حدود الديموقراطية الدينية شعبية أم إلهية؟

08-03-2012

حدود الديموقراطية الدينية شعبية أم إلهية؟

يطرح الدكتور ابراهيم الموسوي في كتابه «الشيعية والعملية الديموقراطية في إيران: مع التركيز على ولاية الفقيه» سؤالاً مفصلياً عن إمكانية ان تتحول إيران في نهاية المطاف إلى دولة ديموقراطية أصيلة مستندة في ذلك الى معطيات محلية، وليس الى أساس مفاهيم غربية مستوردة لا تمت إلى الواقع الإيراني بصلة. يقع الكتاب في سبعة فصول: يبحث الفصل الأول في مبادئ الإسلام الشيعي منطلقاً من المصادر الأربعة للقانون الإسلامي (القرآن، السنة، الإجماع، والعقل) ليصل من خلالها إلى مشكلة الخلافة بعد وفاة الرسول، «واغتصاب خلافة الإمام علي، وشهادة الإمام الثالث الحسين»، ومرحلتي ما قبل الغيبة وما بعدها. يتحدث بعدها عن ظهور مؤسسة الاجتهاد التي أدت، بطبيعة الحال، إلى نشوء هرمية مرجعية دينية. يمهد الموسوي لفكرة ولاية الفقيه من خلال سرد التطور المرجعي الشيعي ابتداء بالمدرسة الإخبارية ليصل منها إلى المدرسة الأصولية التي أكدت على ضرورة وجود مرجع يقلده المؤمنون.
ينظر الفصل الثاني في ولاية الفقيه ومبادئ الفقه الشيعي. يصر الموسوي على ان الحكم الإسلامي له سمة ديموقراطية، وانه من الممكن، والحال كذلك، ان نقرب بين الديموقراطية بمعناها الغربي وولاية الفقيه. يلخص المؤلف من أدبيات الفقه الشيعي تسع خصائص للديموقراطية الإسلامية: (1) يمكن تطبيقها إذا قبلت بها طواعية الأغلبية من المواطنين، (2) لا تميز بين مواطنيها على أساس اللون، المعتقد، العقيدة السياسية، العرق... الخ، ذلك ان جميع أفراد المجتمع سواسية امام القانون، (3) إرادة الشعب هي المصدر الشرعي الوحيد للممارسة السياسية، ما لم تتعارض مع الإرادة الالهية، (4) إن أي قرار لا يشارك الشعب في إقراره يعتبر لاغياً كأنه لم يكن، (5) إن احد أوجه الاختلاف الأساسية بين الديموقراطية الدينية وغيرها من الأنماط الديموقراطية، كون ان المجتمع في الأولى يلتزم بالأخلاق الدينية ويقبل بها ان تكون أساس القانون العام، (6) تدير الدولة الموارد الطبيعية وتمثل الشعب والمصلحة العامة، (7) تحافظ على نظام الجدارة على أساس مبدأ الانتخابات الحرة والنزيهة، (8) يتم التأكد بواسطة علماء الدين المسلمين المنتخبين بواسطة الشعب من ان الأبعاد الدينية للنظام السياسي لا تتعارض مع الشريعة، (9) إن الديموقراطية الدينية تعمل ضمن إطار القانون، وعليه فإن الحكام والشعب يقعون تحت سقف القانون.
يقارن الموسوي بين ولاية الفقيه وولاية الأمة ليستنتج ان ولاية الفقيه هي أساس ما تقبل به الأمة او ترفضه. فالأمة لا تملك حق الوصاية على نفسها، ذلك ان الفقيه هو من يمنح الأمة حق ان تمثل نفسها. يقول الموسوي، مستنداً إلى كتاب الحكومة الإسلامية للإمام الخميني، ان ولاية الفقيه حاجة ماسة للمسلمين، شريطة ان تحدد معالمها وحدودها. يعود الموسوي ليؤكد ان ولاية الفقيه تشكل عقيدة الجمهورية الإسلامية في إيران. يقول بدون ان يقدم دليلاً ليدحض مزاعم من يقول غير ذلك، ان الجمهورية الإسلامية رفعت الظلم عن الأقليات العربية والتركية والكردية الذي كان يمارس بحقها على نطاق واسع اثناء الحقبة الملكية. ويؤكد المؤلف ان الجمهورية الإسلامية تسعى منذ نجاح الثورة إلى تعبئة الشيعة خارج إيران لوضعهم في واجهة عمليات ولاية الفقيه ومن ضمنها تصدير الثورة الإسلامية.
أما الفصل الثالث فيركز على دور الشورى في عملية الانتقال إلى الديموقراطية، علما انه لا يقبل ان يقال عن الديموقراطية انها ترادف الشورى، لان القول الفصل يعود إلى الفقيه الذي يؤول إليه أمر نشر العدالة والمساواة والقضاء على الطغيان. وتنبع الحرية في الديموقراطية من إرادة الشعب، أما في الإسلام فالحرية تتأتى من طاعة الله والفقيه الذي يمثل الإمام المعصوم في غيبته. ينتقل المؤلف في الفصل الرابع إلى النظر في مسألة تطبيق المبادئ الدينية في الجمهورية الإسلامية. يرى الموسوي ان سلطة مجلس الشورى تضمن دوراً بناء في إدارة شؤون الدولة، خصوصاً مواردها المادية والبشرية. يضيف ان مجالس الشورى تصبغ النظام السياسي للجمهورية الإسلامية من قمته إلى قاعدته. تصل إرادة الأمة إلى ذروتها عندما يختار مجلس الخبراء، المنتخب من الشعب، والي الفقيه الذي يرسم سياسات الدولة العامة بالتشاور مع مجلس تشخيص مصلحة النظام. يشير الموسوي إلى قول الخميني بضرورة الاختلاف لكونه حاجة إنسانية ومدخلاً إلى التعددية، إلا انه لا يربط بين الاختلاف ومفهوم المصلحة التي يجسدها الفقيه.
يقود التحليل المؤلف ليسأل في الفصل الخامس عما إذا كانت ولاية الفقيه تؤدي إلى الطغيان؟ يشير إلى كتابات الشيخ شفيق جرادي ليستنتج ان هناك أربع نقاط تشكل صمامات أمان تمنع والي الفقيه من ان يصبح طاغية: البعد التعليمي للمواطنين، جماعة الفقهاء، مجلس الخبراء ونصوص الدستور. يصر المؤلف، بعدما مهد لذلك بالاستناد إلى حديث للإمام الخميني قال فيه ان الديموقراطية هي نقطة ارتكاز العقيدة الإسلامية، وإن لم تكن منطلقاتها الديموقراطية غربية التوجه وهي التي استخف بها وقلل من شأنها، لان الشريعة تحقق آمال الإنسانية بإقامة العدل والدفاع عن حقوق الإنسان ونشر القيم الأخلاقية والخير والحرية.
أما في الفصل السادس فيتطرق المؤلف إلى إشكالية النظام الجمهوري في الدولة الإسلامية. ولا يغفل الكتاب، كما يتبين لنا في الفصل السابع، معالجة مسألة التحول الديموقراطي في إيران وظهور الحركة الإصلاحية، يضيف المؤلف ملحوظة في نهاية الكتاب يتناول فيها تداعيات الانتخابات الرئاسية سنة 2009.
لقد كتب الموسوي كتاباً اكاديميا، أشار فيه إلى الاصول الغربية للديموقراطية واستعرض مفاهيمها وتطورها خلال القرون الثلاثة الماضية. لا يحاول الموسوي ان يشرعن عملية التحول الديموقراطي في إيران على أساس استيفائها تلك المفاهيم، بل يطرح نموذجا إسلامياً موازياً ينطلق من فكر الإمام الخميني الذي يشدد على ان الإسلام يقدم نمط حياة ونظام حكم أرقى وأكثر رفعة من المفاهيم الديموقراطية. ويبني حجته من منطلق ان الإسلام الشيعي وفقهه الديني يقدمان فكراً ديناميكياً يتطور باستمرار نظراً لاستناده إلى الاجتهاد القائم على التعليل المنطقي المستقل. وعليه، يرى الموسوي ان ولاية الفقيه لا تشكل نظاماً مغلقاً، بل تتعداه لتفتح المجال امام سلسلة من التفسيرات حسب رؤى علماء الدين والمجتهدين المسلمين.
يرى الموسوي ان هناك عناصر كثيرة، مثل مفهوم المصلحة والتعددية (الاختلاف)، تتسم بها العملية السياسية في إيران بما يؤهلها لتكون دولة تمضي قدما على مسار الديموقراطية الصحيح، ولكن من وجهة نظر إسلامية بحتة. يقر الموسوي بأن رؤية ولي الفقيه تشكل أساس ما تقبل الأمة به او ما ترفضه. يصر على ان الأمة لا تملك حق الولاية على نفسها كما هو الحال في الديموقراطيات ذات المنشأ الغربي، والمشروعية السياسية المطلقة لا تأتي منها، بناء عليه فالشعب ليس مصدر السلطات. الحكومة الإسلامية كما ينسبها الموسوي إلى الإمام الخميني هي حكومة التقوى والورع، والتي تلتزم بصورة كلية تنفيذ التعاليم والقوانين الدينية عملا بالمشيئة الإلهية.
يكرس الكاتب جل الكتاب لعرض نظرية الإمام الخميني في مسألة الدولة الإسلامية وينوه بمفهومه للحرية التي منحها الإسلام لمواطني الأمة، إلا انه اعتبر ان مفهوم سيادة الشعب لا يتعدى انتخاب مجلس الخبراء، الذي تناط به مسؤولية اختيار المجتهد العادل ليقود حكومتهم وفق التعاليم الإسلامية. من مهام مجلس الخبراء الأساسية مراقبة المجتهد لضمان التزامه بمهامه الجسام. أما مجلس الشورى فسلطاته إجرائية تنفيذية بحتة لأنه يتصرف على أساس ان الله هو مصدر التشريع الوحيد. أما المشروعية السياسية، حتى وان أقر الشعب بها لرؤسائه، فإنها لا تستقيم بدون تجذرها، بالعقيدة الإسلامية.
لقد بذل الكاتب جهداً كبيراً ليخرج كتابه بصورة أكاديمية وموضوعية، ولم يتردد من التطرق إلى مسائل شائكة، وان لم يأخذ موقفاً حازماً لا لبس فيه منها، مثل حركة الإصلاح في التسعينيات من القرن الماضي او تداعيات الانتخابات الرئاسة سنة 2009. لذلك نرى الموسوي يكثر من اللجوء إلى المراجع الثانوية ويحاول، قدر المستطاع، ان ينأى بنفسه عن القضايا الشائكة. ولم يأخذ موقفا واضحا من الحركة الإصلاحية او الانتخابات الرئاسية سنة 2009 والتي أثار مقدار مصداقيتها الكثير من الجدل آنذاك. كما ان الكاتب لا يحدد رأيه من موضوع إدراج الشيعة خارج إيران بعمليات ولاية الفقيه وتصدير الثورة الإسلامية. ان هذه قضية أساسية تحدد دور الشيعة في الدول التي يعيشون فيها كما ان شرعنة ادخال الشيعة خارج إيران بعمليات ولاية الفقيه يوجد أزمة انتماء لهم في الدول التي يتمتعون بجنسيتها. إن البوادر الأولية تشير إلى ان النظام السياسي الإيراني يحظى بمشروعية جماهيرية لا بأس بها، خصوصا خارج المدن الكبرى، وقد قطع شوطاً لا يجوز التقليل به في بناء مؤسساته السياسية، لكن تقويم أدائه يحتاج إلى عقود إضافية من الزمن.
يقدم هذا الكتاب إضافة جديدة إلى الفكر السياسي المقارن ونظام الدولة في الإسلام حتى وإن كان من منظور شيعي اثني عشري، كونه لا يغفل طروحات المفكرين وعلماء الدين من السنة في مقاربته للفكر السياسي الإسلامي ولدور الشورى في العملية السياسية. يصلح هذا الكتاب كمرجع أساسي للطلاب الجامعيين والباحثين بأمور الدولة من منظور إسلامي، وكذلك للباحثين في مجال السياسة المقارنة.

Ibrahim Moussawi, Shi’ism and the Democratisation Process in Iran: With a focus on Wilayat al-Faqih. (London, UK: Saqi, 2011).

هلال خشان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...