مصر: تحذيرات متبادلة بين الجيش والإسلاميين ومواجهات في القاهرة
سعت الإدارة الأميركية، أمس، لترميم صورتها المهتزة في المشهد المصري بسبب موقفها من «ثورة 30 يونيو»، واحتواء التداعيات المحتملة لسقوط نظام «الإخوان المسلمين» على مصالحها في مصر، وذلك عبر إيفاد نائب وزير الخارجية وليم بيرنز إلى القاهرة. وفيما عكست تصريحات بيرنز من العاصمة المصرية اعترافاً أميركياً بضرورة التعامل مع العهد الجديد الذي انتجته ثورة الشعب المصري بعد عزل الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، فإن المبعوث الديبلوماسي الأميركي حاول إخراج حلفائه السابقين في تيار الإسلام السياسي بأقل الخسائر الممكنة، عبر دعوته السلطات الموقتة إلى توفير مساحة لـ«الإخوان» في المرحلة الانتقالية الجديدة.
وفي موازاة زيارة المبعوث الديبلوماسي الأميركي، عاد شبح العنف ليخيّم فوق مصر، بعد أسبوع من الهدوء النسبي ، وقد كانت مؤشراته في التحذيرات المتبادلة بين الجيش والتحالف الإسلامي المؤيد لمرسي، ومن ثم في المواجهات التي اندلعت بين قوات الأمن ومناصري الرئيس المعزول على «كوبري 6 اكتوبر» في القاهرة ليلاً.
وبعيداً عن القاهرة، بدا أن سيناء قد تحوّلت إلى لغز أمني معقد وتحدٍّ صعب للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، حيث سجل فجر أمس تحوّل نوعي في العمليات المتكررة للتنظيمات الجهادية في المنطقة، وقد تمثل في إطلاق قذيفة «أر بي جي» على حافلة تقل مدنيين في مدينة العريش، ما أدى إلى مقتل ثلاثة وإصابة 17 آخرين بجروح متفرقة.
وأعرب مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي عن تفاؤل حذر بالمرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن المتظاهرين سيعودون بقوة إلى الشارع يوم الجمعة المقبل لمناسبة العاشر من رمضان، حيث ستجدد الملايين حضورها في مواجهة التظاهرة التي يعتزم «الإخوان» تنظيمها دعماً لمرسي.
وبعدما أشار إلى أنه رفض لقاء بيرنز أمس، أكد صباحي أنه ليس من دعاة الإقصاء والتشفي من «الإخوان» وهو ما لا يمكن أن يشكل مخرجاً للوضع الحالي في مصر.
كما اعتبر أن الشارع المؤيد لمرسي سيصاب بالوهن تدريجياً بعدما يؤكد الشارع المؤيد للشرعية الجديدة في مصر، حضوره القوي، مضيفاً أن «الإخوان» سيدرك تدريجياً أن المسار الجديد الذي دخلته مصر، لم يعد قابلاً للتغيير، سواء بسبب الأوضاع الداخلية التي نشأت، أو بسبب الظروف الخارجية التي لم تعد تتيح العودة إلى الوراء.
وفي أول زيارة لمسؤول أميركي على هذا المستوى إلى القاهرة منذ إطاحة مرسي في الثالث من تموز الحالي، أجرى بيرنز سلسلة لقاءات شملت رئيس الوزراء المكلف حازم الببلاوي، ورئيس الجمهورية الموقت عدلي منصور، والقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ونائب رئيس الجمهورية محمد البرادعي، وعددا من القوى السياسية وممثلين عن المجتمع المدني.
ورفضت حركة «تمرّد»، التي لعبت دور المحرّك لـ«ثورة 30 يونيو»، طلباً لعقد لقاء مع المبعوث الأميركي، احتجاجاً على السياسات الأميركية، ورفضاً لأي تدخل خارجي في الشؤون المصرية.
كذلك، رفض «حزب النور» السلفي دعوة للقاء بيرنز، بحسب ما أكدت مصادر في الحزب، فيما قال نائب رئيس «حزب الحرية والعدالة» عصام العريان إن «الإخوان المسلمين وجميع التيارات الإسلامية والقوى الثورية الداعمة للشرعية ترفض بشدة التدخل الأجنبي لحل الأزمة المصرية».
