المنازلة غداً بين رويال وساركوزي
عندما ينتظم الاثنا وعشرون مليون فرنسي أمام القناتين الأولى والثانية للتلفزيون مساء الغد، وهو جمهور قياسي من أصل سبعة وثلاثين ملايين ناخب فعلي، لن يُقيَّض لهم أن يشاهدوا سوى المرشحين سيغولين رويال ونيكولا ساركوزي، والصحافيين اللذين يديران الزمن الأهم في الحملة الانتخابية، قبل أن ينطلق قطارها نحو محطته الأخيرة الأحد المقبل.
ولن يرى المشاهدون جيش المستشارين في الكواليس وخلف الكاميرات، وهو يراقب سير «العمليات» وتطابقها مع الاتفاقات التي عقدها أركان حملة المرشحين نقطة تلو الأخرى، قبل أن يتقرر جلوس ساركوزي إزاء رويال في المبارزة اليتيمة بينهما، بعدما تطايرت لأشهر، البرامج والحجج فوق رؤوس آلاف المؤيدين في أجواء المهرجانات الانتخابية، من دون أن يحط أصحابها على الأرض للقاء واحد.
وستخيب توقعات كثيرة بفوز أحدهما على الآخر في هذه المناظرة، لو اقتصرت الحسابات على مفاضلة بين برنامج المرشحين وخططهما الإصلاحية.
فمنذ الأحد الماضي، كانت المفاوضات تنحو لدى «لجنة ارتباط» بين المرشحين لتنظيم المناظرة، إلى ما هو أخطر بكثير من كفاءة السياسي إلى ألفته وقدم عهده بالكاميرات وحسن مظهره التلفزيوني، كي يختار الفرنسيون «جنس» رئيسهم ليلة غد وصاحب أو صاحبة «الأداء الأفضل» بين رويال وساركوزي.
وسيحق لساركوزي بموجب اتفاق من احدى وعشرين نقطة، أن ينتعل حذاءه ذا الكعب الزائد ثمانية سنتميرات لتعويض قصر قامته. وتوافقت لجنة الارتباط، في اجتماع حضره بكامل أعضائه المجلس الوطني للإعلام على مترين طولاً للطاولة المربعة، التي سيجلس إليها المتناظران، بعدما نُبذت فكرة الثلاثة أمتار للطاولة، وبدت للخبراء حيادية وأقل «اشتباكا» وعدوانية.
ويجلس إلى المساحة المحايدة من الطاولة، نجم النشرة الإخبارية في القناة الأولى باتريك بوافر دارفور، وأكثر مقدمي الأخبار شعبية في فرنسا، وتجلس إلى جانبه آرليت شابو رئيسة قسم الأخبار في القناة الثانية، لطرح أسئلة يتفق عليها، مع الحرص على توزيع أوقات الكلام بالتساوي بين المرشحين.
وسيظل طي الكتمان لون الخلفية في الاستوديو، وتحدد قرعة تجري قبل انطلاق المناظرة بدقائق، من البادئ منهما، في حين يفوز الآخر بمتعة الختام والتحدث وحيداً وأخيراً إلى الفرنسيين.
وحظيت سيغولين رويال بيسار الشاشة، ونيكولا ساركوزي بيمينها. ولن يشاهد الفرنسيون رأس رويال يستند الى كف ملقى على كف آخر ضجراً، عندما يسترسل خصمها في الكلام. ولن تفضح الكاميرات عصبية ساركوزي الشهيرة وهو يعض على النواجز، ويقاوم رغبة جارفة في الاستئثار بالكلام عندما تصادره الاشتراكية.
وقد حرم الاتفاق على الكاميرات العشر أن تلتقط صور المرشحين عندما يصمتان، ولن تبث سوى صور المتناظرين متحدثين، ولن يعرف أحد من المشاهدين ماذا يفعل الآخر المحجوب عن الشاشة، وكيف تستجيب ملامحه لخطاب خصمه. وكانت صور ميتران المرتبك أمام جيسكار ديستان في العام 1974 قد قضت على حظوظه بالفوز.
ويبدو موعد الغد مساءً حاسماً في ضوء دروس المناظرات الرئاسية في الماضي.
فقد سبق فوز ميتران في الدورة الثانية لانتخابات العام ,1981 تفوقه في المناظرة على جيسكار ديستان. وقبل أن يدخل جاك شيراك سبعة أعوام إلى الإليزيه في العام 1995 كان قد سحق خصمه الاشتراكي ليونيل جوسبان أمام الكاميرات، قبل أن يستكمل نصره التلفزيوني بنصر في صناديق الاقتراع.
ولن ينام المستطلعون ليلة غد، رغم ترديدهم أن المناظرة لا تصنع الانتخابات، إلا أنهم يسلّمون بأنها ترسم ملامح الرئيس، أو الرئيسة. ويجمع كثيرون على أن المناظرة هذه المرة ستكون لها أهمية قصوى، لأنها ستخرج النقاش من ضباب وضجيج المهرجانات، ورتابة المقابلات التلفزيونية المهذبة، مراهنين ليس على جرأة الصحافيين، بل على «عدوانية» المرشحين اللذين يعرفان أنهما أمام المبارزة الأخيرة، التي ستوضح للبلاد من هو الأقوى والأجدر لقيادة البلاد، خصوصا أن المزايا البلاغية والمظهرية لكلا المرشحين دخلت في حسبان الناخبين.
وسمعت رويال مآخذ كثيرة على نضوب الكاريزما لديها في وسائل الإعلام، التي كانت تثني على الكاريزما «الطبيعية» لساركوزي، وكثير منها موال له بقوة. وستخرج بيانات المستطلعين صباح الخميس بصورة أوفى عن التوقعات بفوز أحد المرشحين، وبخروج جزء كبير من المترددين في الاختيار من ترددهم، بعد أن تكون المناظرة قد أدت عملها بتحديد صورة الأقوى.
ويعتبر 47 في المئة من الفرنسيين أن المناظرة ستساعدهم على تحديد لمن سيقترعون، فيما يقول 25 في المئة إن قناعاتهم السياسية هي العامل المحدد في اقتراعهم.
ومنذ أسبوع، ترددت شائعات عن أن ساركوزي يزاول منذ شهر تمريناً في المناظرات مع شبيهٍ لسيغولين رويال، يجيب خلالها على عشرات الأسئلة، فيما يعكف فريق من علماء النفس والإعلام على تحضير سيغولين رويال على اللقاء في القمة مع ساركوزي.
وكان لوران فابيوس الذي يشبه إلى حد ما جاك شيراك، قد تطوع خلال أسابيع ليلعب دوره أمام فرانسوا ميتران، أفضى إلى الاتفاق على المبارزات الكلامية التي أسقطت شيراك في انتخابات العام 1988 الرئاسية، والتي قال المعد التلفزيوني سيرج مواتي ومستشار ميتران آنذاك، إنه قد جرى الاتفاق عليها مع الرئيس الراحل، وإن أيا منها لم يكن عفو الخاطر.
ولم يعرف من هو المتطوع من فريق المرشحة الاشتراكية لأداء دور المرشح العصبي والحاذق أمامها.
وقال نيكولا ساركوزي إنه «يستعد بجدية وتواضع للمناظرة»، فيما قالت الاشتراكية إنها «لم ترفض يوماً مناظرة» مؤكدةً أن «حياتها تخللتها مناظرات ونقاشات كثيرة، وأنا جاهزة مبدئيا».
وكشفت رويال للمرة الأولى في تصريح لصحيفة «لوموند» الفرنسية أمس، عن احتمال أن تكلف برئاسة حكومتها الأولى الاشتراكي دومينيك شتراوس كان، وهو وزير الاقتصاد السابق، وزعيم الجناح الديموقراطي الاجتماعي ـ اليميني ـ في الحزب الاشتراكي، وهي رسالة واضحة لناخبي الوسط الذين يعتبرون شتراوس كان، قريباً جداً من مرشح الوسط فرانسوا بايرو، وقد يرفع ذلك من حصتها بين السبعة ملايين ناخب الذين اقترعوا لبايرو في الدورة الأولى، والذين تقول الاستطلاعات إن 60 في المئة منهم قد اختاروا سيغولين رويال، فيما اختار 30 في المئة نيكولا ساركوزي.
ومن المنتظر أن يوجه اليوم رئيس الجبهة الوطنية اليميني المتطرف جان ماري لوبن، في الاحتفال بيوم جان دارك، رسالة إلى ناخبيه الأربعة ملايين، يحدد فيه موقفه من الاقتراع لأحد المرشحين.
وتقول الاستطلاعات إن 25 في المئة من ناخبيه سيقترعون لرويال فيما يحظي ساركوزي بتأييد الـ75 في المئة المتبقين.
ولا تزال التوقعات تجعل ساركوزي فائزا الأحد المقبل بنسبة 52 في المئة لقاء 48 في المئة لرويال.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد