ابن رشد بعيون لاتينية (الفيلسوف الايطالي تيليسو)

11-12-2012

ابن رشد بعيون لاتينية (الفيلسوف الايطالي تيليسو)

تهدف هذه المقالة إلی رصد بعض المراجع المهمّة والأساسيّة في معرض فلسفة ابن رشد الطبيعيّة والميتافيزيقيّة المشار إليهما في نصّ الفيلسوف الإيطالي للنّهضة "تيليسيو"(Bernardino Telesio) الذي كتب مقالة فلسفيّة الموسومة بــ "تفسير الطّبيعة انطلاقا من مبادئها".

لقد كان يتطلّع "تيليسيو"، في هذه المقالة المومئ إليها أعلاه، إلى عرض رؤية منهجيّة جديدة في دراسة الفلسفة الطبيعة (فيزيس) حيث انتقد نظريّة أرسطو وعناصرها ومبادئها، وبالحاصل بالتبعة، انتقاده أيضا الفلسفة الرّشديّة في الوقت ذاته. لاسيما وأن الشّارح الأكبر هو صوت المعلّم الأوّل فلسفيّا ومذهبيّا.

 وبهذا قام الفيلسوف الإيطالي" تيليسيو" بدراسة وفحص مبادئ الطّبيعة من خلال مبادئها الدّاخليّة ونظامها البنيوي والتّكويني من دون البحث في النّظر إلى مبحث الميتافيزيقا كمدخل إليها.

 من هنا، سأحاول أن أعثر عن بعض العبارات الصّريحة والضمنيّة التي تشير إلى تلك الطريقة في تناول فلسفة ابن رشد من قبل هذا الفيلسوف الايطالي.* كل هذا من المقارنة بين النص اللاتيني الرّشدي، ونصوص أخرى "‪Aristoteli opera cum Averrois commentariis".

 يتبيّن لنا أن مراجع ومصادر فيلسوف قرطبة هي ١٢ في مجموعها. ٣ في الكتاب الأول، و٩ في الكتاب الثّاني هذا من جهة أولى. أمّا من جهة ثانية، فهناك مراجع ضمنيّة وغير مباشرة، تلك التي يتحدّث فيها " تيليسيو" عن مذاهب مدراس مشائيّة بشكل عام والموجودة بالفعل، كأفكار وتصورات، لدى فيلسوف قرطبة.

 فمن حيث النّظرة البيبليوغرافيّة نجد بعض المراجع في هذا السّياق. فالمرجع الأوّل يوجد في الفصل٣٠ للكتاب الذي مفاده ومضمونه انتقاد الفيلسوف الإيطالي (تيليسيو) مذهب شرّاح أرسطو لمسألة أن "النّفس واحدة و كلية". إضافة إلى دور المادّة /الهيولي في تقبل الصّور أداة من أدوات الانتقال من القوّة إلى الفعل، وغيرها من الموضوعات التي لها علاقة وطيدة وجوهريّة بالعقل والاستعداد والقبول… وغير ذلك من مفاهيم نظريّة العقل والمادّة.

 أمّا مصادرنا في اللّغة اللاتينيّة لفلسفة ابن رشد أو ابن رشد اللاتيني فهو يعرّج على فلاسفة من قبيل : "ابن سينا" و"الفارابي" و"ثيميستيوس" (Temistio) :

 "Dicentes autem creationem, dicunt, quod agens creat totum ens de novo ex nihilo, quod non habet necesse ad hoc ut sit materia, in quam agat, sed creat totum. Et haec est opinio Loquentium in nostra lege, et lege Christianorum: de qua Ioannes Christianus opinabatur quod possibilitas non est nisi in agente, ut Alpharabius narravit in librus de entibus transmutatis. Opiniones autem mediae inter istas duas videntur reduci in duas: quarum una dividit, et sunt tres. Istae quidem tres conveniunt in hoc, quod ponunt generationem esse transmutationem in substantia, et nihil generat ex nihilo, quod necessarium est in generatione subiectum esse, et quod generatum non fit nisi ab eo, est sui generis in forma. Una autem istarum opinionum est, agens creat formam, et ponit eam in materia. Et istorum quidam dicunt, quod illud agens non est in materia omnino, et vocant ipsum datorem formarum: et Avic. est de illis" (1)

في هذا الأمر والسّياق - الفصل ٣٧ - يتحدّث" تيليسيو" عن مبدأين من مبادئ مبحث الطبيعة هما: الحرارة والبرودة، والجسمي الأولي، يعني الشّمس والأرض اللّذان هما أزليّان. هذا استطرادا مذهبيا موسعا مفاده، وفق كلام "تيليسيو"، أن الصور كامنة في المادة. وقد عارض ابن رشد هذا التصور الفلسفي على أساس أن العقل هو الذي يطبع الصور في المادة، لذلك يسمي العقل بواهب الصّور في يردف بقوله من خلال كتاب: " Averr‪.Metaph":

‪"Unde quidam dicunt quod omnes formae substantiales fiunt a forma abstracta exstrinseca quae dicitur a dator formarum‪. Et dicunt haec intelligentia agens‪" (2)

 لهذا حدّد الشّارح الأكبر( ابن رشد) تصوّره، المشار إليه أعلاه، في مذهبين هما : مذهب أهل الكمون ومذهب أهل الخلق:

