بشرة «سانتا كلوز» تشغل بال أميركا
لم ينجُ سانتا كلوز هذا العام من المعارك التي أشعلتها القنوات التلفزيونية الأميركيّة حول التميّيز العنصري، والذي يبرزه الإعلام الأميركي بوصفه القضية الأولى على أجندته، سواء كان الحديث يدور حول لون بشرة الرئيس الأميركي، أو حول شخصية أسطورية محبّبة.
بدأت المعركة حين ناقشت المذيعة ميغان كيلي في برنامجها على «فوكس نيوز» مقالة للكاتبة من أصول إفريقية/ أميركية، تقترح ضرورة تغيير الصورة النمطية المستهلكة عن سانتا كلوز، بوصفه عجوزاً بديناً أبيض البشرة. إلا أنّ كيلي، وأثناء عرضها لمقالة عايشة هاريس المنشورة على موقع «سلايت»، ومناقشتها مع ضيوفها، أظهرت سخريةً وتشنّجاً واضحاً من فكرة وجود بابا نويل أسود البشرة: «عندما قرأت عنوان المقال ضحكت، من المثير للسخرية الادعاء أنّ هناك عنصريّة في كون سانتا كلوز أبيض البشرة فقط. إلى جميع الأطفال الذين يشاهدوننا في المنزل: سانتا أبيض البشرة! إلا أن هذه الكاتبة تجادل بأنه ربما يجب أن يكون هنالك أيضاً «سانتا كلوز» أسود البشرة».
تلك التصريحات أثارت معركةً بالمعنى المجازي للعبارة، إذ يمكن الحديث عن عشرات البرامج والمذيعين الأميركيين الذين انخرطوا في الحرب، لتبدو «سي أن أن» المحطة «الخيّرة» المدافعة عن الصورة التعددية الملونة لأميركا، مقابل «فوكس نيوز» المتشنّجة والمتعصبة.
عرضت «سي أن أن» تقريراً «مؤثراً» حول معاناة طفل من أصول إفريقية، بعدما رفض مدرسه جعله يلعب دور سانتا، لأنه أسود البشرة. واستضافت كاتبة المقال الذي أشعل شرارة الحرب. وبيّنت في تقريرٍ آخر كيف «أعاد سانتا أحد الجنود الأميركيين إلى منزله ليحتفل مع عائلته بعيد الميلاد».
هذا واستهزأ العديد من الإعلاميين الأميركيين على رأسهم مذيع «سي أن أن» دون ليمون بردّة فعل كيلي المتشنّج قائلاً : «إذا فكرتم يوماً بأن سانتا كلوز أو السيد المسيح يمكن أن يمتلكا بشرة غير بيضاء، فمذيعة «فوكس نيوز» ميغان كيلي تريدكم أن تعلموا أنكم مخطئون. كيلي تقول بأنهما كانا أبيضين، وهذه حقيقة!». وعلّق جيمي كيميل مقدم البرامج في قناة «أي بي سي» ساخراً «كل الشخصيات الخيالية بيضاء، وبالمناسبة أي نوعٍ من الأطفال قد يشاهد «فوكس نيوز»؟! أطفال غريبون!».
ردّت كيلي على الانتقادات الموجّهة إليها معتبرةً أنّها تتحدّث عن الصورة النمطيّة التي كرّستها وسائل الإعلام وحكايا الأطفال والإعلانات عن تلك الشخصية الأسطورية، وليست الصورة التي تتبناها هي. وأضافت: «هذه القصة تشي بالكثير من مشاكل مجتمعنا، خصوصاً النزعة إلى اتّهام الآخر بالعنصريّة وظن الأسوأ بالناس، تحديداً أولئك الموظّفين من قبل قناة فوكس نيوز القديرة».
تترك كل تلك التقارير واللقاءات والمجادلات التي شغلت القنوات الأميركيّة وشكّلت مادة دسمة للصحافة المكتوبة تحليلاً وتدقيقاً المشاهد يتساءل: هل هذا ما يهم حقاً؟ ما لون بشرة سانتا كلوز؟ وهل سيستطيع أيّ «سانتا كلوز» في هذا العصر سواء كان أبيض أو أسود أو أصفر البشرة، يرتدي بدلةً حمراء أو قبعة مكسيكية أو فستان زفاف، أن يحقّق أمنيات الأطفال المتزايدة حول العالم ويعيد جميع الجنود المشاركين في شتى الحروب الأميركية إلى عائلاتهم سالمين في عيد الميلاد؟ هل سيكون قادراً على حلّ مشاكل البطالة المتزايدة، وإيواء المشرّدين الذين فقدوا منازلهم، ويمتلك وصفاتٍ سحريّة لجميع الأزمات الاقتصادية والسياسية العميقة التي تعصف بالولايات المتحدة الأميركيّة؟ تلك قائمة أمنيات كافية لتثقل كاهل شخصيةٍ أسطوريّة واحدة!
نور أبو فراج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد