الإسلاميون في امتحان الدين والسلطة

09-12-2011

الإسلاميون في امتحان الدين والسلطة

أوجدت الثورات العربية تحولات مفاجئة في آراء الحركات الإسلامية ومواقفها. ليس معلوماً إلى الآن ما إذا كانت هذه التحولات شكلية أم جوهرية. لكن لا شك في أن الثورات هذه قد أدخلت الإسلاميين في اصطفافات جديدة ووضعتهم أمام تحديات غير مسبوقة.
الإسلاميون أكثرية عددية في بلدان الثورات العربية. الأكثرية هذه تضمن لهم فوزاً في الانتخابات التأسيسية والتشريعية، لكنها لا تضمن نجاحهم في تجربة الحكم. حصاد الإسلاميين للأصوات أمر ممكن لأنه يبتني على شعارات دينية تحاكي تطلعات غالبية الناخبين. ليس التحدي أمام الإسلاميين وصولهم إلى السلطة، بل بقاؤهم فيها بإرادة الناس. هي المرة الأولى التي تخضع فيها الحركات الإسلامية في البلاد العربية لامتحان السلطة وتفرعاتها. إدارة الحكم بعناوين دينية لا تكفي وحدها في سبيل تلبية ما يحتاج إليه الناس. العبرة تبقى في القدرة على تقديم نموذج من السلطة يجمع بين التعاليم الدينية وتأييد الرأي العام.
هذا الكلام بالضرورة، لا يراد منه التشكيك في قدرة الإسلاميين على تولي شؤون المجتمع والسلطة، بل التدليل على كثرة التحديات التي تنتظرهم. ثمة لدى هؤلاء مهام تتجاوز الوعظ والتبليغ إلى مهام بناء الدولة.
مدخل إسلاميي الثورات العربية إلى السلطة فكري - نظري قبل أن يكون أي شيء آخر. المطلوب من هؤلاء إنتاج نظام قيم من المعاملات إلى جانب قيم العبادات، وصناعة فقه حيوي ينظر إلى الشراكة والتعدد.. لأن فقه المعارضة يختلف عن فقه السلطة، وفقه الحزب يختلف عن فقه الوطن، وفقه إسقاط النظام أقل مؤونة من فقه بناء الدولة والمجتمع. هذا من دون إغفال أن صناعة الفقه ليست أمراً منفصلاً عن تطبيقاته.أولى الخطوات نحو هذه التطبيقات وضع سياسات اقتصادية واجتماعية،على قاعدة جعل الدين في خدمة الناس وليس جعل الناس في خدمة الدين.
التجربة الدينية - في السياسة وغيرها - هي نتاج تفاعل بين النص الديني والواقع. التمسك بالنص من دون النظر إلى الواقع قد ينتج سلفية متصادمة مع الناس، والنظر إلى الواقع من دون الأخذ بالنص قد يفضي إلى ليبرالية متعارضة مع الدين..الجمع بين الأمرين مدخل ضروري لنجاح تجارب الإسلاميين السلطوية في ظل ما أنتجته الثورات العربية من تعقيدات وانقسامات مجتمعية.
ذهب الإسلاميون الى الآن، وهم على أعتاب السلطة، مذاهب شتى. منهم من دفعت به السلطة نحو مزيد من السلفية والفهم الحروفي للدين. وهؤلاء قد لا يترددون عن المطالبة بتحطيم «صنم» أبو الهول في مصر على غرار تحطيم «صنم» بوذا في أفغانستان. كما ليس مستبعداً سعيهم، على طريقة الملا عمر، الى إلزام الرجال بإطلاق اللحى وحرمان المرأة من التعليم.
منهم قد جمع بين جنبيه «القاعدة» والغرب، وأوغل في الفهم الشكلاني للدين، فجعل فاتحة حكمه النكاح مثنى وثلاث ورباع، و«التصدق» بالنفط على الغربيين «فدواً » لإسقاط النظام.
ومنهم من ذهبت به السلطة إلى حد خلع الذات وتقديم شهادة حسن اعتقاد وسلوك إلى الغرب، فغلّب ما هو مصلحي على ما هو مبدئي... وتنكر لمبادئه بالتخلي عن فلسطين.
لكن كل هذا لا يمنع من تبلور نموذج لإسلام عقلاني يقوم على تجسير العلاقة بين المجتمع والدولة، وعلى التوأمة بين أولويات الوطن وقضايا الأمة.
لا معنى لحركة إسلامية تنأى بنفسها عن فلسطين، لأن الله الذي أمر بالصلاة والصوم والزكاة..هو ذاته يأمر بتحرير فلسطين.. وقد يكون للمسلم ألف اجتهاد في الحكم، لكن لا اجتهاد له في استعادة القبلة الأولى للمسلمين.
من سمع فلسطين تنادي «يا» للمسلمين ولم يجبها فهو كافر.

حبيب فياض

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...