على مرأى ومسمع العرب جميعاً

20-04-2007

على مرأى ومسمع العرب جميعاً

قبل ثلاثين عاماً, وبالتحديد في 20 تشرين الثاني  1977, كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات يلقي خطابه داخل مبنى الكنيست في القدس.عندما حطت الطائرة المصرية في أحد مدارج مطار بن غوريون وانفتح بابها, وبدأ رحلة الهبوط الى الأرض درجة الى حد, تلاحقه عدسات المصورين الذين احتشدوا بالآلاف, بدا المشهد كله وكأنه من عالم اللامعقول, لدرجة ان الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر لم يتردد في مقارنته بهبوط أول انسان على سطح القمر.
لم يكن أحد من العرب والمسلمين يتصور يومذاك, أن رئيس أكبر دولة عربية يمكن ان يقدم على هذه «المغامرة» السياسية من أجل انهاء اطول صراع تشهده المنطقة. ولم يكن احد في أحلام اليقظة أو كوابيس المنام يجرؤ على القول بأن القرار كان صائباً أو ذكياً أو عبقرياً, لأنه يختصر الزمن من اجل السلام.
كانت للسادات «أسبابه» في تلك اللحظة التاريخية. كان يريد ان يبني لنفسه شرعية جديدة تختلف عن شرعية المرحلة التي قادها جمال عبد الناصر, وكان يرى ان السبيل الوحيد لبناء هذه الشرعية يمر بهدم شرعية «ثورة يوليو» بما لها وما عليها. وفي القناعة الساداتية كانت هناك جملة من الثوابت أهمها أن الولايات المتحدة­ كما كان يقول­ تملك 99 بالمئة من أوراق الحل, وأنها قادرة بعد توقيع اتفاقيات السلام, على مساعدة مصر من خلال مشروع تنمية على طريقة مارشال, وهي الطريقة التي مكنت اوروبا الغربية من الصمود في وجه الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد اصغى السادات طويلاً الى «صديقه» هنري كيسنجر يردد على مسمعه أن أميركا راغبة مرتين, مرة في تحقيق التسوية, ومرة في تحصين الاقتصاد المصري والقدرات المصرية, وتصرف على هدي هذا اليقين على أساس أنه يملك أوراقاً حقيقية.
بقية القصة معروفة, بدأت بانتفاضة الخبز في العام 1977, وانتهت بالتعنت الاسرائيلي والتجاهل الأميركي ومعركة العزل العربية... وتحمل الرجل في آخر المطاف مسؤولية «الصلح المنفرد» عندما سقط برصاص أحد الاسلاميين.
لماذا كل هذا الكلام؟
لسبب بسيط جداً هو أن معظم العرب الذين تلاقوا على مقاطعة النظام المصري وعزل أنور السادات, تحولوا بعد ثلاثة عقود الى ساداتيين حقيقيين, بل الى فريق عمل جماعي نشط من اجل تكريس النهج الساداتي وتخليده.
فجأة قررت «اللجنة الوزارية العربية لمبادرة السلام» الذهاب الى العالم كله, وحتى الى اسرائيل, لتكريم الرجل الذي كان خائنا لعروبته واسلامه, وصار فجأة مثالاً يحتذى في السلوك السياسي والخيارات الاستراتيجية.
وفجأة اكتشف العرب جميعاً "جميعاً تقريباً" أن في وسع الدول العربية ان تستعيد اراضيها المحتلة, وأن في وسع الفلسطينيين ان يقيموا دولتهم, من دون حروب, على الطريقة الساداتية.
وفجأة اكتشف الاسرائيليون انهم يستطيعون ان يحولوا كل هزيمة الى انتصار, بفضل معسكر «العرب المعتدلين» اللاهثين وراء السلام وبأي ثمن, في غياب القدرة التفاوضية على هذا السلام.
امام اعضاء الكنيست الاسرائيلي وفي حضور مناحيم بيغن قال انور السادات قبل ثلاثين سنة «جئت اليكم اليوم على قدمين ثابتتين, لكي نبني حياة جديدة, ولكي نقيم السلام. وكلنا على هذه الارض, ارض الله, مسلمين ومسيحيين ويهوداً, نعبد الله ولا نشرك به احداً  وانني ألتمس العذر لكل من استقبل قراري, عندما اعلنته للعالم كله امام مجلس الشعب المصري, بالدهشة بل بالذهول   فلم يكن احد يتصور ان رئيس اكبر دولة عربية, تتحمل العبء الاكبر والمسؤولية الاولى في قضية الحرب والسلام في منطقة الشرق الاوسط, يمكن ان يعرض قراره بالاستعداد للذهاب الى ارض الخصم».
قالها السادات وفعل.
وقبل ايام, على مرأى ومسمع العرب جميعاً, والمسلمين جميعاً, والعالم كله, قال وزير خارجية اكبر دولة عربية بعد مصر ان العرب ذاهبون الى اسرائيل من اجل «اقناعها» "اي توسّله" بالسلام, وقد نسي كلاماً قاله الله «وأنتم الأعلون ان كنتم صادقين».
لم يصفق احد من الاسرائيليين حتى الآن, بمن فيهم ايهود اولمرت الغارق في «متاهة حرب تموز».
ولم يصفق احد من العرب.
تبقى حقيقتان لا بد من التوقف عندهما: الاولى ان العالم كله استجدى انور السادات كي يصالح اسرائيل, فذهب الى القدس بقدمين ثابتتين, فيما عرب اليوم يستجدون العالم كله من اجل اقناع اسرائيل بأن من حقهم استجداء السلام.


فؤاد حبيقة
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...