‪"Dicentes latitationem dicunt, quodlibet est in quolibet: et quod generatio est exitus rerum abinvicem: et agens non est nisi extrahens et distinguens eas abinvicem(3)"

 ونستخلص من هذا، أنّ مذهب المشّائين يؤمنون بالصّور الخارجيّة التي يسمّونها بـ"المبادئ الفاعلة". فالمادّة تحتاج إلى قوّيتن هما: الفاعلة والمنفعلة، كلّ هذا في إطار مبحث الفلسفة الطبيعة يؤكّد أبو الوليد في هذا المنوال في المقاطع الثّلاثة الأساسيّة وهي كالتّالي :

‪"Non igitur materiam modo, ut Peripateticis placet, inexistentibus formi set in ea delitescentibus externae similes concinnant et aptam illis faciunt propriamque, quo facto elucent illae et in opus exeunt, sed vere illas generant praeexistens nihil, dum se ipsas amplificant multiplicantque et proxima propria afficiunt natura, quod agentium natura proprium existit opus‪…" (4)

 وأمّا في المقطع الثّاني فيقول:
 "..virtutes activae sunt quatuor qualitates calor frigus humidum siccum, nihil est in materia agens nisi ista quae agunt sua similia. Formae autem substantiales non agunt in quibusdam"(5)

وأمّا في المقطع الثّالث والأخير:

"elementa non patiantur eque agant misi per qualitates non per formae substantiales. Et apparet quod non sunt hic potentiae agentes, nisi quatuor qualitates : istae non sunt formae substantiales materiales neque sunt activae , neque passivae essentialiter activae et passivae sunt primae qualitates (…) generans igitur est illud quod movet materiam donec recipiat formam, illud quod extrahit ipsam de potentia ad actum; illud quod movet materiam, necessario est corpus, habens qualitatem activam aut potentiam, quod agit per corpus habens qualitatem activam"(6)

يعتبر كتاب "تيليسيو" بعنوان "Aristotelis opera cum Averrois De Caelo" III من أهمّ النّصوص الفلسفية الرشديّة يقول "تيليسيو":

 ‪"Dicemus quod formae istorum elementorum substantiales sunt diminuitae a formis substantialibus perfectis, et quasi esse est medium inter formas, et accidentia"(7)

ونستخلص من هذا، أن التصوّر الانطولوجي لدى "ابن رشد" توجد في منهجه الكوني. إذ يسلّم بوجود صنف من الصّور المحتوية التي هي صور بالنّسبة إلى المادّة، ولكنّها تأخذ دور الموضوع بالنّسبة إلى الصور الجوهريّة. كتب ابن رشد في " De Caelo‪":

 "Haec quidem sunt materia corporum sensibilium, idest compositorum, haec autem est materia corporum simplicium primo, secundo vero corporum compositorum mediantibus istis elementis‪" (8)

والظاهر أنّ موقف "تيليسيو" هنا هو موقف ناقد لنظريّة "ابن رشد "التي تعرف عليها بشكل دقيق. وقد ذهب به طموحه إلى محاولة إنشاء نموذج جديد لشرح الطبيعة (فيزيس).

وهذا يدلّ على مجادلة "تيليسيو" فلسفة "ابن رشد" ومذهبه سواء من حيث اللّغة الفلسفيّة أم من حيث إطاره المفاهيمي، بالرّغم من أن رؤية هذا الفيلسوف الايطالي تتّفق مع نظريّة ابن رشد الطبيعية والميتافيزيقيّة وخاصّة على مستوى تصوّر "الهيولى" /المادّة. هذه الأخيرة، في رأي "تيليسيو" الموضوع الذي يستقبل الطبيعيات المختلفة التي تتعاقب وتفعل ضمنها وتستعدّ لتسلمها. إنّ المادّة الأولى (الهيولى) في مذهب المشائية، لا يمكن أن تمتلك طبيعيات بالفعل في الوقت ذاته. إضافة إلى ذلك، يرجع الفيلسوف الإيطالي المادّة إلى الجسمانيّة كشرط ضروري سابق لكون صورة الموجودات وطبيعتها. من هنا يؤكّد كتاب((Desubstantiaأنّ ابن رشد اللاتيني أن الهيولى تمتلك أبعادا ثلاثة غير محدّدة. لأنّ المحدوديّة الأولى للمادّة، أي المحدوديّة الكميّة، يمكن من خلالها الخروج من القوّة إلى الفعل للصّور الجسمانيّة في الهيولى.

الهوامش:
(1).- Averrois;Métaphysique; XII;p81
(2).-ibid,p18

 *-من الصعوبة اعتبار أن ابن رشد يأخذ بفكرة ابن سينا في مسألة واهب الصور لمخالفتها لقناعة أبي الوليد الفكرية والفلسفية باستقلالية قوانين الطبيعة وتأسيسها على مبدأ السببية

(3). - Averrois;Métaphysique; XII;p18

(4).-ibid,p18

(5).- Averrois;Métaphysique, VII ,p31

(6).- Averrois;Métaphysique, VII ,p31

(7).- Bernardino Telesio, Aristotelis opera cum Averrois De Caelo" III,p67.

(ibid ,p67. (8)

بقلم: لتيزيا فرانو   ترجمة : يوسف بن عدي

المصدر: الأوان

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...