الصوم عند المسيحيين
ما الصوم في المسيحية وما شروطه وأحكامه؟ لماذا الصوم؟ وما مدى أهميته للإنسان المؤمن؟ ما الصيامات على مدار العام؟..
تساؤلات عديدة نضعها بين يدي المطران غطاس هزيم الوكيل البطريركي في بطريركية الروم الأرثوذوكس:
الصوم في المسيحية هو الإمساك عن الطعام لهدفين الأول من أجل الآخر (الإنسان) والخليقة والثاني العلاقة مع الله, فالصوم بالنسبة لنا ليس موضوع طعام وشراب وإنما هو مدرسة تربوية لتهذيب الإنسان روحيا وجسديا فهو يطوع جسده له كي يمتطيه وليس العكس وروحيا كي يتحكم بأهوائه وغرائزه ليبني علاقة قائمة على الإرادة الإلهية أي ما يريده الله منا نحن كبشر, ومن ناحية أخرى هناك ناحية الخليقة فالامتناع عن بعض المأكولات كاللحوم والحليب ومشتقاته هي كي يعيش الإنسان بسلام مع الطبيعة, وفي هذه الأوقات هناك ولادات للأغنام ( في الربيع) فعندما تلد تصبح بحاجة للحليب فعندما أعف عنه أرحم خليقة الله التي هي الحيوانات وبالتالي هذا الغذاء يكون لها ولأولادها, وهناك فكرة أخرى أننا في الصوم عندما نمسك عن أطعمة نوفر قيمتها من اجل التبرع بها للفقراء والمحتاجين, أيضا بالنسبة لموضوع الصوم لايجوز تنويع الأطعمة وإن كانت أطعمة مسموح بها.
تاريخيا هناك أنواع عدة من الصيام بدأت بالأربعاء والجمعة على مدار السنة وصوم أسبوع الآلام ومن ثم صوم الأربعيني المقدس حيث نصوم خمسين يوما قبل عيد القيامة ومن ثم دخل صوم الميلاد وهو أربعون يوما قبل عيد الميلاد وهناك صوم السيدة العذراء قبل رقاد السيدة العذراء ومدته 15 يوما وصوم الرسل الذي هو بعد أحد جميع القديسين بعد العنصرة إلى عيد الرسل في نهاية حزيران. وعندنا صوم نينوى ( يونان النبي) وفيه إمساك عن الطعام والشراب لمدة ثلاثة أيام ويمارس هذا الصوم في بداية ومنتصف ونهاية الصوم الأربعيني المقدس , وفي الصوم الأربعيني ( صوم الفصح) نمسك عن الطعام والشراب من الساعة الثانية عشرة ليلا إلى الثانية عشرة ظهرا وقديما كان الإمساك حتى العشاء عند الساعة التاسعة ليتورجيا وهي مع صلاة الغروب وعندها يكون الإفطار, وفي صوم أسبوع الآلام نأكل وجبة واحدة في اليوم وتكون طعاما خفيفا مسلوقا وينتهي يوم الخميس حيث يكون هناك صوم قطعي عن الطعام نهائيا أيام الخميس والجمعة والسبت حتى قداس الفصح, هذه الطريقة التقليدية في الصوم ولكن مع تطور الزمن ورأفة ببعض الناس الذين لا يستطيعون ممارسة الصيام بهذه الطريقة شددت الكنيسة في الصوم على الإبقاء عن الامتناع عن بعض الأطعمة ,اللحوم بشقيها ( الأبيض والأحمر) السمك واللحم العادي إضافة إلى منتجات الحيوان ( حليب , جبن, سمن) أما بقية الصيامات ( كصوم نينوى) التي فيها إمساك عن الطعام تبقى فيها حرية للمؤمن الذي يريد أن يتدرج روحيا أكثر فأكثر, أما الأشخاص النباتيون فتنصح الكنيسة بفرض صوم من نوع آخر عليهم يناسب حياتهم الروحية ليستفيدوا من زمن الصوم للنمو الروحي.
الغاية من الصوم ليس الأكل والشرب لأنه ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان وإنما ما يخرج منه فالصوم هو تدريب, يدرب الإنسان ذاته على التحكم بذاته والسيطرة عليها, فيسيطر على غضبه وأهوائه.. فالصوم تدريب على ترويض الذات كي يسير الإنسان في هدي ربه وليس من خلال الإرادة السلبية التي عند الناس.
الصوم لوحده غير كاف بالنسبة لنا فكما يقول أحد القديسين إن المدفأة التي لايوضع فيها وقود لاتعطي دفئا وبالتالي وقود الصوم هو الصلاة وكما أوصانا السيد المسيح أن الشياطين لا تخرج إلا بالصلاة والصوم فالصلاة والصوم هما جناج المؤمن في التحليق بحياته الروحية فهما أمران متلازمان فلا يمكنك أن تصوم دون صلاة لأنها تعطي الدفء كما أن الصوم يعلم كيف تجعل الصلاة فاعلة فيك وتجعل الله ملء أفكارك, ويبقى ركن ثالث في الصوم هو الزكاة أو الصدقة والاحسان, وكما جاء في سفر أشعيا النبي فإن صومك إن لم تمسك فيه من أجل الفقير واليتيم والأرملة والغريب فهو غير مقبول عند الله لأن من هدف الصوم الآخر ( الإنسان) فالمسيحية هي ( أحبب الرب إلهك من كل قلبك وقريبك كنفسك).
ركيزة الصوم السيد المسيح الذي صام أربعين يوما وأربعين ليلة وهو الذي قال إنها تأتي أيام عندما يرتفع العريس عنا سوف يصومون, وفكرة الصوم موجودة تاريخيا قبل المسيحية عند اليهودية ولدى الديانات الأخرى وهي موجودة لدى الديانات قاطبة ,ففكرة الصوم ليست بجديدة لكن معنى الصوم يختلف من دين لآخر لكن هناك شيئ مشترك وهو أن غرض الصوم هو الإنسان والله بالبعدين الأفقي والعامودي, والصوم لتهذيب النفس والجسد وهذا أمر مشترك لدى الجميع, ولكن مشكلتنا اليوم أن هناك بعض الممارسات الخاطئة للصوم فأصبح لدى البعض أنه مجرد امتناع عن الطعام والشراب ومن ثم نصنع مائدة متنوعة الأشكال والأنواع, وفي المضمون الحقيقي للصوم هذا خطأ لأن الصوم هو الإمساك عن لذة, فلذة الجوع هي أقوى الغرائز لدى الإنسان لذلك عندما تستطيع التحكم بهذه الغريزة تستطيع التحكم ببقية غرائزك.
فؤاد مسعد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد