تدوير الأنقاض.. الملف الأكثر حساسية في ركام الحرب على سورية
يُهيّأ للبعض بأن إزالة الأنقاض التي خلّفتها الحرب سهلة للغاية، وبسيطة جداً لدرجة أن البعض يطالبون بالسماح لهم بإزالة الأنقاض، والعمل على تدويرها أو كبّها، ومن ثم قيامهم هم بترميم منازلهم وإعادة بنائها، ويستغربون لماذا لا تسمح لهم الجهات المختصة بذلك..؟! ويلقون اللوم عليها كثيراً، فهي لا تراعي لهفتهم الشديدة للعودة إلى منازلهم، التي حرمتهم منها الحرب لسنوات طويلة.
غير أنّ الأمر ليس كذلك، ولا هو بهذه البساطة ولا السهولة، ولا يمكن لإعادة الإعمار أن تكون عشوائية بهذا الشكل، لأن هذه العشوائية تنضوي على الكثير من المخاطر، التي قد لا نتحسّبها للوهلة الأولى، وما أن تقع حتى نجد أنفسنا أمام انفجار خلافاتٍ حقيقيةٍ، وأمام أخطارٍ قد تودي بحياتنا.
لقد تيقّظت الدولة إلى هذا الأمر ببراعةٍ كبيرة، وبآفاقٍ واسعة النطاق، ومساراتٍ دقيقة، ومُحدّدة بصيغة قانونية واضحة، أتى عليها القانون رقم 3 لعام 2018م، الذي نظّم عملية إعادة الإعمار، بطريقةٍ فنية وإداريّة مُحكمة، بحيث يضمن صاحب البناء المتضرر، أو العقار، حقه من الأنقاض، ومن المقتنيات الخاصة به، والأهم من ذلك أنه يضمن سلامته وسلامة أسرته، فهذا القانون يُلزم الوحدات الإدارية – أي البلديّات المعنيّة – بالعمل على إقرار ما إذا كان هذا البناء يمكن ترميمه وإعادة إعماره، أم أنه آيلٌ للسقوط، ولا يمكن ترميمه، فتُتّخذ إجراءات وطرائق فنية ودقيقة، وهدمه كي لا يسقط يوماً على ساكنيه.
وتعتبر وزارة الإدارة المحلية والبيئة أنّ هذا القانون يشكل حلقة أساسية في مرحلة إعادة الإعمار والبناء، والوزارة تهدف من خلاله إلى تهيئة الأرضية التشريعية المناسبة وتمكين الوحدات الإدارية، لتكون قادرة على المضي بمرحلة إعادة الإعمار والبناء، مع مراعاة حفظ حقوق المواطنين، باعتباره سيعالج المشاكل التي أفرزتها الحرب الظالمة على سورية، ويضع رؤية عامة بشأن إزالة وتدوير الأنقاض، لجهة الإجراءات والمدد وطريقة حفظ الحقوق.
كما ينظم هذا القانون الإجراءات التي تقوم بها الوحدة الإدارية، ضمن حدودها الإدارية، في معرض إزالة أنقاض الأبنية المتهدمة، لأسباب طبيعية أو غير طبيعية، أو بسبب خضوعها لأحكام القوانين النافذة، وذلك من الأملاك العامة العائدة للوحدة الإدارية، أو للجهات العامة الأخرى، وكذلك من الأملاك الخاصة العائدة للأفراد.
ولا يرى القانون 3 أن الأنقاض هي مجرد مخلّفاتٍ عديمة النفع، ولا طائل منها، ومصيرها المكبّات للتخلص منها، بل على العكس، فإنه يعتبرها مواد ذات قيمة، ولذلك كان حريصاً على أن يضمن حفظ حقوق مالكي الأنقاض (في الملكية الخاصة) عن طريق تشكيل لجنة قضائية برئاسة قاض عقاري، تنظر بعائدية الأنقاض، وتنظم جدولاً بأسماء لكل ذي مصلحة، أو تربطه مع المالك قرابة حتى الدرجة الرابعة حق الاستئناف أمام القضاء المختص، كما أعطى مهلة مناسبة لأصحاب الحقوق لأخذ مقتنياتهم الخاصة وأنقاضهم، وذلك ضمن إجراءات تتخذها الوحدة الإدارية لهذا الشأن، تباشر بعد ذلك الوحدة الإدارية بإزالة الأنقاض وتجميعها، وتقرر بيعها بالمزاد العلني، ضمن الإجراءات القانونية المنصوص عليها بحيث تحفظ الوحدة الإدارية حقوق المالكين، بإيداع بدل المزاد في المصرف، كأموالٍ مجمدة بأسماء أصحاب الاستحقاق الذين تثبت ملكيتهم.
وعند تدوير الأنقاض من قبل الوحدة الادارية أو الجهات الخاصة المؤهلة، يؤخذ بالاشتراطات التي تضمنتها دفاتر الشروط الفنية، المعدة من قبل وزارة الأشغال العامة والإسكان، بالتنسيق مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة لهذا الغرض، مع الإشارة إلى أن الإجراءات التي نص عليها القانون محددة بمهل زمنية مناسبة بحيث تلتزم خلالها الوحدة الإدارية بتطبيق أحكامه ضمن برنامج زمني محدد.
ونورد لكم الآن بعضاً من إجراءات هذا القانون، للوقوف على دقته، وصعوبته أيضاً، لجهة حجم الجهود الضخمة، التي يجب أن تُبذل:
بدايةً – وعلى سبيل المثال – تُشكّل لجنة من قبل المحافظ المعني، تُسمى (لجنة التوصيف والتثبّت) مهمتها توصيف المباني المتضررة والتثبت من ملكيتها وملكية المقتنيات الخاصة والانقاض مؤلفة من:
قاض عقاري يسميه وزير العدل، كرئيس للجنة، وعضوية كل من: رئيس دائرة المساحة في مديرية المصالح العقارية المختصة ومن ينيبه، وممثل عن الوحدة الادارية من الفئة الاولى يسميه رئيسها، وخبير تقييم عقاري يسميه المحافظ، وممثل من الفئة الاولى عن المصالح العقارية أو ما يماثلها، وممثلين اثنين عن الاهالي يتم اختيارهما بشكلٍ انتخابي من قبل مالكي الأبنية المتضررة، وأصحاب الحقوق، ثم ينشر قرار تشكيل اللجنة، وتكون اجتماعاتها قانونية بحضور الرئيس وثلاثة أعضاء، وتتخذ قراراتها بالإجماع او الأكثرية، وفي حال التساوي يرجح جانب رئيس اللجنة.
ثم يتم بإعلان ينشر في إحدى الصحف، ويعلن في لوحة إعلانات الجهة الإدارية، ودعوة مالكي الأبنية المتضررة والمقتنيات الخاصة وأصحاب الحقوق، في المنطقة العقارية المحددة، من قبل الوحدة الإدارية، لانتخاب ممثليهم ويعد الانتخاب صحيحا بأكثرية أصوات من لبى الدعوة، ويحدد في الدعوة مكان وزمان الانتخاب واذا لم تتم تلبية الدعوة يقوم رئيس محكمة البداية المدنية المختصة، بتعيين الممثلين المشار اليهما من المالكين.
ويشترط في رئيس اللجنة والأعضاء المسمين عدا ممثلي الأهالي أن لا يكون لأي منهم قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة، أو أي صلة أو مصلحة قانونية أو مالية مع أصحاب الحقوق.
ثم أوضح القانون أنّ لجنة التوصيف والتثبت من الملكية، تقوم بجرد وحصر وتوصيف المباني المتضررة والتثبت الأولي من عائدية الملكية من خلال المخططات الإفرازية، وجدول المالكين المنظم من قبل مديرية المصالح العقارية المعنية، والوثائق والأوراق الرسمية، وإشعارات تسديد رسوم استجرار الطاقة الكهربائية والمياه، وبيانات الدوائر المالية، وشهادة الجوار، وبناء على كشف حسي تجريه اللجنة على الواقع، وتعد جدولا يتضمن اسم المنطقة العقارية، ورقم العقار، واسم المالك، وحدود العقار والعقارات المجاورة له، وحالة البناء، ومقدار الضرر ونسبته، وفيما إذا كان البناء القائم سليما من الناحية الانشائية، أم لا، وما ينجم عن ذلك من توصيات بشأن هدمه كليا أو جزئيا، أو عدم الهدم.
ثم تقوم اللجنة بإرفاق صورة فضائية حديثة عن العقار قبل هدمه، وتحتفظ بأوراق وتقارير وصور الثبوتيات والمخططات، التي ركنت إليها اللجنة في إنجاز أعمالها، ضمن أرشيف ورقي والكتروني، للرجوع إليه كلما دعت الحاجة، وتودعه الوحدة الإدارية فور الانتهاء من عملها.
ثم تقوم لجنة التوصيف والتثبت بإعداد جدول بأسماء المالكين خلال 120 يوما، ورفعه إلى الجهة الإدارية، ويجب أن يتضمن هذا الجدول اسم المنطقة العقارية وأرقام العقارات، وأسماء مالكي المقتنيات الخاصة، والانقاض، وحصة كل منهم، والمعلومات الضرورية الأخرى.
بعد ذلك تقوم الجهة الإدارية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ قيد الجدول في ديوانها بالإعلان عنه، ولأصحاب الحقوق، حق الطعن بما ورد بهذا الجدول أمام محكمة الاستئناف المدنية في المحافظة، التي يقع بها مقر المنطقة العقارية، وذلك خلال ثلاثين يوما، وتبتُّ محكمة الاستئناف بالطعن في غرفة المذاكرة، بقرار مبرم خلال ثلاثين يوما من تسجيل الطعن بديوانها.
وأشار القانون إلى أن الاستئناف لا يوقف إجراءات البيع بالمزاد العلني التي تجريها الوحدة الادارية وفق أحكام نظام العقود للجهات العامة النافذ، حيث تقوم الوحدة الإدارية بتحديد موعد البيع بالمزاد العلني للأنقاض وما في حكمها، وفق أحكام هذا القانون ووفق دفاتر الشروط الفنية المعدة من قبل وزارة الاشغال العامة والإسكان بالتنسيق مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة لهذه الغاية، حيث تستقبل الوحدة الإدارية طلبات أخذ الأنقاض والمقتنيات الخاصة، ممن وردت أسماؤهم في جدول المالكين النهائي أو وكلائهم القانونيين، وتنظم الوحدة الادارية اجراءات دخول وخروج ذوي العلاقة إلى المباني المشمولة بأحكام هذا القانون، وتوثق المقتنيات الخاصة التي يتم أخذها، بضبط يذكر فيه اسم الشخص وعنوانه المختار، ورقم ومنطقة عقاره وأوصافه، ونوع المقتنيات، يصادق عليه رئيس مجلسها، وتشير الى ذلك في حقل الملاحظات، في جدول المالكين النهائي، الذي تنظمه لجنة التوصيف والتثبت من الملكية، وتحتفظ الوحدة الإدارية بالأوراق والثبوتيات ضمن أرشيف ورقي والكتروني، إلى أن تنتهي إجراءات أخذ الأنقاض والمقتنيات الخاصة، من قبل أصحابها خلال 30 يوما من تاريخ انتهاء مهلة قبول الطلبات، المحددة في القانون.
أخيراً
هذا غيضٌ من فيض القانون 3 لعام 2018م، ولذلك فإننا ننصح جميع الممتعضين، وقبل أن يتوجّهوا باللوم والاتهامات الجزافية لأحد، أن يطّلعوا وبدقّة على هذا القانون، ليدركوا حجم الأعباء الضخمة التي تتحملها الدولة، في عملية إزالة الأنقاض وتدويرها، وليدركوا أيضاً الحرص الشديد على أملاكهم ومقتنياتهم من قبل الدولة، وإصرارها على إيصال الحقوق لأصحابها، وحرصها أيضاً على سلامة المباني، فنياً وإنشائياً، فهي لن تجامل بهدم كل المباني الآيلة للسقوط، والتي لا أمل في إصلاحها، وبالإبقاء على المباني، التي يمكن أن تُرمّم وتخضع لعمليات صيانة واضحة ومضمونة.ولكن ونحن أمام هذا المشهد نجد من الضرورة جداً قيام الجهات المختصة بحملات توعية، حول هذه الإجراءات الهامة التي نصّ عليها القانون 3 وذلك من خلال إقامة ندواتٍ ولقاءات ميدانية، وأيضاً عبر الصحافة ووسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، كي لايبقى الناس هكذا بغربةٍ عمّا يحصل.
الخبير السوري
إضافة تعليق جديد