عملية تل أبيب الفدائية: الانتفاضة حية.. وليبرمان تحت اختبار

10-06-2016

عملية تل أبيب الفدائية: الانتفاضة حية.. وليبرمان تحت اختبار

أصابت عملية تل أبيب السياسة الأمنية الإسرائيلية في الصميم. فقد وقعت في ذروة سعادةِ اليمين بإنجازاته، سواءً في توطيد العلاقات مع روسيا أو تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع. ويُمكن القول إن آثارها ستظل تدوي لفترةٍ قادمة طويلة، نظراً لما تُمثله من تحديات لنظريات اليمين السياسية والأمنية على حد سواء. وبين هذا وذاك، تُظهر العملية محدوديةَ القوة الإسرائيلية وقوالب رد الفعل المتوقعة بصرف النظر عمن يجلس على مِقود السياسة الأمنية: عاقلٌ أو مجنون.جندي اسرائيلي يوقف فلسطينية وطفلها على مدخل بلدة يطا القريبة من الخليل في الضفة الغربية المحتلة أمس (رويترز)
وأول ما يثير الانطباع هو تنفيذ العملية من جانب مناضلَين فلسطينيين اثنين (هما أبناء العم محمد احمد موسى مخامرة وخالد محمد موسى مخامرة من بلدة يطا جنوب الخليل) وليس واحدا، واستخدامهما سلاحاً نارياً حتى لو كان محلي الصنع. فامتلاك السلاح ونقله والتدرب عليه كلها أمورٌ تثير تساؤلات حول مدى سيطرة واطلاع أجهزة الأمن الإسرائيلية على ما يجري في الضفة الغربية. وعدا ذلك، فإن انتقال المناضلين من الضفة الغربية إلى تل أبيب خصوصاً، وإلى محيط وزارة الدفاع، يزيدُ الأسئلةَ حدةً نظراً لما تتخذه الأجهزة الإسرائيلية من تدابير احترازية وحالة تأهب. وربما أن هذه الأسئلة وسواها هي ما ناقشه المجلس الوزاري المصغر في جلسته الطارئة أمس، لبحث المسألة وتبعاتها.
وبعد ذلك، يُطرح سؤال بديهي من نمط هل أن هذه العملية تؤشر لانتقال نوعي في أداء الفلسطينيين، الذين بدل أن تخبو هبّتُهم تزداد اتقاداً وتنتقل إلى استخدام السلاح في تل أبيب.
في كل الأحوال، ثمة من يتعامل مع عملية تل أبيب بوصفها اختبار النار الأول لوزير الدفاع الجديد الذي عرفه الناس بتصريحات «تدمير طهران وسد أسوان»، والذي سبق أن رسم لنفسه سياسةً تقومُ على أساس استخدام القوة إلى أبعد مدى بقصدِ إخماد أي مقاومة فلسطينية عبر اجتياحات واحتلالات واغتيالات و...كل ما يلزم. وربما لهذا السبب، سارع ليبرمان إلى إعلان أنه لن يكتفي بالأقوال وأن الوضع يتطلب أفعالاً.
غير أن الأفعال التي ينوي ليبرمان اللجوء إليها، بعدما أصدر أمس أمراً بعدم تسليم جثث الشهداء الذين يهاجمون جنوداً أو مستوطنين الى عائلاتهم، لا يُمكن أن تَمّر من دون ردود فعل. وكذلك، فإن ردود الفعل لا تنحصر في الجانب الميداني، بل تتخطاه إلى جوانب سياسية محلية وإقليمية ودولية. إذ لا يمكن تجاهل محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الإقناع بأنه يرغب في السلام مع المحيط العربي على أرضية مبادرات إقليمية سواء كانت مصرية أو سعودية كنوعٍ من الرد على المحاولات الدولية لتحريك التسوية. ولهذا السبب، فإن الكثير سوف يُعتمد على الإجراءات التي سيقدم عليها الجيش الإسرائيلي.
وبدا واضحاً حتى الآن أن ليس هناك جديد سواء في التهديدات أو نبرتها أو في الإجراءات التي اتخذت. فـ «التسهيلات» التي كان ليبرمان أعلن عنها للفلسطينيين في الضفة الغربية لمناسبة شهر رمضان ألغيت. والجيش الإسرائيلي، وبحسب الوارد في انظمته، سارع إلى تطويق بلدة يطا بهدف تنفيذ اعتقالات وجمع معلومات. والجيش و «الشاباك» الإسرائيلي يسعيان لإثبات، ولو متأخرين، أنهما يعملان، ولو من قبيل إطفاء ظمأ الإسرائيليين لغريزة الانتقام. ومن المؤكد أن الأيام المقبلة ستظهر مزيداً من سياسة الإصبع الرخوة على الزناد.
وأياً يكن الحال، فإن المعلق السياسي لـ «يديعوت»، ناحوم بارنيع، كتب أمس أن «عملية اطلاق النار في قلب منطقة الترفيه الصاخب في تل أبيب هي ضربةٌ كان يفترض ألا تقع، ولكنها وقعت، وذكرتنا بأن الشائعات عن انطفاء الانتفاضة الحالية كانت سابقة لأوانها. فالبندقية المصنوعة محلياً حلت محل سكين المطبخ، لابسو البدلات حلوا محل فتيان المدارس، ولكن الارهاب لا يزال هنا فتاكاً كما كان دوماً». ولاحظ بارنيع أنه «إذا ظن احدٌ ما أن تولي افيغدور ليبرمان وزارة الدفاع سيجلب معه فعل سحرٍ يحّل المشكلة، فعليه أن يعيد التفكير. شيءٌ واحدٌ فقط تغّير في الطقوس التي تُرافق كلّ عملية: هذه المرة، لن نسمع ليبرمان يتهم الحكومة بالعجز والاستسلام للإرهاب».
وأشار المعلق العسكري لـ «هآرتس»، عاموس هارئيل، إلى أنه مؤخراً أطلقت تكهنات وتقديرات بأن «مرحلة العنف باتت خلفنا. لكن العملية في مُجمّع شارونا توضح أن الأمر ليس بالضبط هكذا. فرغم تراجع مستوى العنف ورغم بلورة الأجهزة الأمنية مؤخراً صيغةً أكثر فعالية لمواجهة هجمات تستند أساساً إلى عمليات ذئاب منفردة، فإن الحل ليس كاملاً». وأضاف أن العملية هذه المرة «تبدو أكثر طموحاً وتخطيطاً مما شهدناه في الشهور الماضية. مُخّربان عملا بتنسيق واختارا هدفاً داخل الخط الأخضر وارتديا بزات وربطات عنق كي لا يثيرا الشبهات». ولكن هذا في نظره لا يثبت أنهما «خلية من تنظيم».
واعتبر هارئيل العملية اختباراً لليبرمان الذي يجد اليوم الفارق بين التصريحات المتشددة والقدرة العملية على اتخاذ خطوات. «فانخفاض العنف في الشهور الماضية حَدث بفضل مزيجٍ من السياسة الحازمة للجيش والشاباك وتجنب العقوبات الجماعية في المناطق وتوثيق التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية. وهذا مزيجٌ فائق الحساسية يسهل جداً تخريبه بتصريحات غير حذرة. وفي الأيام القريبة، سيتبين إن كان ليبرمان انتهج سياسة مغايرة لتلك التي انتهجها سلفه، موشي يعلون».
أما المعلق الأمني لصحيفة «معاريف» يوسي ميلمان فكتب أن «العملية وأبعادها المختلفة تدرس من جانب الشاباك، ولذلك يصعب استخلاص نتائج قاطعة. ومع ذلك، هناك إشارات يُمكنها أن تعزز الافتراض بأن الحادث يشبه حوادث سابقة. وهذا الافتراض يستند إلى اعتقال المنفذين، المعروف أنهما بلا سوابق أمنية، وإلى ضبط السلاح المستخدم وإلى شهادات المارة وقرائن أخرى ميدانية». وخلص إلى أن العملية تُشكل أول اختبار لليبرمان «الذي منذ توليه المنصب يقلل من التصريحات ويركز على اللقاءات مع كبار الأمنيين ودراسة مجالات عمله. والتصريحات القليلة التي أطلقها كانت معتدلة ومخالفة لأقواله الحادة حينما كان في المعارضة».
وختاماً، فإن أشد ما تخشاه أجهزة الأمن الإسرائيلية، وفق المراسل العسكري لموقع «والا» الإخباري، أمير بوحبوط، هو أن تجلب عملية تل أبيب خلفها موجة من المُقلّدين الراغبين في تنفيذ عمليات مشابهة.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...