مصر: دعوات إلى التهدئة والمصالحة وهجمات على الجيش في سيناء
انعكست أجواء شهر رمضان على الحراك السياسي في مصر، فكانت النتيجة فتوراً في اللهجة، وخمولاً في الحركة، ودعوات مجاملة إلى مصالحة لم تتوافر شروطها الموضوعية بعد، وانتقادات خجولة للخطوات الأولية لخريطة الطريق... لكن أجواء التهدئة السياسية بدت مناقضة للحالة الأمنية المضطربة، والتي تبدّت يوم أمس في تطوّر أمني خطير تمثل في استهداف مسلحين لقائد الجيش الثاني الميداني في سيناء، وذلك بعد ساعات من هجمات متفرقة في سيناء قتل فيها شخصان، وتحذير غير مسبوق وجهته وزارة الداخلية إلى المواطنين بضرورة الإبلاغ عن أي جسم غريب يشتبه في احتوائه على عبوة معدّة للتفجير.
أما القضاء المصري فقد أدار ماكينته بسرعة فائقة، إذ صادق الرئيس المؤقت عدلي منصور على تعيين نائب عام جديد، من بين ثلاثة مرشحين اقترحهم مجلس القضاء الأعلى، فيما وضعت النيابة العامة قياديي جماعة «الإخوان المسلمين» رسمياً في دائرة اتهامات شديدة الخطورة، حيث أمرت بضبط وإحضار المرشد العام محمد بديع وتسعة آخرين من قياديي مكتب الإرشاد، وآخرين منتمين إلى تيار الإسلام السياسي، بعد اتهامهم بالتحريض على ارتكاب أحداث العنف قبالة دار الحرس الجمهوري.
وأعلنت القوات المسلحة المصرية، في بيان نشر عبر صفحة المتحدث العسكري على موقع «فايسبوك» ليل أمس، أنه أثناء قيام قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أركان حرب أسامة عسكر بتفقد عناصر التأمين في منطقة الشيخ زويد قامت إحدى السيارات الآتية من المنطقة الحدودية في رفح بإطلاق نيران كثيفة على عربته.
وعلى الفور، اشتبكت قوة التأمين المرافقة مع العناصر المهاجمة وتمكنت من ضبط السيارة المستخدمة، التي عُثر في داخلها على طفلة مصابة تم نقلها إلى مستشفى العريش العام لتلقي الإسعافات اللازمة، لكنها توفيت فور وصولها إلى المستشفى.
وأضاف المتحدث العسكري أنه تم إلقاء القبض على قائد السيارة، فيما تمكّن فرد آخر من الفرار، لافتاً إلى انه عند تفتيش السيارة عثر بداخلها على مسدسين ونظارة ميدان أميركية الصنع. وباشرت قوة التأمين التابعة للجيش الثاني الميداني ملاحقة العناصر الإرهابية الهاربة التي نفذت الهجوم.
وكان متشددون شنّوا في وقت مبكر أمس، هجوماً على نقطة تفتيش أمنية في شمال سيناء، ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ستة آخرين، وذلك بعد هجومين آخرين قرب رفح.
ونقلت مصادر أمنية أن شخصين قتلا وأصيب ستة آخرون في هجوم استخدم خلاله المتشددون القذائف الصاروخية والرشاشات الثقيلة. واستهدف الهجوم نقطة تفتيش أمنية مشتركة بين القوات المسلحة والشرطة في محافظة شمال سيناء بالقرب من الحدود المصرية – الفلسطينية.
وجاء الاستهداف عقب هجوم آخر بالقرب من مدينة رفح على الحدود الشمالية لسيناء، حيث قصف مسلحون قاعدة للشرطة بقنابل الهاون والسلاح الثقيل، من دون وقوع إصابات. كذلك، هاجم المسلحون نقطة تفتيش للشرطة في مدينة العريش (45 كيلومتراً غرب رفح).
وكانت الجماعة الجهادية السلفية في سيناء أصدرت بياناً قالت فيه إن الأحداث الراهنة في البلاد تؤثر في سيناء، وهددت بشن هجمات تستهدف القوات المسلحة وقوات الشرطة في المنطقة.
وفي السياق الأمني أيضاً، طلب مدير الإدارة العامة للحماية المدنية في وزارة الداخلية المصرية اللواء عبد العزيز توفيق من المواطنين في حالة الاشتباه في أي جسم غريب، أو سيارة متروكة، أو حقيبة مجهولة سرعة إبلاغ رجال الحماية المدنية.
وطالب توفيق بعدم الاقتراب من الجسم الغريب على الإطلاق، وتغيير مسار حركة سير المشاة والسيارات بعيداً عن المنطقة إلى حين حضور خبراء المفرقعات.
أوامر ضبط وإحضار
إلى ذلك، سطرت النيابة العامة أوامر ضبط وإحضار بحق كل من المرشد العام لـ«الإخوان المسلمين» محمد بديع، نائبه محمود عزت، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه الموجّه لتحركات تنظيم «الإخوان»، وعضو مكتب الإرشاد محمود حسين، ونائب رئيس «حزب الحرية والعدالة» عصام العريان، والقيادي «الإخواني» محمد البلتاجي، والقيادي في «حزب الوسط» الإسلامي عصام سلطان، وعضو مجلس شورى «الجماعة الإسلامية» عاصم عبد الماجد، ونائب رئيس «حزب البناء والتنمية» الإسلامي صفوت عبد الغني، والداعية صفوت حجازي، وعبد الرحمن عز.
وأكد المتحدث باسم «الإخوان المسلمين» جهاد الحداد أن قيادات الجماعة الذين أمرت النيابة بضبطهم وإحضارهم بتهمة التحريض على العنف «لم يُعتقلوا حتى الآن»، مشيراً إلى أن «الإعلان عن توجيه اتهامات للمرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع، وعدد من قادة الجماعة يُعدّ محاولة لفض اعتصام مؤيدي الرئيس (المعزول) محمد مرسي».
كذك، قررت النيابة العامة حبس 206 متهمين في أحداث الحرس الجمهوري لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق، وإخلاء سبيل 446 آخرين بكفالة قدرها ألفا جنيه لكل متّهم.
وكانت النيابة العامة نسبت إلى المتهمين مجموعة من الاتهامات في مقدمتها القتل، والشروع في القتل، والبلطجة، وحيازة أسلحة نارية وذخائر من دون ترخيص، وحيازة أسلحة بيضاء، وقطع الطريق، وتعطيل المواصلات العامة، وإحراز متفجّرات، والمساس بالأمن العام تنفيذاً لغرض إرهابي.
وفي ما قد يُشكل مفاجأة من العيار الثقيل، كشفت مصادر قضائية عن أن الطبّ الشرعي قام بتشريح ٥٥ جثة في أحداث دار الحرس الجمهوري، فتبيّن أنه لا يوجد بين القتلى نساء ولا أطفال، خلافاً لمزاعم «الإخوان»، مشيرة إلى أن معظم القتلى أصيبوا بطلقات رصاص حي، وحالة واحدة بالخرطوش.
وبحسب تقرير الطبيب الشرعي فإن السلاح المستخدم في قتل المتظاهرين كان مسدس 7 ميللمتر، وهو ليس سلاحاً مستخدماً لدى الجيش.
واشار التقرير إلى أن الطلقات سجلت دخول وخروج (أي أنه لا توجد طلقات في أجسام الموتى)، ومعنى ذلك أنها أطلقت من مسافة قريبة جداً، ما ينفي أن يكون الحرس الجمهوري قد أطلق النيران على المتظاهرين، بسبب بعد المسافة بين الجنود والمتظاهرين.
وكشفت المصادر عن مقتل أربعة جنود من الحرس الجمهوري في الاشتباكات. وأكدت تقارير الطب الشرعي أن جنديين قتلا نتيجة إصابتهما بمقذوفين صوّبا إلى الرأس مباشرة، وأن الثالث توفي نتيجة أصابته بمقذوفين في الفخذين وطلقة خرطوش في البطن، أما الرابع فأصيب بطلقة خرطوش.
المصالحة الوطنية
وفي إطار دعوات المصالحة التي لم تتوافر شروطها بعد، طالبت رئاسة الجمهورية بالعمل لإنجاز مُصالحة وطنية شاملة «تبنى على أساسها قاعدة انسانية للتعايش بين أبناء الوطن الواحد». ودعت الرئاسة إلى «مُبادرة شاملة لحقن الدماء ورأب الصدع، وعودة الوفاق إلى شعبنا وبلادنا»، موجّهة الدعوة للأطراف المُختلفة إلى «لقاء مُشترك في غضون الأسبوع الأول من شهر رمضان المُعظم، بحيث يبدأ باجتماع أولي من أجل حقن الدماء».
وأصدرت بطريركية الإسكندرية للروم الأرثوذكس بياناً أكدت فيه أنها «ترفع صلواتها في جميع كنائسها، ضارعة إلى الله أن يحفظ مصرنا الحبيبة، وأن يجنبها الفتن الهادفة إلى شق وحدة الصف لشعبها وجيشها وشرطتها».
من جهته، نبّه رئيس «حزب المؤتمر» والقيادي في «جبهة الإنقاذ الوطني» عمرو موسى إلى ضرورة تشكيل لجنة «المصالحة الوطنية» في أسرع وقت ممكن، معرباً عن اعتقاده في أنه «من الأفضل أن تكون لجنة المصالحة الوطنية برئاسة رئيس الدولة شخصياً».
وطالبت لجنة الحريات في النقابة العامة للمحامين بالإسراع في خطوات إيجابية للمصالحة الوطنية الشاملة والمحافظة على الدماء المصرية، مشددة على ان الحل الأمثل للخروج من الأزمة الراهنة هو الجلوس إلى مائدة الحوار.
في هذا الوقت، كشف نائب رئيس «الدعوة السلفية» ياسر برهامي عن أنه تقدم بمقترح لتشكيل لجنة للحكماء للخروج من الأزمة». وأشار برهامي إلى أنه اتصل بشيخ الأزهر أحمد الطيب، وأنهما اتفقا على البدء في تشكيل تلك اللجنة برعاية شيخ الأزهر، على أن تضم جميع الاتجاهات.
الإعلان الدستوري
وفي رصد لردود الفعل على الإعلان الدستوري، كانت الدعوة السلفية على طرف النقيض تماماً لانتقادات القوى المدنية، ما يرشح مسألة التعديلات الدستورية لجولة مواجهات حادة، فقد أبدى ياسر برهامي رفضه للإعلان الدستوري، معتبراً أنه «جاء مخالفاً لما تم الاتفاق عليه في الإجتماع (مع وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي) من الحفاظ على مواد الهوية الخاصة بالأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء، وكذلك المادة 81 الخاصة بالحريات.
وطالب برهامي بالتزام آليات تعديل الدستور، كما وردت في دستور العام 2012 المعطل، بأن يكون من خلال البرلمان المنتخب، بعد الحصول على موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، معتبراً أن «طريقة تعديل الدستور الموجودة في الإعلان الدستوري تعارض إرادة الأمة التي وافقت على الدستور في استفتاء شعبي حر».
من جهته، أعرب «التيار الشعبي» بزعامة حمدين صباحي عن تحفظه على الإعلان الدستوري، وأكد «اهتمامه وتمسكه وحرصه على استمرار وحدة الصف»، معتبراً أن إعلان ملاحظاته حول مشروع الإعلان الدستورى يُعدّ «واجباً وطنياً».
وأكدت «جبهة الإنقاذ» أنه لم يجر التشاور بشأن الإعلان الدستوري مع أي من قادة الجبهة، أو شباب حركة «تمرد» والحركات السياسية الأخرى.
وطالبت الجبهة، في بيان، بضرورة إضافة مواد، وحذف مواد أخرى، وتعديل مجموعة مواد ثالثة.
المصدر : السفير
إضافة تعليق جديد