رومانسية من العيار الثقيل
ها قد اجتمع الاتحاد العالمي الفلكي, ومن ثم فقد أنهى اجتماعاته, من دون أن يخلص إلى نتيجة تهمُّ جميع دول العالم, وفي مقدمتهم
ذلك التجمع الذي يطلق عليه (العالم العربي). إذاً, فمن الطبيعي أن يخفق الاتحاد في عيون أفراد هذا التجمع الكبير, لعدم دعوتهم للاشتراك فيه, أو لعدم قدرتهم على الاشتراك ولو باكتشاف صغير, ينم عن معرفتهم بعدد كواكب المجموعة الشمسية. فربما, لم يتفقوا حتى الآن على كروية الأرض.
هناك, في براغ, عاصمة تشيكوسلوفاكيا السابقة, والتي قسمت إلى خمس جمهوريات متنازعة, اتفق جميع الفلكيين, الذين وصل عددهم إلى 2500 فلكي من 75 بلداً, على تعريف جديد, أكدوا بموجبه على التفريق بين الكواكب والأجرام السماوية, التي تضم المذنبات والشهب وغيرها. وبسبب من الاكتشافات التلسكوبية الجديدة, اقترح العلماء تعديل عدد كواكب النظام الشمسي, لتصبح (12) كوكباً, بدلاً من (9) كواكب. وهذا العدد, قابل للزيادة مع تقدم الاكتشافات.
أغفل أعضاء الاتحاد الفلكي أن هذا الاكتشاف الجديد, الذي فرحوا به, سيزعج شرائح كثيرة من المجتمع العربي, التي تقوم حياتها على قراءة الطالع وما تقوله الأبراج, لأنه سيقضي على مصداقيتهم في تأثير كواكب معينة على حياة الإنسان. وربما, بسبب احتراف الشعوذة, سيجد هؤلاء أن دخول كواكب جديدة, سيوسع دائرة احتيالهم, ويدر عليهم رزقاً أكبر من ذي قبل.
في خضم هذا الجدل الدائر حول تعريف صريح للكوكب, وفي غمرة الاكتشافات المذهلة, نبقى نحن نقوم بجدلنا الخاص حول تعريف الفساد, وإعادة تعريفه, دون جدوى, ودون إمكانية إقالة فاسد على مستوى رئيس بلدية. ونتحاور بصخب حول ضرورة إيجاد وظائف لجيوش العاطلين عن العمل, دون الاكتراث للزيادة المطردة. ولا يغيب عن بالنا في اجتماعاتنا الكثيرة جداً, أن ندعو لتأمين لقمة العيش للمواطن المسحوق, وطبعاً لا نفعل شيئاً سوى إلقاء خطابات رومانسية من العيار الثقيل.
نظرياً, ننتمي نحن والمجتمعون في براغ إلى الكوكب نفسه, أي الأرض, وليس للمريخ أو زحل أو بلوتو المختلف عليه ككوكب بين أعضاء الاتحاد , الذين يشوهون فكرتنا عن المجموعة الشمسية المحترمة. ولكن المجتمعين - وهذا فرق واضح بيننا وبينهم - يؤمنون عملياً بأنهم ينتمون إلى هذا الكوكب, ويعرفون أن عليهم إدراك مكانهم في هذا الكون الشاسع, بينما نحن العرب, وبكل عزتنا وقوتنا, نجهد لإيجاد مكان على هذا الكوكب الصغير, بعد أن نسينا أنه يجب علينا أن نكون مشاركين بفعل ما. وحتى الآن لم نصل إلى تعريف دقيق لما يسمى العالم العربي, في حين توصل المجتمعون إلى تعريف الكوكب بأنه جسم صلب, كتلته كبيرة, بما يكفي لتعطيه شكلاً متوازناً شبه دائري, وهو ليس نجماً ولا قمراً تابعاً لكوكب.
وإن أردنا نحن أن نتجاوز كسلنا, ونخلص إلى تعريف لجغرافيتنا وتاريخنا, فسندخل في صراع بين بعضنا البعض للوصول إلى تعريف ولو فضفاض لعالمنا العربي, حيث لن نتفق على صفات الوطن بأنه جسم صلب متراص, فيه شعوب متآلفة, كتلتها كبيرة بما يكفي لتعطيه شكلاً متوازناً. لقد أصبحنا في وضع يصعب علينا تحديد شكل وطننا المتحول جغرافياً, والثابت فكرياً.
اشترط الاتحاد العالمي الفلكي على الذين يودون المشاركة في المؤتمر, أن يقدموا شهاداتهم العلمية في اختصاص الفلك, وأن يقدموا أبحاثهم واكتشافاتهم الجديدة. ولم تتجاوز طلبات المؤتمر أكثر من ذلك, إذ لا حاجة لمؤتمر علمي, لغير العلماء.
ولكن انتظروا قليلاً, ولنقف معاً أمام السؤال التالي: ماذا لو أن الاتحاد الفلكي العالمي, قرر أن يقيم مؤتمره في بلادنا? أقول هذا على سبيل الافتراض ليس أكثر. هل سينجح المؤتمر المفترض عندنا?
ببساطة, لن يتسنى لأحد التفكير بنجاحه, لأنه لن يقام أصلاً, فشروط الاشتراك لدينا, ستكون مختلفة عن الآخرين, بسبب خصوصيتنا وفرادتنا واعتيادنا على نمط من الشروط والشهادات نظن أنها تصلح لكل شيء. هذه الشروط ستمنع الذين يودون تقديم اكتشافاته الجديدة من الاشتراك لانشغالهم بتأمين الأوراق المطلوبة منهم.
في بلادنا, لن تكون الشهادة العلمية هي الأساس, ولن تكون الأبحاث الجديدة والاكتشافات المذهلة عن الكواكب والنجوم, هي جواز دخول المؤتمر; فهناك عدد من الشهادات المطلوبة والتي لا غنى عنها, تقرر مصير قبول العالم الفذ, وهي: شهادة غير محكوم - شهادة إخراج قيد نفوس - شهادة غير موظف, لضمان أن المشترك لا يعمل لدى جهة أخرى - شهادة خبرة في المحاسبة التجارية, يمكن شراؤها من أي صاحب بسطة - شهادة حسن سلوك من أي مختار أميّ.. إلخ..
عقبة زيدان
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد