهات» عوضاً عن التوجه لقاعات الاقتراع الباردة. ويزداد القلق لدى المرشحين الذين يعتمدون على أصوات الناخبين غير الملتزمين.

بسام الطيارة

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...