البعثة الفلسطينية للأمم المتحدة تنفي مطالبتها بإدانة «حماس»

10-11-2007

البعثة الفلسطينية للأمم المتحدة تنفي مطالبتها بإدانة «حماس»

تطلب الأمر يومين من بعثة فلسطين في الأمم المتحدة، كي تصدر بيانا تنفي فيه ما بثته قناة «الجزيرة» حول مشاريع قرارات في الجمعية العمومية للأمم المتحدة تتعلق بإدانة سيطرة حركة حماس على قطاع غزة. وبعيدا عن التمسك بحرفية ما اذاعته «الجزيرة» حول الخلافات في المجموعة العربية حول مشاريع القرارات تلك، فإن المثير للغرابة أن ذلك يجري فيما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) تطلق إنذارا عالميا بشأن مأساة الحصار.
فقد حذرت المفوضة العامة للوكالة كارين أبو زيد، في تقرير قدمته لـ»لجنة المسائل السياسية وإنهاء الاستعمار»، من عجز قد يصل في العام المقبل إلى نحو 120 مليون دولار. وقالت أنه سيكون لذلك عواقب على الخدمات الضرورية التي تقدمها الوكالة لنحو 4.5 مليون لاجئ مسجل لدى الوكالة.
غير أن الأهم في ذلك، هو أن أبو زيد حذرت من تراجع مستوى الخدمات التعليمية والصحية التي تقدمها الوكالة، قائلة «يعتمد 80 في المئة من سكان غزة على الحصص الغذائية التي يقدمها كل من برنامج الغذاء العالمي والأونروا، وفي الضفة الغربية التي تم تقطيعها إلى أجزاء عن طريق حواجز يبلغ عددها حوالى 561 حاجزا، يعاني الفلسطينيون من استمرار بناء جدار الفصل غير القانوني وتوسيع المستوطنات».
يكفي فقط التركيز على كلام أبو زيد، لإدراك المعنى الحقيقي للاقتتال الفلسطيني الذي ثمة من يحاول نقله إلى الأمم المتحدة. ومن المثير للسخرية حقا اتهام «الجزيرة» باختــلاق قصــة نشرت أيضا في وسائل إعلامية أخرى، حول الخلاف في المجموعة العربية على تعبير تم استخدامه في مشروعي قرار. وتلـخص النص في عبارة «ميليشــيات فلســطينية خارجة عن القانون» عند الإشارة إلى سيطرة حماس على غزة. والمشروع الأول تحت عنوان «التسوية السلمية للقضية الفلسطينية»، والثاني «الممارسات الإسرائيلية التي تؤثر على حقوق إلانســان الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية».
وبرغم الحديث بالتفصيل عن مواضع الاختلاف في المجموعة العربية وعن النقاشات التي جرت حول ذلك، اكتفت بعثة فلسطين في الأمم المتحدة بإطلاق الاتهامات، مشيرة في بيانها إلى أن قناة «الجزيرة» تشارك في «هجمة مبرمجة تسعى إلى شطب القرارات والبرامج الخاصة بفلسطين من أجندة الأمم المتحدة». وكيف يحدث ذلك، وفق بيان «بعثة فلسطين»، عندما «تأخذ هذه الهجمة بعدا جديدا تمثل في نشر أخبار أقل ما يقال عنها أنها تفتقد إلى الدقة والمهنية».
لاحظوا افتقاد الأخبار إلى «الدقة والمهنية» وليس إلى «أي أساس». وافتقاد الدقة يقود البعثة إلى اتهام مروجي هذه الأخبار بأنهم يعيقون «تصدي» البعثة لمحاولات منع تنفيذ القرارات الدولية. وفقط للدقة فإن البعثة قالت أن «أياً من مشاريع القرارات» لا يشير الى «أي فصيل فلسطيني» وهو فعلا ما لم يقله أحد سوى أن مشروعي القرار أشارا إلى «ميليشيات خارجة عن القانون» سيطرت على غزة.
يبدو أن بيان بعثة فلسطين يشهد على أن الإبداع السياسي والإعلامي بات في ذروته ويسجل سبقا جديدا. فالجاهل قبل العارف يعلم أن المشكلة لا تكمن في بعثة فلسطين. فهذه البعثة ومسؤولها رياض منصور لا يصوغان السياسة الفلسطينية في الأمم المتحدة وإنما يعبران عنها. وقد يؤخذ على منصور أو أفراد بعثته أنهم يستطيعون، بحكم عملهم الدبلوماسي، أن يفهموا من يصدر إليهم الأوامر بالحدود التي يسمح بها العمل السياسي العام في مؤسسة دولية.
وإجمالا كانت الرئاسة الفلسطينية ووزارة الخارجية الفلسطينية الغائب الأكبر في الأمر. والواقع أن الرئاسة الفلسطينية التي شكلت حكومة سلام فياض، التي لا تتمتع بأي صفة تمثيلية حقيقية، خضعت لإملاءات بلغت ذروتها أيضا في تعيين رياض المالكي وزيرا للخارجية.
وبعدما بز كل وزير للإعلام في العالم بتوفــيره الذرائع والتبريرات لمحتل بلاده في فرض الحصار على أهله، ينقل المالكي ساحة نضاله إلى الأمم المتحدة. ولا ريب أن من طلب من بعثة فلسطين، قبل شهور، منع استصدار قرار في مجلس الأمن يدين الحصار على غزة، هو من طلب إدانة «الميليشيات» الفلسطينية. وإذا استمر إصرار الرئيس محمود عباس على تسييد «الهامشيين» في صنع القرار الفلسطيني، فإن تقديرات إسرائيل تغدو أكثر من صادقة.
فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعلن صبح مساء أنه لا أمل يرجى من التفاوض مع الفلسطينيين، ليس بسبب سوء نوايا القيادة وإنما أساسا بسبب انقطاعها عن محيطها، إذ يصعب تخيل أن سياسة كهذه في الأمم المتحدة يمكن تبريرها فلسطينيا، حتى من جانب أشد الغاضبين في فتح على حماس.
بالمناسبة، ما جرى لبعثة فلسطين يستحق الدرس. تركوا البعثة ومسؤولها يتصدون لتبرير المواقف الخاطئة، بدلا من تحمل المسؤولية وإعلان أنهم من يصدرون الأوامر للبعثة. إنها خسارة أخرى للمؤسسات الفلسطينية، لا تزيد الرئاسة قدرا ولا تعزز ثقة الفلسطينيين بممثليهم. المشكلة أنه بدلا من الإقرار بالخطأ والعمل على معالجته، ثمة من يريد اختراع عدو جديد لفلسطين، وهو هذه المرة قناة «الجزيرة».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...