غضـب مـذبـحـة بـورسـعيـد يخـرج عـن السـيـطـرة
اتخذ رد الفعل الشعبي على مذبحة بور سعيد منحى خطيراً، بعدما خرجت الاحتجاجات الشعبية عن سيطرة الجيش والشرطة والقوى الشبابية الثورية في آن، إذ تواصلت المواجهات في العديد من المدن المصرية، وخصوصاً في القاهرة، حيث استشهد متظاهران خلال عمليات الكر والفر التي شهدها محيط وزارة الداخلية، والسويس، حيث استشهد متظاهران آخران خلال مواجهات أمام مقر مديرية الأمن في المدينة.
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، كانت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن ما زالت مستمرة في الشوارع القريبة من مقر وزارة الداخلية، الذي بات تحت حصار المحتجين، الذين يطالبون بتنحي المجلس العسكري وإقالة حكومة كمال الجنزوري بعد مذبحة إستاد بورسعيد التي راح ضحيتها 74 قتيلاً وأكثر من ألف جريح.
وغطت سحب الغاز المسيل للدموع الشارع المؤدي إلى مبنى الوزارة، فيما شهدت المنطقة الممتدة بين شارعي محمد محمود والمنصور أعنف المواجهات، وسط حال من الكر والفر بين قوات الأمن والمتظاهرين.
واضطرت سيارات إسعاف للتدخل لتأمين خروج أفراد من الشرطة دخلت عربتهم بطريق الخطأ في شارع فيه الكثير من المحتجين. وحاصر محتجون العربة لمدة 45 دقيقة على الأقل، وكان فيها أفراد من الشرطة، فيما شكل بعض المتظاهرين بعد ذلك درعا بشريا لمساعدة أفراد الشرطة على الهروب.
وذكر التلفزيون المصري أن النار شبت في مبنى مأمورية الضرائب المقابل لوزارة الداخلية، من دون ذكر أسباب الحريق. غير أن مصدرا أمنيا قال لوكالة «فرانس برس» إن مجهولين تسللوا إلى المبنى قبل ذلك بقليل.
وقالت وزارة الداخلية، في بيان، إنها «ملتزمة بالتعليمات الصادرة لها بالتحلي بأقصى درجات الحكمة وضبط النفس»، مشيرة
إلى انه «لم يتم التعامل مع تلك المجموعات إلا من خلال استخدام الغاز المسيل للدموع، وذلك بعد توجيه التحذيرات اللازمة لهم بعدم الاقتراب من أسوار مبنى وزارة الداخلية».
وذكرت مصادر أمنية أن متظاهرين قتلا في المواجهات، بعدما نقلا إلى المستشفى وهما في حالة غيبوبة كاملة نتيجة لاستنشاقهما قنابل غاز مسيل للدموع، فيما أشارت وزارة الصحة إلى أن عدد الجرحى منذ الخميس وصل إلى 1482 جريحا، في حين أشار «اتحاد شباب ماسبيرو» إلى أن أحد أعضائه فقد عينه خلال الاشتباكات.
وأشار البيان إلى ارتفاع حصيلة الإصابات في صفوف ضباط وجنود الأمن المركزي لتصل إلى 138 شخصاً، من بينهم 16 مجنداً مصابون بطلقات خرطوش. كما نقل البيان عن مصدر مسؤول في الوزارة تأكيده «عدم صحة ما أُشيع عن انسحاب قوات الشرطة والأمن من محيط مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون في ماسبيرو».
وفي ميدان التحرير، تجمع الآلاف وهم يهتفون بشعارات معادية للمجلس العسكري. وطالب المشاركون في احتجاجات التحرير المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بتسليم إدارة البلاد بشكل فوري إلى سلطة مدنية، أو إلى رئيس مجلس الشعب المنتخب. كما طالبوا بإقالة حكومة كمال الجنزوري، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، يختارها نواب مجلس الشعب باعتباره المؤسسة الوحيدة المنتخبة في البلاد حالياً. وطالبوا أيضاً بإقالة وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، وجميع قيادات الوزارة وإعادة هيكلة الوزارة.
إما في مدينة السويس، فاستخدمت الشرطة بنادق الرش والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الغاضبين. وتحت وابل من الحجارة، هرعت سيارات الإسعاف لإخلاء الجرحى من ميدان الأربعين في وسط مدينة السويس إلى مدينة بور سعيد. وطوقت الشرطة مقر جهاز الأمن الوطني بالسويس ومجمعا تابعا لوزارة العدل بالأسلاك الشائكة.
وقال طبيب «استقبلنا جثتي اثنين من المحتجين قتلا بالذخيرة الحية»، فيما نقلت صحيفة «المصري اليوم» عن وزارة الصحة أن ملازما في الجيش دهسته سيارة تابعة لأجهزة الأمن بطريق الخطأ.
وفي مؤشر إلى تزايد الخطر الذي تمثله الاضطرابات السياسية على الاقتصاد المصري، خطف مسلحون سائحتين أميركيتين ومرشدهما المصري في سيناء لفترة وجيزة، قبل أن يُفراج عنهما بعد ساعات.
المجلس العسكري
في هذا الوقت، حذر المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أن مصر تمر بمرحلة عصيبة شديدة الحساسية، وهي الأخطر والأهم في تاريخ مصر، وتتطلب من أبناء الأمة المصرية العظيمة جميعاً التوحد والتكاتف والتعاون لوأد الفتنة والتصدي لمحاولة التصعيد من أطراف خارجية وداخلية تستهدف الوطن بكل طوائفه وممتلكاته وإنجازاته.
وشدد المجلس العسكري، في بيان، على أن «حق التظاهر السلمي هو حق لجميع أطياف الشعب تعبر من خلاله عن المطالب المشروعة الواجب الاستماع إليها من جميع مؤسسات الدولة»، مناشداً القوى الوطنية والسياسية المبادرة وتحمل دورها الوطني والتاريخي والتدخل الفعال لرأب الصدع ووأد الفتنة وعودة الاستقرار لكافة أنحاء مصر، وتغليب المصلحة العليا للوطن فوق أي اعتبار.
من جهة ثانية، أكد مستشار رئيس الأركان اللواء إسماعيل عثمان أن قوات الجيش تشارك الشرطة المدنية حاليا في تأمين المنشآت الحيوية والمهمة في الدولة. ونفى عثمان صحة ما تناقلته بعض المواقع الإلكترونية عن استعداد قوات الجيش للنزول مجددا بكثافة لتأمين البلاد والمنشآت الحيوية.
الجنزوري
ودعا رئيس الوزراء كمال الجنزوري جموع المصريين إلى الحفاظ على الممتلكات العامة، مؤكداً أن ثورة الخامس والعشرين من يناير إنجاز قومي وتاريخي حققه المصريون وكلنا مطالبون بحمايته.
وقال الجنزوري، في تصريحات لموقع التلفزيون المصري، إن «المرافق والممتلكات العامة والخاصة هي ملك للشعب المصري وثورته المجيدة وكلنا مطالبون بالحفاظ عليها ومن هنا فإن إصرار المتظاهرين على اقتحام مبنى وزارة الداخلية أمر غير مبرر ولا يصب إلا في صالح الذين يحاولون هدم الدولة والقضاء على هيبتها وتشويه تلك الثورة التي نفخر بها جميعا».
وناشد الجنزوري شباب ثورة مصر «العمل على احتواء وتهدئة الموقف في محيط وزارة الداخلية لتفويت الفرصة على العناصر المندسة والمتآمرة على ثورتهم العظيمة».
النائب العام
إلى ذلك، قال مصدر قضائي إن النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قرر منع عدد من المسؤولين من السفر إلى الخارج على خلفية التحقيقات الجارية معهم في قضية مذبحة بورسعيد.
وقال المصدر إن الممنوعين من السفر هم محافظ بورسعيد المستقيل اللواء أحمد عبد الله، ومدير أمن المحافظة الموقوف عن العمل اللواء عصام سمك، ومدير الإدارة العامة للأمن المركزي في المحافظة اللواء عبد العزيز سامي، وقائد قوات الأمن في المحافظة العقيد عمر بخيت، ومدير هيئة إستاد بورسعيد محمد يوسف معوض، ورئيس الاتحاد المصري لكرة القدم المقال سمير زاهر.
وتابع المصدر إن النيابة العامة في بورسعيد قررت حبس 52 متهما لمدة 15 يوما على ذمة التحقيق في الأحداث، وأمرت بإيداع اثنين منهم المؤسسة العقابية الخاصة بالأحداث كونهما دون السن، مضيفا أن النيابة وجهت إليهم تهم القتل العمد والضرب المفضي إلى عاهة والبلطجة واستعراض القوة وترويع الأشخاص وتخريب الممتلكات العامة والخاصة.
الإخوان
وفي أول رد فعل رسمي من أعلى مستوى للقيادة في جماعة «الإخوان المسلمين» على مذبحة بور سعيد، قال المرشد العام لـ«الإخوان» محمد بديع إن المجلس العسكري ووزارة الداخلية ومحافظ بورسعيد ومجالس إدارات الأندية مسؤولون عن تلك الأحداث.
وشدد بديع على أن «هذا الحدث الجلل لا يمكن أن يمر بغير حساب، لقد نزلت بنا كوارث عديدة في الفترة الأخيرة من المرحلة الانتقالية بدءا من أحداث ماسبيرو ثم أحداث شارع محمد محمود ثم أحداث مجلس الوزراء، ولم يحاسب أو يعاقب عليها أحد ولم يقتص للشهداء من قاتليهم، الأمر الذي أغرى بالمزيد، وبالأمس وقعت الكارثة الجديدة ومن هنا فلا بد من تحديد المسؤولين عنها ومحاسبتهم جنائيا وسياسيا بأسرع ما يمكن». («السفير»، أ ف ب، رويترز، أب
إضافة تعليق جديد