جدل جديد حول فتوى التبرك ببول الرسول
قرر المجلس الأعلى للأزهر ايقاف رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بالقاهرة الدكتور عزت عطية عن عمله وإحالته إلي مجلس التأديب للتحقيق معه حول فتواه "جواز إرضاع الموظفة لزمليها في العمل لمنع وجودهما في خلوة شرعية".
وجاء القرار في وقت شنّ وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق هجوماً عنيفاً على فتوى أخرى لمفتي مصر الدكتور علي جمعة، أكد فيها أن الصحابة كانوا يتبركون بشرب "بول" الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأصدر المجلس الأعلى للأزهر -وهو أعلى جهة إدارية تابعة لمشيخة الأزهر في مصر- بيانا نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" الثلاثاء 22-5-2007، اعتبر فيه أن ما جاء على لسان عطية "يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ويخالف مبادئ التربية والأخلاق ويسيء إلى الأزهر كمؤسسة إسلامية مرموقة".
وأجرت "العربية.نت" اتصالا هاتفيا بالدكتور عزت عطية بعد قرار الإيقاف وإحالته إلي لجنة التحقيق المشكلة من علماء بالأزهر إلا أنه رفض الحديث معللاً ذلك بالضرر الذي تسبب له جراء نشر هذه الفتوى على نطاق واسع، وأكد أنه لا يرغب بالحديث لأحد ويستعد الآن للمثول أمام لجنة التحقيق.
من ناحية أخرى ذكر مصدر بالأزهر لـ"العربية.نت" أن الدكتور عزت عطية سيخضع خلال الأيام القادمة لجلسات تحقيق سرية مع الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر، بعدها سيمثل أمام مجلس التأديب بالجامعة الذي يرأسه الدكتور الطيب وبعضوية الدكتور عبد الله النجار كعضو شرعي والدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر كعضو قانوني. وتوقع المصدر أن يتم اقالة د.عزت من منصبه الحالي كرئيس لقسم الحديث بكلية أصول الدين بالأزهر على إثر هذه القضية.
وما زال الموضوع معروضا على مجمع البحوث الإسلامية بتكليف من شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي لتحديد "الموقف الشرعي من تلك القضية"، التي كاد الجدل حولها أن يتحول إلى "حرب منشورات"، بين العلماء وشارك فيها طلاب بجامعة الأزهر، خاصة بعد أن تناقلتها وسائل إعلام محلية وعربية.
جاء قرار الوقف بعد يوم من إصدار الدكتور عطية بيانا تراجع فيه عن فتواه، قائلا إن "ما أثير من كلام حول موضوع ارضاع الكبير وما صرحت به إنما كان نقلا عن بعض الأئمة مثل ابن حزم وابن تيمية وابن القيم والشوكاني وأمين خطاب وما استخلصته من كلام ابن حجر رحمه الله.. ومع هذا فالرأي عندي أن الرضاعة في الصغر هي التي يثبت بها التحريم كما قال الأئمة الأربعة. وأن "موضوع ارضاع الكبير كان واقعة خاصة لضرورة، وما أفتيت به كان مجرد اجتهاد"، وأضاف: "بناء على ما تدارسته مع إخواني من العلماء فأنا أعتذر عما بدر مني قبل ذلك وأرجع عن هذا الرأي الذي يخالف الجمهور".
وقال عطية في الفتوى التي تراجع عنها إن "الشرع يجيز لأحد البالغين (رجل أو امرأة) اللذين تضطرهما الظروف للبقاء في خلوة أن يرضع أحدهما من والدة أو أخت الطرف الآخر، لكي يصبحا أخوين في الرضاعة، وبالتالي تحريم العلاقة الجنسية بينهما".
لكن يبدو أن قرار الوقف لم ينهِ القضية، إذ اختلفت ردود فعل علماء الأزهر حوله، خاصة مع تراجع صاحب الفتوى عن فتواه. ونقلت صحيفة "الخليج" الاماراتية الثلاثاء 22-5-2007 عن عضو مجمع البحوث عبد المعطي البيومي رأيه بأن الاعتذار السريع عن الفتوى كان كافياً، "لأن الرجوع عن الحق فضيلة". وقال: "طالما اخطأ العالم واعترف بذلك فواجبنا أن نتعامل بالرحمة والرفق معه، فكل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون، هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن آيات قرآنية كثيرة تدعو إلى كظم الغيظ والعفو".
واعتبرت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر سعاد صالح أن "الخطأ في الفتوى شيء وارد، وقد أخطأت في بعض الفتاوى وتراجعت عنها وليس في هذا عيب، لأن الخطأ الحقيقي هو الإصرار على الخطأ، أما الرجوع والاعتذار كما فعل الدكتور عزت فهذا أمر محمود".
لكن وزير الاوقاف أيد القرار، مؤكدا "حرص المؤسسة الدينية في مصر على القيام بدورها فى التوعية الدينية الصحيحة وتصحيح أي مفاهيم شاذة نتيجة الخلط الذي
تحدثه فوضى الفتاوى".
وأوضح زقزوق في بيان أصدره "ان فوضى الفتاوى وعدم انسجامها مع العقل والفطرة الإنسانية أكثر خطرا على الإسلام من خصومه"، واصفا هذه الفتوى ومثيلاتها بأنها
"تمثل انحدارا في الفكر الديني، الذي ينير العقول ويسمو بفكر المسلمين ولا يجرهم إلى التخلف والجهل ومنافاة قواعد الذوق العام". كما طالب العلماء والدعاة الذين يتصدون للإفتاء بأحكام عقولهم في كل ما يقولونه ويقرأونه كي يتفق ذلك مع العقل وصحيح الدين والابتعاد عما يشكك الناس في دينهم، والعمل على تصحيح المفاهيم
الخاطئة لدى العامة خاصة ما يتعلق بالجانب السلوكي وحثهم على العمل والإنتاج.
من جهة ثانية، هاجم وزير الأوقاف المصري الفتوى التي تحدثت عن "شرب بول الرسول"، معتبراً إياها "إساءة واضحة للنبي صاحب الدعوة، الذي كان نقياً في كل
شيء ولا يقبل مطلقاً بهذه التخاريف".
واعتبر زقزوق، الذي تحدث في افتتاح الدورة التدريبية السابعة للأئمة القدامي في مسجد النور في مدينة العباسية بمصر، أن "الموضة الجديدة هذه الأيام هي الإساءة للإسلام من أبنائه وأتباعه"، حسب ما نقلت صحيفة "المصري اليوم" الثلاثاء 22-5-2007.
وأضاف زقزوق: "ليس كل ما هو موجود في الكتب التراثية القديمة صحيح ومسلم به وإنما لابد أن نعمل عقولنا فيما نقرأ، فقد نجد في هذه الكتب أشياء تخالف العقل الإنساني فلا يجب أن نقولها أو يذكرها أي داعية لأنها تسيء للرسول صلى الله عليه وسلم إساءة بالسنة وهو بريء من كل هذا الغثاء، الذي يقال عنه براءة الذئب من دم ابن يعقوب وعلينا أن نتقي الله في هذا الدين وفي الرسول صلى الله عليه وسلم ونختار ما نقوله للناس".
وتساءل: "هل انتهت كل المشاكل في العالم الإسلامي ولم يعد غير فتاوي "التبرك بشرب بول" الرسول و"إرضاع الكبير"؟ هذه الفتاوي تمثل انحداراً شديداً وتدفع الناس
للتخلف والجهل كما أنها لم تراع وتحترم قواعد الذوق العام ونحن نربأ بالدين أن يصل لهذا الحد".
سيد زايد
المصدر: العربية
إضافة تعليق جديد