الحرب على غزة: غارات مكثّفة تمهّد لعملية برية محتملة
يصرخ قادة اليمين في إسرائيل مطالبين الحكومة بأن تسمح للجيش بأن يحقق الانتصار على المقاومة الفلسطينية في غزة.
ويعلن قادة الجيش، وبعض قادة الحكم، أن تطور متطلبات المعركة قد يدفع إلى الانتقال من العملية الجوية الجارية، التي لم تحقق حتى الآن هدف وقف إطلاق الصواريخ، إلى العملية البرية، التي لا أحد يريدها، لكنها قد تقع. ويحاول عدد من القادة الإسرائيليين، في إطار التهديد، تكرار الحديث عن العملية البرية، وكأن الحرب الجوية والبحرية الدائرة هي لعبة أطفال مقارنة بالحرب البرية.
وفي ظل تصاعد المعركة واستمرار تفاقمها، وانعدام الوسطاء لتحقيق وقف لإطلاق النار، فإن الحديث عن الحرب البرية يزداد اتساعا. وقد قرر المجلس الوزاري المصغّر «خلع القفازات» وتوسيع نطاق العمليات الجوية، وصولا إلى استهداف بيوت المقاومين وعائلاتهم، فضلا عن استهداف منشآت الحكم ومرابض الصواريخ. لكن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، بشكل أساسي، زادتا، ليس فقط من كثافة النيران، وإنما أيضا من مدى الصواريخ، فتشوشت الحياة اليومية لغالبية الإسرائيليين تقريباً، بعدما أصبح ما لا يقل عن خمسة ملايين إسرائيلي في مرمى النيران.
وخلافا لما هو قائم في قطاع غزة حيث لا توجد أية ضغوط على «حماس»، فإن ضغوطاً كبيرة تمارس على الحكومة الإسرائيلية من جهات عدة. لكن أبرز هذه الضغوط تأتي من اليمين المتشدد - حتى داخل الحكومة - الذي حاول خلق أزمة وزارية بسبب تكتيك «ضبط النفس» الذي انتهجته. وتسعى هذه الضغوط إلى توجيه أوسع ضربة والإطاحة بحكم «حماس» عن طريق إعادة احتلال غزة.
ويحاول بعض العسكريين المتخوفين من عواقب الحرب البرية التأكيد أنه لا يزال بوسع إسرائيل مواجهة «حماس» والصواريخ عبر الحرب الجوية المتصاعدة. واستخدم الجيش في سبيل ذلك أسلوب تغطية أجواء القطاع بأكثر من 80 طائرة لقصف مواقع الإطلاق، بغرض منع الصواريخ من التساقط على المستوطنات الإسرائيلية. لكن كثافة القصف والغارات الإسرائيلية لم تمنع استمرار اطلاق الصواريخ وتصعيدها، ما جعل الحملة الجوية موضع تساؤل، وهذا ما قاد عدداً من المعلقين للتساؤل عن الخطوة المقبلة: عملية برية أم وقف إطلاق نار؟
وبحسب معلقين كثر في إسرائيل فإن حكومة بنيامين نتنياهو لا تريد هذه الحرب، لاعتبارات مختلفة، أهمها أنها تدخل مئات الآلاف إلى الملاجئ وتمنع التمتع بإجازة الصيف تقريباً في كل إسرائيل. ففي غزة ما لا يقل عن عشرة آلاف صاروخ، يبلغ مدى المئات منها أكثر من 70 كيلومترا، والعشرات منها أكثر من 150 كيلومترا. والأهم أن في غزة عزم كبير على المواجهة واستمرار الاشتباك، ما يعني أن المعركة ستكون طويلة.
ويقرر رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال عاموس يادلين، أن أسبوع مواجهة هو ما يحدد قدرة الجمهور الإسرائيلي. وهناك من يؤكد أن نتيجة المواجهة الحالية حتى الآن هي التعادل، وأن المخرج من ذلك هو المعركة البرية.
ولذلك فإن ذهاب إسرائيل إلى المعركة البرية يبدو حتى الآن، وحسب تعبير المعلق الأمني في «معاريف الأسبوع» يوسي ميلمان، أقرب إلى «روليت روسية»، وهي ذهاب حتى النهاية من جانب إسرائيل على أمل أن تتراجع «حماس» أولا. ولكن كل الخبراء العسكريين يشددون على أنه حتى الآن لا تظهر علامات تراجع من جانب «حماس».
ويجري الحديث ليس فقط عن عملية برية كاملة في القطاع، وإنما أيضا عن صيغ جزئية مثل تقطيع أوصال غزة، كما كان يحدث في الماضي، أو احتلال مناطق محاذية للحدود وتنفيذ عمليات برية محدودة عبر اقتحامات. ويقول معلقون إسرائيليون إنه رغم كل الكلام في الجيش عن عملية برية، إلا أن سوء المواد الاستخبارية وكثرة الأنفاق تجعل الإقدام على مثل هذا العمل ليس مجرد نزهة. والأهم أن العملية البرية لن توفر على الأقل طوال أسابيع الأمن، لا للمستوطنين الإسرائيليين ولا للجنود الذين قد يضطرون إلى الغرق من جديد في رمال غزة.
وتصرخ إسرائيل طوال الوقت بأنها على استعداد لخوض الحرب البرية، وهي تعرض دباباتها وتدريبات جنودها، وتطلق التهديدات على لسان قادتها العسكريين. لكن خبراء يرون أن هذه التهديدات والاستعراضات تشهد على ضعف النية للتنفيذ. ومع ذلك يشدد نتنياهو على أنه طلب من الجيش «الاستعداد لكل الإمكانيات»، وهو يقصد العملية البرية. أما وزير الدفاع موشي يعلون فشدد على أن كل يوم يمر يقرّب إسرائيل من الاجتياح البري للقطاع.
وكتب المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان أن إسرائيل تقترب من القرار بشأن العملية البرية. وأضاف «من معرفتنا للنفوس الفاعلة ـ رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ـ نقول إننا لا نجد باحثين عن مغامرات. ولهذا من المنطق أن نفرض أن العملية البرية إذا استقر الرأي عليها، وحينما يستقر، لن تسعى إلى احتلال القطاع وتحطيم حماس، بل ستكتفي بأهداف أكثر تواضعا يمكن تحقيقها، وهي مضاءلة عدد رشقات الصواريخ أو ضرب منظومات إستراتيجية لحماس يصعب علاجها من الجو فقط».
وأشار فيشمان إلى أن «القوات البرية أصبحت موجودة في مناطق استعدادها، واجتازت تدريباً مركّزاً. وأُجيزت الخطة، والأمر العسكري موجود، وفي اللحظة التي يستقر فيها رأي المجلس الوزاري المصغّر على الانتقال إلى المرحلة البرية سيُحرر الزناد». وخلص إلى أن «الدخول إلى المنطقة التي تفصل بين الجدار الحدودي والمنطقة المأهولة من غزة هو أسهل أجزاء العملية البرية، فالحركة سريعة تصاحبها نيران ثقيلة وتغطية جوية. أما غزة المدنية في مقابل ذلك فهي مبنية مثل شرك. وهنا تبدأ الحرب الحقيقية من فوق الأرض ومن تحتها. فمن تحت البيوت توجد مدينة تحت الأرض من أنفاق قد تحاول حماس خطف جنود عن طريقها».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد