القارة العجوز .. رائدة العالم في «المدن الذكية»

تعكس شوارع مدينة برشلونة الإسبانية صورة مصغرة عن عالم المستقبل، وما باستطاعة التكنولوجيا المتقدمة أن تقدمه للمدن، لتصبح «أكثر ذكاءً».
فإلى جانب المباني الأثرية التي يعود تاريخ بنائها إلى قرون مضت، والهندسة المعمارية التي تروي تاريخ المدينة العريق، بالإضافة إلى شواطئها الرملية العذراء، تقوم التكنولوجيا الحديثة في برشلونة اليوم بواجباتها على أكمل وجه لتسهيل حياة المواطنين، وضبط النفقات، لبناء نموذج من «برنامج تنمية مستدام» يواكب القرن الواحد والعشرين.
في حدائق برشلونة العامة، تطالع الزائر مكبات صغيرة للنفايات مجهزة بآلات استشعار تنبئ عمال النفايات إلى موعد إفراغها، كما تراقب أنظمة الري رطوبة التربة لتطلق صافراتها حينما تصبح الأرض عطشى للماء. وفي شوارع المدينة ودهاليزها، يرشد تطبيق على الإنترنت السائقين إلى أقرب نقطة متوفرة لركن سياراتهم.
ويقول عمدة مدينة برشلونة كزافييه ترياس، من مقر بلدية المدينة الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الخامس عشر، إن «الأمر يتعلق بتكنولوجيا ضرورية لإراحة مواطنينا»، متحدثاً عن «تغيير جوهري لخلق نظام تنمية مستدامة».
وتنضم برشلونة إلى عدد من المدن الأوروبية التي تبنت مؤخراً أشكالاً جديدة من التكنولوجيا لتطوير خدماتها، كما ساهمت الاستثمارات الجديدة، بما فيها ربط أحياء بكاملها بخدمات الإنترنت السريعة، في تخفيض الإنفاق العام للطاقة وخلق مصادر للتمويل.
ويعكس هذا الجنوح التكنولوجي تجارب بدأت فيها مدن أخرى في العالم، كسان فرانسيسكو وبوسطن في الولايات المتحدة، ومدينة المصدر، وهي تجمع سكاني مستدام يجري إنشاؤه في إمارة أبو ظبي، التي لا تزال تنفق ملايين الدولارات لتحويل مدنها إلى «ذكية»، غير أن عدداً من المحللين يؤكد أن «القارة العجوز تبقى في الصدارة في هذا الخصوص، ومتقدمة جداً على الولايات المتحدة في هذا المجال، بالرغم من الأزمة المالية التي تعصف بها». كما توصف أوروبا اليوم بـ«الرائدة» في ما يتعلق بخلق مدن ذكية، تعمل على دمج الخدمات التقليدية، كالكهرباء مثلاً، بالتكنولوجيا المتطورة، كربط الإنترنت بالأدوات المنزلية، على سبيل المثال.
وفي هذا الصدد، يؤكد مدير شركة «سيسكو للبرامج» المعنية بمساعدة المدن على تطوير بنيتها التحتية، باس بورسما، أن «أوروبا احتضنت الفكرة بشكل أفضل من الولايات المتحدة»، مشيراً إلى ان «الأمر يتطلب شراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وهو ما نجحت القارة الأوروبية بالقيام به بشكل ممتاز».
ويعتبر أفضل مثال على ذلك، قيام بلدية برشلونة، التي تبلغ نسبة البطالة فيها حوالي 20 في المئة، بتخفيض تعرفة المياه الشهرية للمشتركين بحدود الـ25 في المئة، في مقابل وضع آلات الاستشعار في الحدائق العامة، والتي أكدت أنها ستمكنها من توفير حوالي 60 مليون دولار سنوياً.
«إننا نهدر الكثير من الماء»، تقول منسقة برنامج المدينة الحديثة في برشلونة جوليا لوبيز، مضيفة أن «بالمقدور اليوم السيطرة على برنامج الماء بأكمله من الحاسوب اللوحي».
ويوفر برنامج إلكتروني آخر يدعى «وي سمارت بارك»، أي ركن السيارة بطريقة ذكية، الوقت على السائقين لإيجاد مكان خال لركن سياراتهم. وحول هذا البرنامج، يقول منفذه، وهو مستثمر اسباني يدعى جوم مايور، إن «عمله يقوم على التقاط إشارات من آلات استشعار نضعها في مواقف السيارات، تفيدنا بالمواقف الخالية، ليتمكن السائق عبر التطبيق على الهاتف الخلوي من حجزه مباشرة».
ويختم مايور مؤكداً «أن الناس أصبحوا يقودون اليوم سياراتهم في وقت أقل، ما ينعكس منفعة على المدينة التي تقلصت نسبة التلوث فيها»، مشيراً إلى «حلقة بسيطة يجب اتباعها للوصول إلى المدينة الأذكى في العالم».

السفير (عن «نيويورك تايمز»)