تونسيون يجاهرون بإفطارهم: هذا شأننا في رمضان
خلال التجول في بعض شوارع تونس العاصمة، تنبعث رائحة السجائر من المقاهي ومن المطاعم، التي أسدلت ستائر قاتمة الألوان أو غطت واجهاتها البلورية بأوراق الصحف لحجب رؤية المفطرين داخلها خلال أيام شهر رمضان.
فبرغم تحذيرات بعض المحسوبين على التيارات الدينية المتشددة، يفتح عدد من المقاهي السياحية والشعبية الأبواب للزبائن المفطرين من بين المواطنين التونسيين.
وكان رئيس «الجمعية الوسطية للدّعوة والإصلاح» الشيخ عادل العلمي أعلن في تصريحات صحافية مؤخراً أن الجمعية ستتصدّى هذه السنة «للمجاهرين بالإفطار وذلك من خلال التشهير بهم عبر صفحات (موقع) فايسبوك، وستكون لهم بالمرصاد من خلال تصويرهم ونشر صورهم».
وقد طالب العلمي وزارة الداخلية بتنظيم حملات أمنية لردع المجاهرة بالإفطار وتطبيق القانون و«سحب الرخص من المطاعم والمقاهي المفتوحة».
وبرغم توضيحات لاحقة تفيد بأن التصريحات قد فهمت خطأ، لاقت هذه الدعوة، التي أعقبها إعلان وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي غلق المحال نهاراً، استنكارا كبيرا من قبل المهتمين بالشأن العام.
فقد قال، مثلاً، وزير السياحة التونسي جمال قمرة إن «تصريح وزير الشؤون الدينية في ما يتعلق بغلق المطاعم والمقاهي طيلة شهر رمضان نهارا لا يشمل المناطق السياحية، التي ستمارس نشاطها العادي لضمان سير الموسم السياحي».
وقد شهدت هذه السنة، على غرار السنوات الماضية، فتح العديد من المقاهي والمطاعم أيام شهر رمضان. وفي أحد شوارع العاصمة تونس، يقول صاحب أحد المقاهي الشعبية إنه «من حق كل إنسان أن يفطر في شهر رمضان، وخصوصا المرضى وأصحاب الأعمال الشاقة».
ويعتقد أحد رواد المقهى ويدعى نور الدين، وهو بائع متجول، أن «الإفطار حرام ولكن مشقة المهنة (التجوال في الشوارع) والبقاء لوقت طويل تحت أشعة الشمس يجبرني على الإفطار».
مضيفاً أن «الكثير من الباعة في الشوارع وخصوصا الشباب منهم لا يتحملون الصيام، وخصوصا في هذه الأيام الحارة، وأن الكثير منهم يفضل الإفطار لكسب الرزق على السرقة أو الاحتياج».
ويخفي نور الدين إفطاره عن عائلته إذ لا يعرف بالأمر إلا الزملاء.
في المقابل، يرى الكثير من الشباب الملتزم دينياً أنّ «المجاهرة بالإفطار أيام رمضان تعد مجاهرة بالمعصية.
وهي حرام شرعا، فضلاً عن أنّها خـــــروج عن الذّوق العـــــام في بلاد غالبية سكانها من المسلمين».
ويشرح البعض أن «ذلك (فعل المجــــاهرة بالإفطار) هو انتهاك صريح لحرمة المجتمع ولمقدّساته ولأعرافه».
من جانبهم، تحدى الشباب المفطر الدعوات المتشددة إذ قاموا بنشر صورهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في أول شهر رمضان، وذلك في جواب على تصريحات الشيخ العلمي الذي هدد بالتقاط صور لهم ونشرها.
كما قاموا من خلال خدمات «غوغل» للخرائط بنشر قائمة للمقاهي التي أبقت على أبوابها مفتوحة في شهر رمضان.
بدوره، يقول مطاع أمين الواعر، وهو من الشباب المنشورة صورهم، إنّه يجاهر بإفطاره في رمضان لأسباب عدة.
ويوضح «أولا لعدم اقتناعي بأن في ذلك مسّا بمشاعر أي شخص، وثانيا لأني مقتنع بأن إخفاء الشيء يعبر عن خجل. في حين أن ما أقوم به لا يخجلني.
وثالثا أن ذلك يشكل جوابا على النداءات الاستفزازية التي أطلقها عادل العلمي وغيره من المســـــؤولين الذين جعلوا المسألة تتجاوز السلوك الشخصي لتتحول إلى محاولة فرض قناعات معينة على من لا يصوم».
من جانبه، يعتبر الباحث التونسي في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد أنه «إذا افترضنا أن الإيمان والممارسة الدينية مسألة شخصية، فإن المشكلة في مجتمعنا هي أن القيم الأخلاقية والاجتماعية تظهر على أنها قيم مشتركة في حين أنها قيم فردية، والدليل سلوكنا في علاقته بهذه القيم». ويقسم الباحث التونسي المجتمع إلى ثلاثة أقسام. ويقول نجد «مؤمنين لفظا ولكن لا علاقة لهم بالإيمان سلوكا، ومستقيمين سلوكا ولكن غير متدينين.
أما النمط الثالث فيعتبر نفسه أنه وصي على الدين بحيث إنه يفتش في ضمائر الناس»، موضحاً أن تنصيب الشخص نفسه للحديث باسم الدين يولد نوعا من التطرف.
(عن «دويتشيه فيلله»)
إضافة تعليق جديد