أردوغان يبدأ حملة شاملة على جماعة غولين والشرطة تفرّق تظاهرة معارضة في اسطنبول
حسم رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، في اليومين الماضيين، طبيعة الصراع في تركيا بالقول إنها مؤامرة خارجية بأيد محلية، مؤكداً ذلك بفتح معركة جديدة هذه المرة مع السفير الأميركي في تركيا فرنسيس ريتشاردوني.
ففي خطابات متتالية، أمس الأول، قال أردوغان إنّ ما سمي بعملية الفساد والرشوة ليس سوى «عملية منظمة من اللاعبين العالميين بأيدي محلية». وقال إنّ «الحملة لتشويه سمعة الحكومة بغلاف الفساد إنما هي فخ قبيح إلى آخر درجة»، متحدياً خصومه بأنه سينظف الدولة منهم واحداً واحداً. وقال إنها مؤامرة كبرى على تركيا الكبيرة وإن ما يحدث اليوم هو نفسه الذي جُرب في جيزي في اسطنبول في شهر حزيران الماضي، في إشارة إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وشنّ اردوغان، أمس الأول، هجوماً على السفير الأميركي، الذي كان قد قال في وقت سابق إن إمبراطورية بنك الشعب الذي اعتقل مديره ستنهار. ودعا رئيس الحكومة التركية السفراء الأجانب الذين يتولون التحريض إلى التزام حدودهم، قائلا إنّ تركيا ليست مضطرة لاحتضانهم على أراضيها، في إشارة إلى إمكانية طرد السفير الأميركي من أنقرة. وترافقت هذه التطورات مع خروج آلاف الأتراك إلى شوارع اسطنبول، أمس، للاحتجاج على موقف الحكومة من فضيحة الفساد. وتدفق المتظاهرون المناهضون للحكومة إلى ساحة قاضي كوي، حيث كان من المقرر في وقت سابق تنظيم احتجاج على خطط مُدنية حكومية، لكن الشرطة فرقتهم إلى حد كبير بإطلاق قنابل الغاز وخراطيم المياه. وهتف المتظاهرون، الذين قدروا بنحو عشرة آلاف، بشعارات مناهضة للحكومة، كان أبرزها «العدالة والتنمية في كل مكان .. الفساد في كل مكان».
وواصل أردوغان، أمس، قبيل توجهه إلى باكستان، هجومه بحدة مرتفعة. وقال في كلمة له، خلال مراسم افتتاح مشاريع في ولاية غيرسون في شمال شرق البلاد، «أكرر مرة أخرى، إذا كان هناك أحد ما يسرق مال الدولة خلال هذه الفترة، فإننا سنحاسبه حتى لو كان ابن أبينا»، مشيراً إلى أن ملف الفساد يستخدم كغطاء لمؤامرة.
وفي إشارة واضحة إلى جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولين، أبدى اردوغان أسفه للعب بعض المنظمات في تركيا «دور الأداة في هذه المؤامرة القذرة»، مضيفاً أنّ «هناك من يحاولون استغلال بعض المنظمات التي ترتدي رداء التدين، كأداة لإثارة الفوضى في بلدي الجميل، والأمة ستحبط هذا التحالف أيضاً».
وفي وقت لاحق قال «لقد نشأ ضمن الدولة من يسعى لخلق تكوينات موازية لها، سنقضي على هذه العصابات والتنظيمات كما قضينا على المافيا، إلا أن هؤلاء يتخذون شكلاً مختلفاً، وحان دورهم ولن نتهاون في مثل هذه الأمور، مهما كان مصدرها أو لونها».
بموازاة ذلك، تابعت الحكومة عملية واسعة وشاملة لتصفية الموالين للداعية الإسلامي فتح الله غولين في الدولة، وفي الشرطة خصوصاً. وقد قارب عدد المحالين إلى التقاعد في شرطة اسطنبول وحدها أكثر من ثلاثين ضابطاً رفيعي المستوى بمن فيهم قائد شرطة اسطنبول حسين تشابكين، ونحو أربعين في باقي المناطق التركية.
وفي خطوة ستثير تساؤلات واعتراضات حقوقية بادرت الحكومة، امس الأول، وبسرعة إلى تعديل قواعد قضائية ونشرها فوراً في الجريدة الرسمية تلزم الشرطة والقضاء بإبلاغ أي معلومة عن أي عمل سيقومون به أولاً إلى المحافظ، في خطوة لمنع الاستمرار في الاعتقالات لمشتبه فيهم بالتورط في عمليات الفساد في كل أنحاء تركيا. واعتبر الحقوقيون التعديل على أصول الاعتقالات وتوجيه التهم تدخلاً سافراً في شؤون القضاء.
وقد رأى الكاتب الصحافي المعروف ممتازير توركينيه أنّ مثل هذا التعديل دليل آخر على رغبة الحكومة في التغطية على الفساد ومنع كشف المتورطين به بدلاً من أن تمضي إلى النهاية في كشف المفسدين.
وقال إنّ «اتهامات اردوغان بوجود مؤامرة خارجية وعملية قذرة وعصابات داخل الدولة يدينه قبل غيره، إذ أن الحكومة هي التي تشرف على الشرطة منذ احد عشر عاماً ثم تأتي الآن وتقول إن داخل الشرطة عصابة منظمة فتطيح بجميع قادة وحدات الشرطة، فمَن بعد الآن يمكن أن يثق بالشرطة؟».
وقال توركينيه إنه بدلاً من أن تدير الحكومة التحقيقات بكل شفافية فإذا بها تعرقل التحقيق. وقال إن «رئيس الحكومة بهذه التصرفات يجعل من تركيا سفينة تدخل إليها المزيد من المياه لتمضي نحو الغرق»، مضيفاً أنّ «اردوغان يرتكب الخطأ تلو الآخر وبدلا من أن يحاسب الوزراء المرتكبين يحميهم. هذه الحكومة ذاهبة وستأتي غيرها والأمة هي التي ستدفع ثمن تلافي الخسائر الناشئة». وتابع قائلاً إن «وظيفة رئيس الحكومة إتلاف التفاحة الفاسدة لكنه لم يفعل بل حمّل القضاة المسؤولية لأنهم لم يبلغوا الحكومة مسبقاً بما يريدون أن يفعلوا».
وفي صحيفة «ميللييت» كتب قدري غورسيل عن خسائر الحكومة من فضيحة الفساد، معتبراً أنها أربع.
أولاً، إن الحكومة بتعيينها مساعدين لقاضي التحقيق وبسلب الشرطة صلاحية التحقيق تعيق عمل القضاء لحماية نفسها وتلقي الشك على شرعية هذه الخطوات.
ثانياً، إن الحكومة بوضع اليد على الصحافة وبإظهار نفسها «بيضاء» ونظيفة إنما كانت تغطي منذ العام 2008 على عمليات فساد كانت شاعت منذ ذلك الحين.
ثالثاً، إن الفضيحة كسرت محرماً حاول «حزب العدالة والتنمية» إحاطة نفسه به وهو نظافة الكف.
رابعاً، انكسر نظام الإعلام الذي حاول «حزب العدالة والتنمية» تأسيسه عبر الرقابة والشراء ولم يعد ممكناً عرقلة وصول المعلومة إلى الرأي العام.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد