ضرب المرأة بات ظاهرة
إذا ما ألقينا نظرة عابرة على صحافتنا المحلية، وفي صفحاتها التي ترصد مشاكل وهموم الناس، والجرائم التي يتعرض لها المجتمع، نجد أن المرأة تحتل المرتبة الأولى كضحية أزلية لعنف المجتمع والرجل معاً. والسبب يعود إلى اعتبار المرأة إحدى ممتلكات الرجل يفعل بها ما يشاء من عنف لفظي ومعنوي وجسدي يصل حدَّ القتل، حتى بات ضرب الزوجات حالة عادية في كثير من الأسر. هذا ما نلحظه من ورود أخبار نُشرت في ذات الصفحة لإحدى الصحف المحلية:
- أُسعفت السيدة شيرين/23/ سنة إلى المشفى من قبل أحد المارّة بعد أن شوهدت مغميّاً عليها في الطريق العام، وتبيّن لاحقاً أن السيدة المذكورة تعرّضت ولأكثر من مرّة للضرب المبرّح من زوجها الذي أراد أن يجبرها على طلب الطلاق تهرّباًّ من مؤخر الصداق كونه خطب فتاة أخرى.
- تعرّضت السيدة أمل/27/ سنة للضرب من زوجها بسبب عدم موافقتها على تشغيل طفلها البالغ من العمر/9 سنوات/ حيث لجأت بدايةً للحرد عند أهلها احتجاجاً على ذلك، وعندما عادت لمنزلها تلقّت من زوجها ضرباً عنيفاً لأنه كان ثملاً- فهو مدمن خمر- وتبيّن إصابتها برضوض مختلفة.
- أُسعفت السيدة رمزية/37/ سنة على إثر ضربها من زوجها إثر مشادّة كلامية تتعلق بمصروف البيت. وكما تقول فإن زوجها يعيش على راتبها من صالون الحلاقة الذي تعمل فيه. وعندما اعترضت على ما أسمعها من كلمات نابية عاد وضربها فأُسعفت ثانيةً على إثر نزيف في أذنها. وقد رفض الزوج إحضار الدواء لها من الصيدلية فتقدّمت بشكوى ضدّه في مخفر الشرطة.
من خلال هذه الحالات يمكننا أن نكوّن فكرة عامة عن الرجل الذي يلجأ لضرب زوجته. فهو إنسان لا يعي تماماً حجم مسؤوليات الزواج والأولاد، ولا يقدّر قيمة العلاقة الزوجية ولا يحترم زوجته، ويرى أنه لا يمكن أن يفرض سلطته وسطوته إلاّ عليها- كونها الحلقة الأضعف- والوحيدة أمامه، فهو يشعر ضمنياً بعجزه أمامها ويحاول ستر هذا العجز بعنجهيته التي يستمدها من قِوامةٍ منحه إياها المجتمع والدين من جهة، وبسبب موروث عَلِقَ بتفكيره إضافة إلى تربيته الأسرية التي ربما حفلت ومنذ الطفولة بصور متعددة عن ضرب الأب للأم من جهة أخرى، وهذا ما يساهم في تكوين شخصية ضعيفة، مهزوزة لا تحترم الآخرين وخصوصاً المرأة.
ففي الحالة الأولى يقوم بضرب زوجته وطردها من البيت حتى تصل لحالة لا تجد أمامها من منقذ غير التنازل عن مهرها الذي يقيّده لأنه وبكل استهتار بمسؤولياته يريد الزواج من امرأة أخرى، هذا المهر الذي ظنّ الأهل أنه يحفظ لها كرامتها وبقاءها في بيتها...!!!!!!!!!!!!
وفي الحالة الثانية أب مستهتر بمسؤولياته الأسرية وأبوّته التي بدل أن تفرض عليه رعاية أبنائه، يقوم بتشغيلهم رغم أنهم أطفال غير مبالٍ بالنتائج الوخيمة عليهم فقط لأجل أن يستمتع هو بإدمانه الذي يسحق طفولتهم التي تدافع عنها الأم/ الزوجة فتُعاقَبْ هي الأخرى بالضرب.
وكذلك الحال في القصة الأخيرة التي لجأت فيها الزوجة للشرطة.
سيدة واحدة من أصل ثلاثة لجأت للقانون وهي حالة تستحق الدعم والتعزيز، لأنها رغم ما قد يصيبها من عنف جرّاء اللجوء للشرطة، غير أنها تعرف حقوقها تماماً وتريد من القانون والقائمين عليه حمايتها من العنف الواقع عليها من أقرب الناس.
صحيح أن القانون السوري يعاقب الزوج في حال أقدم على ضرب زوجته إذا ما ادّعت عليه، لكن قلّة من النساء يلجأن للشرطة في مثل هذه الحالة، وذلك لأسباب عدة أولها ما قد يتبع هذه الشكوى من عنف أقوى وأشد فقط لأنها تجرأت عليه وشكته للشرطة، وثانيها النظرة الاجتماعية السيئة التي تطال الزوجة التي تشتكي زوجها حتى من قبل أهلها، فهي بنظرهم ناشز وما عليها إلاّ أن تصمت على ما يصيبها من زوجها لأن الزوجة الفاضلة برأيهم هي التي تستر عيوب زوجها ولا تُشهّر به أمام الناس مهما كان عنيفاً معها، لأن البيوت أسرار..؟؟!!
وأهم هذه الأسباب أن المسؤولين عن تطبيق هذا القانون هم رجال من نتاج هذا المجتمع بكل موروثه وقيمه، ينظرون للمرأة التي تلجأ للقانون إذا ما تعرضت للضرب باستهجان واستهزاء إن لم نقل باحتقار ووضاعة، وكأنها اقترفت فعلاً أخلاقياً مشيناً، وقد يطلقون عليها الصفات التي لا تليق بإنسانيتها وكرامتها وهذا ما يدفع بالغالبية من النساء- حتى اللواتي يعرفن القانون جيداً- لعدم التبليغ عن العنف الواقع عليهن.
فالقانون مازال قاصراً بشكل مباشر أو غير مباشر عن حماية المرأة عبر عدم تأهيل القائمين على تنفيذه من جهة، ومن جهة أخرى بسبب عدم وجود قانون أسرة حقيقي وشامل يحمي المرأة والطفل.
لذا نجد لزاماً على المعنيين بقضايا المرأة من المجتمع الأهلي الإصرار على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة بكل الوسائل المتاحة وأهمها تسليط الضوء عليها كما كان مع ظاهرة جرائم الشرف وتبني حملة إعلامية وحقوقية ضدها، وأيضاً على الجهات الرسمية المسؤولة أن تعمل على تحقيق الأمن والأمان للمرأة في المجتمع من خلال سنّ القوانين والتشريعات، وإيجاد أماكن رعاية وحماية وتأهيل للنساء المعنّفات، وإلاّ فإن هذه الظاهرة ستخلف وراءها مزيداً من العنف الذي يعيق تطور المرأة والمجتمع.
إيمان أحمد ونوس
المصدر: مجلة ثرى
التعليقات
ما تريدون بالضبط؟
إضافة تعليق جديد