وقال بيرنز، في تصريحات أوردتها وكالة «أنباء الشرق الأوسط» أن الاولوية في مصر الآن يجب ان تكون للحوار وانهاء العنف.
وأضاف أن «الولايات المتحدة تريد مصر قوية مستقرة وديموقراطية وشاملة ومتسامحة... ونريد مصر التي تتعامل مع احتياجات وتحترم حقوق كل مواطنيها»، مشيراً إلى أن «مصر لديها رئيس جديد ورئيس وزراء انتقالي وخريطة طريق من اجل تعديل دستور العام 2012: استفتاء عام تتبعه انتخابات برلمانية ورئاسية».
وأضاف: «نؤمن ان المرحلة الانتقالية المستمرة هى بمثابة فرصة ثانية تأتي بعد
ثورة 25 يناير لخلق دولة ديموقراطية تحافظ على حقوق الانسان ودور القانون وتسمح بالرخاء الاقتصادي لمواطنيها... ونأمل ان تكون فرصة لتعلم بعض الدروس وإصلاح بعض الاخطاء التي وقعت على مدى العامين. كما نأمل ان تكون فرصة لتلبية تطلعات الثورة لتأكيد العدالة من دون انتقام، والتركيز على مستقبل يشارك فيه جميع المصريين».
وقال بيرنز: «نحن لا نقف إلى جانب أي شخصيات أو أحزاب بعينها، وأنا لا أحمل معي حلولاً أميركية، ولم آت لأنصح أحداً، ونحن لن نحاول فرض نموذجنا على مصر».
وفيما استبعد بيرنز تكرار «المأساة السورية» في مصر، دعا الجيش إلى الامتناع عن اي اعتقالات بدوافع سياسية، بعد صدور أوامر من النيابة بالقبض على عدد من كبار الإسلاميين، قائلا: «إذا اعتقل ممثلون لبعض من أكبر الأحزاب في مصر أو استبعدوا فكيف يمكن أن يجري حوار أو تحدث مشاركة؟».
من جهة ثانية، حذّرت القوات المسلحة المصرية، أمس، من أي «محاولات للاقتراب أو اقتحام أي من المنشآت العسكرية أو المنشآت الحيوية، لأنها ستقابل بمنتهى الشدة والحزم والقوة، وفي إطار القوانين التي تكفل أمن وسلامة الدولة ومنشآتها المختلفة».
وكتب «أدمن» الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على موقع «فايسبوك» إنه «منذ انطلاق ثورة 25 يناير وحتى الثورة الثانية في 30 يونيو، يعتبر التظاهر السلمي أحد أهم مكتسبات الثورتين، وهو ما أكدت عليه الجهات الرسمية المسؤولة طوال 3 أعوام، وما زلنا نؤكد أنه حق أصيل لهذا الشعب العظيم، ولكن أن تقوم بعض القوى المتظاهرة بإساءة استغلال هذا الحق... فهذا غير مقبول».
وفي رد غير مباشر على تحذير القوات المسلحة، عقد التحالف الإسلامي المؤيد لمرسي، ظهر أمس، مؤتمراً صحافياً في مسجد رابعة العدوية، حيث وجه الدعوة إلى تظاهرات ومسيرات تنطلق عقب صلاة التراويح باتجاه مكانَي الاعتصام المستمرَّين لـ«رفض الانقلاب» (مسجد رابعة العدوية في مدينة نصر وميدان النهضة في الجيزة).
وبالتزامن مع المؤتمر الصحافي لـ«التحالف»، تظاهر الآلاف من مؤيدي الرئيس المعزول في محطة مصر ومسجد الفتح في ميدان رمسيس في وسط القاهرة، فيما قطع آخرون «كوبري الجامعة»، الذي يصل بين القاهرة والجيزة، أثناء توجههم في مسيرة إلى ميدان النهضة، فيما وقعت مواجهات عنيفة بين أنصار الرئيس المعزول وقوات الأمن ليلا على «كوبري 6 اكتوبر» في وسط القاهرة.
إلى ذلك، قتل ثلاثة أشخاص وأصيب 17 آخرون، في هجوم بقذيفة «أر بي جي» اصاب حافلة كانت تقل عمال أحد مصانع الاسمنت في سيناء بالقرب من مطار العريش.
وشكل الهجوم، الذي وقع فجر يوم أمس، ضربة قوية للجيش المصري وللجهود الأمنية المعلنة لتطهير سيناء من الجماعات الجهادية.
وذكرت مصادر أمنية في شمال سيناء أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن منفذي الهجوم كانوا يظنون أن الحافلة كانت تقل عدداً من قيادات الجيش أو الشرطة، فأطلقوا ثلاث قذائف آر بي جي على منتصف الأتوبيس مباشرة لإصابته بشكل كامل، موضحة أن «مدرعة التأمين التي كانت تصاحب الحافلة هي التي أوحت للمهاجمين بوجود قيادات عسكرية أو أمنية».
وتعكس هذه العملية نقلة نوعية في طريقة عمل الجماعات الجهادية في سيناء، كونها أصبحت أكثر جراءة في الهجوم على أهداف تابعة للشرطة والجيش من دون مراعاة لمتاخمة هذه الأهداف لمدنيين أو لأهالي سيناء أنفسهم.
ورغم أن الجيش أعلن كثيراً عن وقوفه إلى جانب أهل سيناء في معركتهم ضد الإرهاب، إلا أن ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية خلال الأيام الماضية رفع من حدة السخط والغضب لدى أهالي سيناء.
مصطفى الأطرش، أحد أبرز الناشطين في سيناء، والمقيم في الشيخ زويد، تحدث هاتفيا، قائلاً إن استهداف حافلة العمال يعكس استمرار حالة التردي الأمني في سيناء.
وبالرغم من رفضه تحميل جماعات أو جهات بعينها مسؤولية هذه العمليات، إلا أن الناشط السيناوي ربط بين تصاعد وتيرة هذه العمليات وبين عزل الرئيس «الإخواني»، قائلاً: «العلاقة واضحة بكل تأكيد»، ومشيراً إلى أن الإخوان «بدأوا التحرك في سيناء فور الإعلان عن عزل مرسي، وتحدث بعض قادتهم عن نيتهم تحويل سيناء إلى إمارة إسلامية».
لكن الأطرش حمل بشدّة ايضاً على ضعف الأجهزة الأمنية، متسائلا عن السبب الذي يجعل القادة الأمنيين، وحتى محافظ شمال سيناء، محتفظين بمناصبهم من دون تقديم استقالتهم برغم سقوط نحو 65 قتيلا وأكثر من 130 مصاباً منذ 30 حزيران الماضي.
وأضاف: «في السابق كنا نعرف في سيناء مَن يقتل مَن ولأي سبب، الآن نموت ولا نعرف من قاتلنا، هل هم جماعات إرهابية، أم فرق تابعة للموساد الإسرائيلي، أم جهة ثالثة؟.»
ولا يشعر أهالي سيناء بجدية التحركات العسكرية والأمنية في شبه الجزيرة المنكوبة بالفقر وانخفاض مستوى التعليم بعد تحررها كاملا عقب عودة طابا في العام 1989، ويقول الأطرش: «الجيش لم يدك جبل الحلال حيث يعتقد بتمركز الأرهابيين هناك حتى الآن».
وتبدو رؤية الناشط السيناوي غير بعيدة عما يحدث على الأرض، حيث أكدت مصادر أمنية أن «الأجهزة الأمنية تركّز كل إجراءاتها في منطقة الأنفاق، من خلال تسيير الدوريات المتحركة، ونصب كمائن فى الفترة المسائية على مداخل مناطق عدة مؤدية إلى الأنفاق، ومن بينها صلاح الدين وحي النور، ويستهدف ذلك بالأساس وقف عمليات تهريب الوقود والسلع الغذائية ومواد البناء من سيناء إلى غزة، أو تهريب مسلحين من غزة إلى سيناء».
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «إسرائيل وافقت على نشر كتيبتَي مشاة في العريش ورفح بسب تزايد النشاط الإرهابي في المنطقة».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد