«أحرار الشام» تنعى نفسها باتفاق معبر باب الهوى
بعد ثلاثة أيام من الاقتتال الذي امتد إلى أغلب مناطق محافظة إدلب وشابته الكثير من الملابسات غير الواضحة، وقّعت «حركة أحرار الشام» ببساطةٍ على اتفاق مقتضب مع خصمها «هيئة تحرير الشام» يقضي بوقف إطلاق النار بين الطرفين ووضع معبر باب الهوى تحت إدارة مدنية.
لكنّ الاتفاق من حيث ظروفه وملابساته لا يشبه أيّاً من اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة بين الطرفين، بل يمكن اعتباره إقراراً من حركة أحرار الشام بالهزيمة والاستسلام وبمثابة نعي لنفسها كحركة كبيرة مؤثرة، الأمر الذي يضع مصير الحركة على المحك لاسيما في ظل قلة الخيارات الموجودة أمامها والتي يغلب عليها حالياً – ما لم تحصل مفاجآت – خيار القبول بالاندماج مع «هيئة تحرير الشام».
ورضخت «أحرار الشام» سريعاً للّغة الميدان العسكري التي كانت تنطق بانتصارات «هيئة تحرير الشام» وتقدّمها على أغلب جبهات القتال وخاصة جبهات المدن والمناطق شمال إدلب التي تشكل بمجملها الشريط الحدودي مع تركيا. واضطرت بعد أن باتت محاصرة في نقطة معبر باب الهوى وسط انهيار قواتها في المناطق الأخرى سواء شرقاً أو جنوباً، أن تقبل بالتوقيع على الاتفاق المقتضب معلنةً بذلك انتهاء مرحلة هيمنتها الكاملة على المعبر وإدارته والاستفراد بموارده، وبداية مرحلة جديدة يكون فيها لـ»جبهة النصرة» وإن تحت ستار إدارة مدنية، للمرة الأولى، دور في إدارة أهم وأخطر معبر بتاريخ الأزمة السورية. ومن المفارقة أن تتولى «جبهة النصرة» إدارة معبر باب الهوى واحتكار نصف موارده المالية في ظل الحملة التي تدّعي الولايات المتحدة أنها تقودها لمكافحة تمويل الإرهاب.
وما يلفت الانتباه في أحداث الأيام الماضية التي شهدتها محافظة إدلب، أن القتال بين الطرفين لم يصل إلى درجة كبيرة من الشراسة والدموية، بل ظل الفيصل في حسم المعارك وتبادل السيطرة على المناطق هو التراضي بين الفريقين الذي كان يتجلى بمواقف الحياد أو الانسحاب التلقائي، باستثناء المناطق المحيطة بمعبر باب الهوى التي شهدت أعنف الاشتباكات.
وكشفت درجة القتال المتدنيّة عن أمرين أساسيين: الأول عدم امتلاك «قيادة أحرار الشام» قدرة التأثير على الألوية والكتائب التابعة لها فكان كل لواء أو كتيبة يتخذ القرار الذي يناسبه في ميدان المواجهة قتالاً أو انسحاباً، بعيداً عن توجيهات قيادته العامة. والثاني هو درجة وعمق الاختراق الذي أحدثته «جبهة النصرة» في جسد «أحرار الشام» على مدى السنوات الماضية بحيث باتت تمتلك القدرة على استقطاب عشرات الألوية في الحركة وإقناعها بمبايعتها دون أي حرج تشعر به قيادة هذه الألوية.
ورغم أن عشرات من الألوية والكتائب التابعة لأحرار الشام أعلنت في خضم القتال ضد «هيئة تحرير الشام» إما عن حيادها أو انشقاقها عن الحركة أو انضمامها إلى «الهيئة، إلا أن أكثر ما يشير إلى مدى وعمق الاختراق هو ما جرى مع قاطع البادية في أحرار الشام الذي يقوده القيادي البارز أبو البراء معرشمارين، حيث توصلت «الهيئة» إلى اتفاق مع القاطع يقضي بعزل أبو البراء من منصبه وتعيين نائبه عبد الحليم شمايل مكانه وأن يلتزم القاطع باعتزال القتال ضد «الهيئة» وذلك قبل أن يعلن القاطع بقيادته الجديدة انضمامه إلى الهيئة.
ويعتبر هذا المكسب كون القاطع يضم زهاء 5000 مقاتل ويعتبر من أقوى الوحدات القتالية في «أحرار الشام»، من أهم المكاسب التي حصدتها «هيئة تحرير الشام» بعد مكسبها المتمثل في وقوف بعض الألوية التي تعتبر من النواة الصلبة لأحرار الشام على الحياد وأهمها «جيش الإيمان» الذي عُزل قائده أبو حمزة الذي كان أحد المتحمسين لقتال «الهيئة» وعين بدلاً عنه أبو إبراهيم الديري. يضاف إلى ذلك موقف أبو عمار سجنة قائد الكتيبة العسكرية لأحرار الشام في معبر باب الهوى والذي انسحب فجأة من المعبر والتجأ مع قواته إلى بلدة سرمدا القريبة، حيث كان لموقف سجنة تأثير كبير في انهيار معنويات مقاتلي «أحرار الشام» ورضوخهم لمطالب «هيئة تحرير الشام» التي كان يقود قواتها في الهجوم على المعبر القيادي السابق في «أحرار الشام» أبو صالح الطحان الذي انضم إلى الهيئة عند تأسيسها بصحبة أبو جابر الشيخ. هذا الواقع المتدهور في «أحرار الشام» هو ما دفع أبو العباس الشامي محمد ايمن أبو التوت الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي لقيادة «الأحرار» وأحد مؤسسي الحركة والمفتي العام السابق لها، إلى إعلان نعيه لـ«الثورة» بعد ما رآه من كثر المبايعين لـ«الهيئة» معرباً عن اعتقاده أن «توشح الشمال بالسواد يعني بداية سيناريو الرقة». وربما اختصر أبو العباس الشامي المصير الذي يترقب «أحرار الشام» بعد توقيعها على الاتفاق المقتضب مع «هيئة تحرير الشام» بقوله في إحدى تغريداته على حسابه على «تويتر» مخاطباً الحركة فيها بأنه «يا أحرار الشام أن استسلمتم هذه المرة وخذلتم الثورة أمام البغاة والخوارج فلن تقوم لكم قائمة بعد اليوم وستكون سنة اللـه قد مضت عليكم».
تأتي هذه التطورات في ظل تسريبات حول ضغوط تتعرض لها قيادة «أحرار الشام» من قبل «هيئة تحرير الشام» من أجل إعلان الاندماج بين الفصيلين تحت مسمى «حركة شام الإسلامية» بهدف احتواء مفاعيل الزلزال الذي ضرب المشهد «الجهادي» وشوّه صورته أمام حاضنته الشعبية جراء الاقتتال بين هذين الفصيلين، وبهدف تحقيق مآرب أبي محمد الجولاني التي سبق أن كشفت عنها «الوطن» في تقرير سابق والمتمثلة بكسر شوكة أحرار الشام تمهيداً لفرض الاندماج عليها من موقع الضعف.
الوطن - عبد اللـه علي
إضافة تعليق جديد