إسرائيل تضع عقبة شاليت أمام اتفاق التهدئة والمعابر
أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية المنصرف إيهود أولمرت، يوم أمس، أنه يجب «أولاً الإفراج عن (الجندي الأسير) جلعاد شاليت وبعد ذلك كل المواضيع الأخرى». وقد لخص أولمرت بذلك التغيير الذي طرأ على الموقف الإسرائيلي من سلم الأولويات بين التهدئة وشاليت إثر النقاش الذي جرى في المطبخ الصغير.
وقرر وزراء الترويكا، التي تضم إلى جانب أولمرت كلاً من وزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الدفاع إيهود باراك، بلورة مشروع قرار بهذا الشأن لعرضه على المجلس الوزاري المصغر. وثمة تقديرات بأن اجتماع هذا المجلس سيعقد على الأغلب بعد غد الأربعاء إثر تغيير الأولويات من التهدئة أولاً إلى شاليت أولاً. ويبدو أن القبول بدفع الثمن الباهظ الذي تطلبه حماس هو ما يشجع إسرائيل على قلب المعادلة التي كانت معروفة حتى اليوم بأولوية التهدئة على الصفقة. وقررت ليفني، التي تعارض مبدأ التفاهم على التهدئة، القبول بذلك إذا بدأت بالإفراج عن شاليت.
وجاء التغيير في الموقف الإسرائيلي من هذه المسألة بعد أن توصلت حكومة أولمرت إلى قناعة بأن فتح المعابر والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين هو الثمن في مقابل الإفراج عن شاليت. ولهذا يصر ديوان رئاسة الحكومة على «وجوب أن يصل شاليت إلى بيته وبعدها تفتح المعابر»، ويحاول عرض قرار المطبخ الإسرائيلي الصغير يوم أمس على أنه اختبار لحماس إذا كانت تريد استعادة رجالها مقابل شاليت. الربط بين التهدئة وشاليت صار وثيقاً أكثر من أي وقت مضى. وتقول إسرائيل إن المعابر مفتوحة لأغراض إنسانية بمستوى 30 في المئة من طاقتها، وسوف تزاد هذه الطاقة حال حدوث تقدم فعلي.
وبحسب ما يشاع في إسرائيل فإن الصفقة المتداولة تشمل في مرحلتها الأولى فتح المعابر والإفراج عن أسرى من قائمة تشمل 350 اسماً. وستسرع لجنة وزارية يرأسها حاييم رامون إقرار الأسماء المراد الإفراج عنها ضمن هذه القائمة والتي ستعرض على المجلس الوزاري لشؤون الأمن القومي للمصادقة عليها.
وفي المرحلة الثانية يسلم شاليت للمصريين ويتم الإفراج عن حوالى 550 أسيراً «متوسط الخطورة» كبادرة حسن نية للرئيس المصري حسني مبارك. وعند عودة شاليت لإسرائيل تفرج إسرائيل عن حوالة 400 أسير «ضئيلي الخطورة».
وكان بيان أولمرت قبل أيام حول رفض إسرائيل التوصل لأي تفاهم حول التهدئة من دون تقرير مصير جلعاد شاليت قد أدى فعلياً إلى تغيير سلم الأفضليات في الأداء الإسرائيلي بين التهدئة وشاليت، إذ كانت إسرائيل حتى أيام قليلة تقبل بفكرة التهدئة التي تقود إلى تبادل الأسرى. وكان الأمر يشير إلى أن الوجهة هي العمل على مراحل تبدأ بإعلان التهدئة وفتح المعابر جزئياً ومن ثم التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى يجري بموجبه الإفراج عن مجموعة من المعتقلين الفلسطينيين تمهيداً لنقل شاليت إلى مصر. وعند نقل شاليت لمصر يتم الإفراج عن عدد آخر من المعتقلين وبعد ذلك تفرج إسرائيل عن عدد ثالث من المعتقلين عند عودة شاليت إليها.
وبين هؤلاء 350 أسيراً تحدد حماس أسماءهم، وهم من تجري المفاوضات بشأنهم. وقد أشيع مؤخراً أن الخلاف يدور على أربعة أسماء، غير أن مصادر إسرائيلية تؤكد أن الخلاف يدور على عدد أكبر من ذلك بكثير. وهناك في إسرائيل من يقول إن ما تقرر حتى الآن القبول بالإفراج عنهم من القائمة ليس أكثر من 200 أسير. غير أن إسرائيل، على ما يبدو، قررت الاقتراب من موقف حماس بشأن الأسماء ولكن باشتراط عدم الإفراج عن هؤلاء داخل الضفة وإنما إبعادهم إما إلى غزة أو إلى الخارج.
وثمة اعتقاد بأن صفقة تبادل الأسرى لن تتم خلال هذا الأسبوع أو الذي يليه بسبب جوانب إجرائية في إسرائيل تتعلق باتخاذ القرارات من ناحية والالتماسات ضد القرار أمام المحكمة العليا من ناحية ثانية.
ومن الجلي أنه كان قد حدث في الأسابيع الأخيرة نوع من التفاهم بين إسرائيل وحماس عبر المصريين على الوجهة والهيكل العام للصفقة. ولكن خلافاً داخلياً إسرائيلياً بين وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي تطالب بشاليت أولاً ووزير الدفاع إيهود باراك الذي يدعو للتهدئة أولاً هو الذي عرقل التفاهم. ويبدو أن أولمرت مال في الأيام الأخيرة إلى مقاربة ليفني وصار يربط التهدئة بشاليت. وليس مؤكداً إذا كان هذا التحول استراتيجياً أم تكتيكياً وهل هو تغيير جوهري أم تغيير فقط للضغط في المفاوضات.
القوائم النهائية للأسرى المنوي الإفراج عنهم ليست كاملة ولا مقرة في إسرائيل حتى اليوم، لكن إسرائيل تحاول عرض هذه القوائم وكأنها خليط من تبادل مع حماس وبادرات حسن نية تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ويبدو في هذا الإطار أن إسرائيل تنوي الإفراج عن عدد من الأسرى المطلوبين في قوائم حماس، وبينهم أمين سر حركة فتح مروان البرغوثي، قبل بدء تنفيذ الصفقة. وبحسب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر فإنّ إسرائيل «ستفرج على الأرجح عن الكثير من الفلسطينيين الكبار ضمن صفقة ترمي إلى استعادة شاليت». لكنه أكد في الوقت ذاته رفضه الإفراج عن الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات والقيادي في كتائب القسام عبد الله البرغوثي، اللذين قال إنهما «لن يعودا إلى منازلهما».
وكان تطوّر جديد برز في ملف تبادل الأسرى، حيث أعلنت حماس أنها تحتفظ بأشلاء جندي إسرائيلي قتل في الحرب الأخيرة على غزة. وجاء في بيان للحركة أنّ الجندي هو من أفراد القوات الخاصة، وقد تمزقت جثته في ما بعد في قصف جوي إسرائيلي، مشيرة إلى أنّ المقاومين يحتفظون بأشلائه، بينها قدمه اليمنى وكف يده اليسرى وبعضاً من أعتدته.
إلى ذلك، حملت حماس إسرائيل المسؤولية عن وضع عراقيل أمام إعلان التهدئة. ودعا القيادي في الحركة إسماعيل رضوان القاهرة إلى الإعلان صراحة عمّن يعيق التوصل إلى اتفاق في حال فشلت جهود التهدئة، مشيراً إلى أنّ وفد الحركة في القاهرة سينتظر الرد النهائي، سلباً أو أيجاباً. وأضاف أنّ مصر «أكدت لنا أنها هي الضامن للاتفاق، وفي حال تراجعت فإنّ ذلك سيخلق إشكالات كبيرة تعيق التوصل إليه».
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي، قال في تصريحات للصحافيين في القاهرة، إن «محادثات التهدئة كانت تسير بشكل إيجابي. وهناك ملاحظات كثيرة تم طرحها، وطلبات للتوضيح وبعض المطالب الإضافية». وفيما لم يوضح زكي طبيعة النقاشات تلك، اكتفى بالقول إنه يجري التعامل معها، معرباً عن أمله في أن يتم قريباً جداً الإعلان عن التهدئة والموعد المحدد لبدئها. وأضاف أنّ «مصر لا تعطي ضمانات لأي طرف في هذا الموضوع»، مشيراً إلى أنّ القاهرة ملزمة فقط بتصرفاتها وليست ملزمة بتصرفات أي من الأطراف الأخرى.
في هذا الوقت، استقبل الملك السعودي عبد الله وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ومدير المخابرات عمر سليمان. وقال مصدر دبلوماسي لوكالة «فرانس برس» إنّ اللقاء تناول «تطورات الأوضاع في المنطقة، وخصوصاً في ما يتعلق بالوضع الفلسطيني وجهود التهدئة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد