الجراثيم: أضرارها وفوائدها
قبل اكتشاف العالم الفرنسي لوي باستور الجراثيم كان الأطباء يعتقدون بأن الأمراض تتولد ذاتياً من جسم المريض بطريقة لم تكن معروفة، وعندما اتهم باستور الجراثيم بأنها متورطة في القضية أقام علماء فرنسا الدنيا ولم يقعدوها ضده، ولجأوا الى شتى الوسائل للنيل منه ولنقض ما توصل إليه من استنتاجات، لكن محاولتهم باءت بالفشل، إذ استطاع العالم الكبير ان يثبت رأيه ويكذب كل من عارضوه بالأدلة القاطعة.
والجراثيم أجسام متناهية في الصغر وحيدة الخلية، لا ترى بالعين المجردة، موجودة حولنا وداخل أجسامنا، تتكاثر بسرعة وتنضج بسرعة، وإذا كان الإنسان يحتاج الى عشرين سنة كي يصل الى حجمه النهائي، فإن جرثومة واحدة يلزمها فقط 20 دقيقة لا أكثر.
والجراثيم ليست كلها ضارة كما يتوهم البعض، فهناك جراثيم مفيدة جداً، مثل بكتيريا الأسيدوفيلس التي توجد في اللبن فهي نافعة وصديقة للجهاز الهضمي اذ تساعد على هضم البروتينات لتعطي مركبات مهمة مثل حامض اللبن وهيدروجين البيروكسايد وعدد من فيتامينات المجموعة ب الى جانب مواد مضادة للجراثيم الشريرة. وهناك الجراثيم النافعة التي تقطن الجهاز الهضمي بدءاً من الفم وحتى نهاية القولون. والجراثيم النافعة سمحت باكتشاف وظيفة الزائدة الدودية، فبعدما كان القاصي والداني يقول ان لا وظيفة لها، تمكن فريق طبي أميركي ان يبين أن الزائدة تقوم بإنتاج وحفظ طائفة واسعة من الجراثيم النافعة التي لها دور في مناهضة بعض أمراض الأنبوب الهضمي.
وتشير التقديرات الى ان القولون يحتوي على مئة تريليون من الجراثيم النافعة، التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في الحفاظ على التوازن الإستراتيجي بين المستعمرات البكتيرية المعششة في الأمعاء بحيث تتواجد هذه في حلف سلمي لا يكون فيه غالب أو مغلوب، لكن التوازن المذكور يمكن أن يتعرض للخلل بسبب الإصابة ببعض الأمراض أو نتيجة تناول المضادات الحيوية، الأمر الذي يعطي الفرصة للجراثيم الضارة كي تسبب عدداً من العوارض الهضمية المزعجة، ومن حسن الحظ فإن تريليونات من الجراثيم النافعة تستطيع البقاء في الجهاز الهضمي من دون أن تثير رد فعل الجهاز المناعي كما يحصل مع الجراثيم الضارة، وبحسب العلماء من كلية طب هارفارد الأميركية فإن تلك الجراثيم تخفي نفسها عن أعين الجهاز المناعي باتخاذها شكل الخلايا المعوية.
ويحاول العلماء الاستفادة من الجراثيم النافعة لعلاج بعض الأمراض الهضمية ، فمثلاً لاحظ علماء اسكوتلانديون ان أحد انواع الجراثيم في الأمعاء يوجد بنسبة أقل عند المصابين بالتهاب القولون التقرحي مقارنة مع غيرهم من الأصحاء، وبناء عليه يحاول البحاثة تطوير عقار يعزز وجود الجراثيم النافعة.
ويقول مناصرو العلاج بالجراثيم المفيدة بأنه في الإمكان اســـتعمالها في مداواة مشكلات صحية أخرى مثل الإسهال، والإمســاك، والغازات، وارتفاع الكوليســتيرول في الدم، وعدم تحمل سكر اللاكتوز في الحليب، وحول هذا الأخـــير أوضحت بعض الأبحاث فائدة إعطاء اللبن المدعوم بالجراثيم النافعة في التغلب عليه وبالتالي تفادي عوارضه المزعجة. أيضاً أثبتت التجارب التي أجريت على الحيوانات ان إعطاءها أغذية مدعومة بالجراثيم النافعة أدى الى تراجع إصاباتها بسرطان القولون.
ويشير بعض المصادر الطبية الى إمكان استخدام الجراثيم النافعة في رفع كفاءة الجهاز المناعي للجسم من أجل الحد من نزلات البرد والرشح وكذلك في التخفيف من وطأة الحساسية الجلدية عند الأطفال. أما النساء أفادت التحريات أن استعمال غسول مهبلي يحتوي على الجراثيم النافعة له أهميته في درء شر الكائنات الضارة التي تحاول قلب موازين القوى لمصلحتها. ولا شك في ان هناك بعض النجاح الذي تحقق من استعمال الجراثيم المفيدة في علاج بعض الحالات الهضمية خصوصاً المعوية منها، لكن المشكلة تكمن في ان الجراثيم المفيدة لا تستطيع المكوث طويلاً في الأمعاء ولهذا لا بد من تكرار استعمالها. وحالياً يحاول العلماء إدخال تعديلات على تلك الجراثيم بحيث تبقى لفترة أطول في رحاب الأمعاء.
والجراثيم المفيدة تستخدم في إنتاج بعض أنواع الفيتامينات، والعديد من اللقاحات وهورمون الأنسولين، وهورمون النمو، وعقار الأنترفيرون. وتساهم أيضاً في تسريع إنتاج العديد من المركبات الغذائية والدوائية.
هذا ما يمكن قوله عن الجراثيم النافعة، أما في ما يتعلق بالجراثيم الضارة فحدث ولا حرج، فهذه تتربص بنا من كل حد وصوب الى درجة انها تستغل أي نقطة ضعف فينا لتنفث سمومها فينا أو في الأغذية التي نتناولها. ان الممارسات الخاطئة التي يعتمدها الناس في تخزين الأكل أو في إعداده أو حتى عند شرائه لها اليد الطولى في زيادة خطر التعرض للإصابة بالجراثيم الضارة. ولمواجهة خطر الجراثيم الضارة لا بد من اتخاذ بعض التدابير المهمة لتفويت الفرصة عليها ومنعها من تحقيق غاياتها، وتعتبر النظافة البند الأول في لائحة تلك التدابير، خصوصاً في الأماكن التي تترعرع فيها الجراثيم بكثرة، فالمعروف أن هذه تحب الحرارة المعتدلة والجو الرطب، ولهذا تعشش أكثر ما تعشش في المطابخ والحمامات والمراحيض. ومن التدابير الأخرى الواجب اتخاذها:
- شراء اللحوم والأسماك المجمدة وغير المجمدة في نهاية مشوار التسوق وليس في بدايته كما يفعل البعض، كي لا تتعرض الى درجة حرارة مرتفعة تتيح الفرصة للجراثيم الضارة بالنمو والتكاثر. أيضاً يجب نقل مثل هذه المشتريات الى المنزل في أقصى سرعة وعدم تركها في السيارة لفترة طويلة.
- تذويب الأطعمة المجمدة في شكل صحيح للحد من تكاثر الجراثيم الضارة ومتى حصل التذويب يجب طهوها في أسرع وقت ممكن.
- تقصير مدة خزن الأطعمة قدر المستطاع، فكلما طالت مدة الخزن سنحت الفرصة للجراثيم الضارة كي تنمو.
- غسل اليدين جيداً قبل الشروع في إعداد الطعام من أجل منع انتقال الجراثيم الضارة من الأيدي الى الأغذية. وطبعاً لا حاجة للتذكير بأهمية تنظيف كل ما يقع في تماس مع الطعام خصوصاً الطاولة ولوح التقطيع والسكاكين والأطباق.
وختاماً لا بد من ايراد الملاحظات الآتية:
1- المضادات الحيوية هي العدو الأكبر الذي ساهم في تدمير الجراثيم النافعة لأنها (المضادات الحيوية) لا تستطيع تمييز الجراثيم النافعة عن الضارة.
2- ان درجة الحرارة مئة لا تقتل كل الجراثيم الضارة، ومن أجل القضاء عليها كلها لا بد من بلوغ 120 درجة مئوية وأكثر.
3- البرودة لا تقتل الجراثيم الضارة التي تبقى نائمة الى ان تحين الفرصة المناسبة فتبدأ في التكاثر والنمو.
4- على كل أم ان لا تنفخ في طعام ابنها الساخن لتبريده فهذا من شأنه أن يرسل جرعات جرثومية لا لزوم لها لطفل لا حول له ولا قوة.
5- ان أكثر أماكن الجسم اكتظاظاً بالجراثيم الضارة هو الشرج من هنا ضرورة غسل اليدين جيداً بالماء والصابون بعد قضاء الحاجة وإلا فإنها قد تجد طريقها من اليدين الملوثتين بها الى البطن عن طريق الفم مسببة اضطرابات هضمية معقدة.
6- هناك مكان آخر تكتظ به الجراثيم وقد لا يعرفه الكثيرون وهو ليفة الجلي إذ أظهرت دراسة عن هذا الموضوع ان هذه الليفة المستعملة يمكن ان تحتوي على جراثيم كثيرة تنتقل الى الإنسان بمجرد اللمس.
7- ان مناعة الجسم لها الدور الأكبر في ردع الجراثيم الضارة، وكما قال العالم باستور فإن هذه الجراثيم متوافرة وتدخل أجسامنا على الدوام، لكن قدرتها على صنع المرض تعتمد على مناعة الجسم.
أنور نعمه
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد