المحافظون الجدد بلا ضمير
الكتاب الذي نعرضه اليوم تحت عنوان: ( المحافظون الجدد بلاضمير) لمؤلفه المستشار القانوني السابق للبيت الابيض في عهد ادارة الرئيس نيكسون السيد- جون دين- وفيه يحاول المؤلف التدليل على الطبيعة السلطوية للمحافظين الجدد. وهو واحد من أشرس المنتقدين لإدارة جورج بوش الحالية.
وكما هو معروف, فإن -جون دين- الجمهوري هو أحد اللاعبين الرئيسيين الذين حاولوا إنقاذ -ريتشارد نيكسون- الرئيس الاميركي الأسبق من براثن فضيحة ( ووترغيتwater Gate) التي أطاحت به في نهاية المطاف, وهو من الاشخاص القلائل الذين يفهمون أبعاد التزييف السياسي.إن ما يضفي قدرا كبيرا من المسؤولية والمصداقية على هذا الكتاب هو أنه مكتوب بقلم- جمهوري- مخلص ساءه أن يصل نفوذ المحافظين الجدد في الإدارة الحالية إلى الحد الذي وصل إليه, فحاول أن يوجه نقدا لاذعا إلى ذلك التيار من الداخل سعيا لإعادة الأمور إلى نصابها, وهو ما يجعل هذا الكتاب مختلفا عن الكتب العديدة التي تناولت المحافظين الجدد بالنقد والتي قام بتأليفها كتاب ديمقراطيون.
في هذا الكتاب, نرى جون دين ينأى بنفسه أكثر عن جذوره الجمهورية عندما يتناول بالنقد القاسي واللاذع القيادة الحالية للحزب الجمهوري والتي يقول إنها اختطفت من قبل الاصوليين المسيحيين وغيرهم من اليمينيين المتشددين الذين لطخوا سمعة الحزب بسياسات يمينية متعصبة وضيقة الأفق, وتكتيكات ميكيافيلية تخلو من أي ضمير. وهو يصف تلك المجموعة من المحافظين كأشخاص يؤمنون بأنهم وحدهم على صواب, وأن الآخرين على خطأ, وهم لايتحملون أي نقد يوجه إليهم, سواء من خارج حزبهم أو من داخله, ومن يجرؤ على ذلك يشنون عليه حملة ضارية في أجهزة الاعلام التي يسيطرون عليها ليس فقط بتنفيذ الافكار التي يعتنقها الشخص المخالف بل بمحاولة تدميره واغتياله معنويا.
ويورد الكاتب عددا من الأمثلة لاثبات مدى تنامي نفوذ المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري وهو النفوذ الذي يقول عنه إنه قد وصل إلى مدى لايصدق, وإنهم لايتورعون عن تجاوز القانون والدستور إذا ما تعارض مع أجندتهم الخاصة, على نحو يشبه ما تقوم به الأنظمة السلطوية في كثير من مناطق العالم.
ويورد المؤلف أيضا تفاصيل بعض المؤامرات التي دبرها ضده- المحافظون الجدد- بسبب موقفه الناقد لهم وتمسكه بهذا الموقف منذ أن حكمت الإدارة الحالية التي سيطروا عليها وهو هنا يرسم صورة كئيبة لهؤلاء الأشخاص تظهرهم كمجموعة من المتعصبين السلطويين الذين يرسمون وينفذون سياسات أبعد ما تكون عن الرشد السياسي وقواعد الأخلاق, كل هدفهم منها إرضاء القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري ولاسيما القاعدة المتدينة والانجيلية في مختلف الولايات.
وعلى الرغم من أنه قال في بداية كتابه إنه يوجد بين- المحافظين- الطيبون ويوجد السيئون والأشرار إلا أنه لم يذكر شيئا عن الطيبين منهم, بل ركز على السيئين والاشرار فقط.
فهو لم يوفر أحدا من نقده, بل جمع الكل في سلة واحدة دون تمييز وراح بعدئذ يشن عليهم هجوما كاسحا, وينتقد هنا أشخاصا مثل المنظر السياسي الفرنسي جوزيف دي مستر وزعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ الاميركي بيل فيرست وغينغرتش وديلاي وابراسوف وديك تشيني الذي يصفه بأنه أخطر رجل في مجموعة المحافظين الجدد والرئيس بوش نفسه الذي انقاد تماما لأفكارهم وآرائهم.
ويورد (دين) في الفصل الأخير من الكتاب بعض الأمثلة على التأثيرات الضارة التي ألحقها المحافظون الجدد بالفكر والممارسة السياسية داخل الولايات المتحدة وخارجها ويدق ناقوس الخطر, منبها إلى فداحة الأضرار التي ستترتب على تلك السياسات مستقبلا والتي ستضاف إلى التأثيرات الضارة التي حدثت بالفعل نتيجة لقيام إدارة بوش بتبني أفكارهم في مجال السياسة الخارجية, الأمر الذي أدى إلى زيادة درجة العداء لأميركا في مختلف أنحاء العالم بشكل غير مسبوق, وهو ما شكل ضغطا عليهم ودفع بعض مفكريهم الكبار الى التنصل من أفكارهم كما فعل فرانسيس فوكوياما الذي ألف كتابا كاملا يعلن فيه تنصله من أفكارهم.
والكتاب في الحقيقة من الكتب التي يجب أن يقرأها كل من لديه اهتمام بمستقبل الديمقراطية ومستقبل الولايات المتحدة ذاتها ومستقبل العالم الذي يتأثر بصورة أو بأخرى بكل ما يحدث داخلها من تطورات ومما يحسب للمؤلف أنه ضمن العديد من آراء اساتذة علم الاجتماع وعلماء التحليل النفسي ولاسيما في الجزء الذي يحاول فيه إظهار الطبيعة التسلطية للمحافظين الجدد وعدم الاهتمام بمواقف وأفكار الآخرين.
ومما يضيف ثراء وتنوعا للكتاب هو أن المؤلف -جون دين- ليس صحافيا حاقدا وإنما هو راصد أمين ومراقب دقيق لجميع التطورات وتفاعلات الساحة السياسية في اميركا.
حكمت فاكه
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد