في السلفية العربية ومستقبلها السياسي
لم تكن المفاجـأة فــوز «الاخــوان المسلــمين» في مصــر واشقائهــم في تونس والمغرب في الانتخابات النيابية في العام 2011، بل بدخول السلــفيين الى المشهد السيــاسي. فقــد دفــعت الثــورات العربـية بالــتيار السلــفي عــموماً نحو مرحلة جديدة، عندما قررت جماعات وحركات سلفية خوض غمار العمل السياسي والتجربة الحزبية، بعد ان بقي الطيف الرئيسي والعام من هذا التيار مصراً على اولوية العمل التربوي والدعــوي والاجـتماعي ورفض الولوج الى اللعبة السياسية. الا ان السلفيين الذين دخلوا اللعبة الديموقراطية كانوا مطالبين بالالتزام بقبولهم بشروطها ومحدداتها، ما يعني مراجعة ايديولوجية وفكرية لميراثهم السابق. واذا كانوا قد تقاسموا الاصوات المحافظة دينياً مع «الاخوان المسلمين»، حصل السلفيون على 123 مقعداً من اصل 498 في مجلس الشعب، الا ان خطابهم السياسي جاء مغايراً في سماته العامة عن الخطاب الاخواني، إذ إنهــم يبدون اقوى التزاماً بمبدأ تطبيق الشريعة الاسلامية، واكثر وضوحاً في الموقف من مصطلح الدولة المدنية، واشد خصومة مع التيارات العلمانية الاخرى.
الحضور السلفي لم يقتصر على مصر وحدها، ففي تونس دخل السلفيون في سجالات حادة مع التيارات العلمانية حول الدستور والشريعة، وفي اليمن برز السلفيون الى السطح، وبدت ارهاصات لتشكيل احزاب سلفية في غير دولة عربية. في هذا السياق يأتي كتاب «السلفيون والربيع العربي» لمحمد ابو رمان، مركز دراسات الوحدة العربية 2013، ليردم الفجوة المعرفية حول السلفيين، من خلال دراسة هذه المجموعات والحركات وتأثير الثورات الديموقراطية العربية فيها اولاً، وثانياً من خلال تأثيرها في المشهد السياسي العربي في المرحلة القادمة. وبحسب المؤلف، سيكون الكتاب مبرراً لسببين جوهريين: اولهما ان السلفيين لم يظهروا طفرة مع الثورات الديموقراطية العربية، فقد كانوا ناشطين في المجال الاجتماعي والثقافي وحتى السياسي منذ عقود، وكان لهم حضورهم اللافت في المجتمع. ما حدث هو تحول موقف هذه الجماعات تجاه العمل السياسي واعلانها عن نياتها بالمشاركة في اللعبة الديموقراطية. وثانيهما ان الثورات الديموقراطية بحد ذاتها تمثل لحظة فارقة في الوعي السياسي السلفي الذي كانت فرضياته الاساسية قبل الثورات تقوم اما على مبدأ طاعة ولي الامر، او على رفض العمل السياسي بحجة عجزه عن التغيير، او الاتجاه الى العمل السري والمسلح فحسب. وطالما نظر السلفيون الى الديموقراطية بوصفها بضاعة غربية او بدعة غريبة لا يجوز تبنيها وليست من الاسلام في شيء. لكن تحول الديموقراطية الى مطلب الجماهير العربية وعنوان تحركاتها الابرز وضع السلفيين على مفترق طرق، فاما الصدام مع الشارع او محاولة التوفيق بين الايديولوجيا السلفية والمتغيرات الجديدة. الامر الذي جعل من الثورات العربية حدثاً محورياً في دراسة سلوك الحركات والجماعات السلفية وتطورها الايديولوجي والسياسي.
يذهب المؤلف الى ان الحالة السلفية تتسم باختلافات واسعة وكبيرة على «شرعية» من هو السلفي، ثم على الموقف من العمل السياسي. فهل السلفية هي حركة اصلاحية من خلال الدعوة الى إحياء التراث الاسلامي او هي نزعة احتجاجية على التطورات التي طرأت على مستويين من المستويات الاساسية للدين، الفكرية والتعبدية؟
على الرغم من الخارطة الفكرية المتشعبة والمتداخلة، يمكن التمــييز عموماً بين اتجاهات رئيسة في السلفية المعاصرة. اولها، اتجاه محافظ اختار الدعوة والتعليم ورفض مبدأ المشاركة السياسية، ومن ابرز ممثليه السعــودي عبــد العزيــز بن بــاز وجمعــية انصــار السنــة المحــمدية في مصر. وثانيها يتبنى مبدأ طاعة اولياء الامور ورفض المعارضــة السياســــية، وــيمثل هذا الخط بصورة واضحة السعودي محمد بن امان الجامي. وثالثها تقوم مقاربته على تكفير الحكومات العربية المعاصــرة وتبــنّي التــغيير الراديكالي والمسلح ويمثل هذا التيار الحاضنة الايديولوجية لتنظيم «القاعدة»، ومن ابرز رموزه الفلسطيني ابو قتادة واليمني انور العولقي. اما الاتجاه الرابع فيقف في الوسط ويؤمن بالاصلاح السياسي وسلمية التغيير.
في استشراف مستقبل الحركة السلفية في العالم العربي توصل المؤلف الى خلاصات رئيسية:
أ ـ مثلت الحركات الديموقراطية في العــالم العــربي صــدمة عنيفة للتيارات السلفية التي كانت تتخذ موقفاً سلبياً تجاه العمل السياسي.
ب ـ لــم تــكن الاستجــابــة لــدى التــيارات السلفــية موحــدة حــيث استــمر التيار الجامي على موقفه الرافض للعمل السياسي وتشكيل الاحزاب.
ج ـ شكلت التجربة المصرية منطلق التحولات السلفية العربية باتجاه الديموقراطية، اذ أعلن بتأثير هذه التجربة، عن توجهات لتأسيس احزاب سلفية في اليمن والاردن والمغرب العربي.
د ـ دخول السلفيين الحراك الديموقراطي يمثل اشكالية حقيقية، اذ إنهم يميزون بين قيم الديموقراطية وآلياتها، ما يثير المخاوف من مواجهة لاعب غير ديموقراطي داخل اللعبة الديموقراطية.
الا ان السيناريو الاكثر خطورة وسلبية في رأي المؤلف يتمثل في تجذر الصراع الاسلامي ـ العلماني، ما يؤدي الى تدخل المؤسسة العسكرية واعاقة المسار الديموقراطي وحظر الاحزاب السلفية مجدداً وانكفائها الى العمل الاجتماعي والدعوي.
ختاماً نرى ان الكتاب قد اضاء على احدى اكثر الحركات السياسية العربية تعقيداً واثارة للجدل في الوقت الراهن، الا انه لم يطرح الإشكال الفلسفي بين الاسلام والديموقراطية، فظل على هامشه ولم يقترب من العوائق التاريخية الكبرى التي حالت دون علمنة ديار المسلمين. فضلاً عن ذلك يعاني الكتاب من التسرع والاستعجال وطغيان السردية على حساب الفكر النقدي الايديولوجي والفلسفي.
محمد ابو رمان، السلفيون والربيع العربي ـ سؤال الدين والديموقراطية في السياسة العربية.
مركز دراسات الوحدة العربية 2013
كرم الحلو
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد