الكذب ملح البشر منذ نعومة أظافرهم
يقسم ابنك بأنه لم يأكل الحلوى، وبقايا الحلوى تملأ وجهه! أما أنت فتتصل برئيسك في العمل لإبلاغه بأنك تريد «إجازة مرضية» وتفتعل السعال على الهاتف! الكبار يكذبون لأسبابهم الخاصة، كذلك الأطفال لهم أسبابهم أيضاً!
وإن كان للكبار حججهم، للخروج من مصيبة ما أو لمصلحة شخصية أو للظهور بصورة أفضل بنظر الآخرين، فما هي حجج الأطفال؟!
لمعرفة ذلك، بحث علماء نفس كنديون الاختلافات بين كذب الطفل وكذب الراشد، وكيف يتغير أسلوب «الكذب» كلما تقدمنا في السن.
ويحاول علماء النفس التنموي فهم الكذب من خلال السلوك، حيث قام علماء الأعصاب بتتبع المناطق الدماغية التي تنشط عندما تُلفَّق الأكاذيب. وأشارت دراسة جديدة إلى أن الكذب قد ينبع من جزء مختلف كلياً في دماغ الأطفال عنه في دماغ الكبار، مؤكدة أن الكذب علامة على النضج الطبيعي.
وقال الباحث في جامعة «تورنتو» كانغ لي إنه «لا ينبغي أن يقلق الأهل والمعلمون الذين يكشفون أن الطفل يكذب، لأن ذلك لن يتحول إلى مرض» فـ«كذب الأطفال هو علامة على أنهم وصلوا إلى مرحلة نمو جديدة».
وأجرى لي دراسة على أطفال تراوحت أعمارهم بين السنتين و17 سنة تم وضعهم في مختبر جهز بكاميرات سرية، ووضع خلف كل طفل لعبة الديناصور «بارني» مُنعوا من اختلاس النظر عليها. تظاهر الباحث أنه يردّ على مكالمة هاتفية مانحاً الأطفال متسعاً من الوقت لاختلاس النظر إلى اللعبة، وتم تسجيل كل تحركاتهم.
ووجدت الدراسة أن الغش بالنسبة للأطفال الصغار شكل إغراء «هائلاً» حيث اختلس 90 في المئة منهم النظر إلى اللعبة. ولم يسلم الكبار أيضاً من هذا الإغراء، كما قال لي. وعندما عاد الباحث إلى الغرفة، سأل كل طفل عما إذا كان قد اختلس النظر.
وأظهرت الدراسة أن ربع الأطفال في عمر السنتين كذبوا وقالوا إنهم لم ينظروا إلى اللعبة، وارتفعت النسبة إلى النصف عند الأطفال في سن الثالثة، ووصلت إلى 90 في المئة عند الأطفال في الرابعة. وظلّت النسبة ترتفع حتى سن الـ15. بعدها بدأ العدد بالتراجع، لتنخفض النسبة إلى 70 في المئة عند سن الـ17.
وغالباً ما يفضح الأطفال كذبهم بأنفسهم، فعندما سئلوا «ماذا تتوقع أن تكون اللعبة خلفك؟» أفشى الأطفال السر بلا تفكير وأجابوا «بارني»، وعندها اعترفوا بالغش.
وحاول الأطفال في سن الخامسة اختلاق الأعذار لتغطية الكذبة، فعندما غطى لي اللعبة وطلب من أحد الأطفال أن يحاول معرفة ما هي اللعبة من خلال لمسها فقط دون رؤيتها، قال الطفل «أشعر أنها بنفسجية ولذلك هي لعبة بارني»! أما الأطفال في السابعة، فأجادوا بمعظمهم تغطية كذبتهم.
وأشار لي إلى أنه «يمكن كشف الأطفال الكاذبين قبل سن الثامنة»، فماذا يفعل الأهل إذاً بعد هذه السن؟!
كما درس الباحثون أسباب كذب بعض الأطفال أكثر من غيرهم، ووجدوا أن المسألة لا ترتبط بقيم أخلاقية أو دينية، بل إن هؤلاء الأطفال لديهم قدرات معرفية أفضل، وذلك لأن الكذب يتطلب إبقاء الحقيقة أيضا في الرأس، وهذا ينطوي على عمليات دماغية متعددة، كدمج عدة مصادر للمعلومات والتلاعب بها، وفقاً للباحث في علم الأعصاب في جامعة «ميسوري» الأميركية شوان كرايست.
ولمعرفة الفرق بين كذب الأطفال وكذب الكبار، قام الباحث في جامعة «ساوث كارولينا الطبية» ماركوس كرويس بمسح أدمغة أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و16 سنة، والكبار تتراوح أعمارهم بين 19 و40 سنة عندما كانوا يكذبون وعندما كانوا يقولون الحقيقة.
ووجدت الدراسة زيادة تدفق الدم بسبب النشاط العصبي في المناطق الأمامية من الدماغ عند الكبار، ولكن المناطق الأمامية في أدمغة الأطفال لم تظهر أي نشاط.
المصدر: السفير نقلاً عن «وول ستريت جورنال»
إضافة تعليق جديد