الإسلام، الإسلامية، الإسلاموية
منذ 11 أيلول 2001 يسهب ويتفنن فقهاء برامج الدردشة (talk show) على الشاشات الغربية في شرح الفرق بين الإسلام والإسلامية بداعي توعية المشاهدين وشحذ حسهم المدني. يجب عدم الاستهانة بشعرة معاوية بين المصطلحين، فالخلط بينهما يوقع صاحبه في مطبات عديدة وتترتب عليه عواقب أخلاقية وقانونية وتربوية جمّة. «الإسلاموفوبيا» هي عنصرية بشعة يمكن ملاحقتها قضائياً أما «الإسلاميوفوبيا» فموقف بديهي ينبع من الحس السليم ويجب على المسلمين قبل غيرهم أن يتبنوه إن كانوا يريدون إبعاد شبهة الإسلامية عن أنفسهم. الإسلامية سيئة وتتعارض مع قيم وقوانين الحضارة الغربية، بينما لا مشكلة مع الإسلام بحد ذاته. في هذا الإطار، يحصل باستمرار في فرنسا وغيرها من دول أوروبا الغربية أن تتعرض شخصية سياسية أو إعلامـية لحملة انتقادات بعد أن تضبط متلبسة بتصريحات «إسلاموفوبية» فيرد الشخص المعني علـى مهاجمـيه بأنه كـان يريد التكلم عن الإسلامية لكنه سها عن الحرفين الأخيرين. لا عجب أن العـديدين ما زالوا، على الرغم من جهود التوعية، يميلون إلى الخلط بين المصطلحين، فاللّغة نفسها لا تميز بينهما إذ ان هذا التمييز، من وجهة نظر نحوية، يضفي على حرفي الياء والتاء المربوطة وظيفة اصطلاحية غريبـة عنهما وهو لا معنى له في ما يخص الأديان الأخرى (هذه الملاحظة تشمل أيضاً الفرنسية والإنكليزية والألمانية). يحاول العرب أن يخففوا من الالتباس بإضافة حرفٍ ثالث فيترجمون الإسلامية بالإسلاموية، إلا أن ميلهم إلى حصر معنى الإسلاموية بتنظيمات جهادية مثل «القاعدة» يدل على أنهم لم يفهموا (أو لم يريدوا أن يفـهموا) مـن المصطلح سوى طابعه السلبي. كما هو معروف لدى متابعي برامج الدردشة، يستعمل لفظ الإسلامية أساساً لتسمية الإسلام السياسي، أي الإسلام الذي يدّعي حقاً في السياسة ويتعارض مع العلمانية الغربية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة. بالتالي التمييز بين الإسلامية والإسلام يفترض إمكانية إسـلام غير إسلامي، أي إسلام يقبل بالعلـمانية. لكن هل يعترف العالم المـسلم (أو على الأقل الجزء الأكبر منه) بإمكانـية كهـذه؟ هل مفهوم الإسـلام في الغـالبية العظـمى من دول هذا العـالم يمكن تميــيزه عن الإسلامية؟
كما هو معروف، التمييز بين المصطلحين استحدث عشوائياً وعلى عجل بعد انتشار الإيديولاجيات الجهادية المناهـضة للغرب في العالم المسلـم وانتـباه الغـرب إلى ضرورة التمييز بين هذا الواقع المستشري وجالياته المسلمة وإلى ضرورة فرض تمايزٍ كهذا وترسيخه. لذا يتكلم المسؤولون الفرنسيون مثلاً عن ضرورة أن تتخـذ الجالية المسلمة كمرجعية إسلاماً فرنسياً علمانياً يتمايز عن الإسلاميات الأجنبـية. لكن العلمانيـة نفسهـا تضـع حـدوداً لتدخل الدولة في هذا الشأن، فباستطاعة الدولة ومن واجبها أن تفـرض احترام القانون العلماني على المسلمين وأئمتهم، لكنها لا تستطيع مثلاً أن تنشئ مرجعية إسلامية علمانية تابعة لها، فذلك يناقض العلمانية باسمـها. إذا كانت المشـكلة مفتعلـة إلى حد ما في الغـرب وكـان لا خـوف على العلمانية الـغربية من الإسلامية، فالأمر مختلف تماماً بالنسبة للشعوب العربية والمسلمة. إن الصعود الإسلامي يضع دول الربيع العربي أمام معضلة عتيقة عمرها من عمر الديموقراطية وهو كيف يمكن حماية هذه الأخيرة من نفسها؟ أي كيف يمكن منع قوى شعبوية وغير ديموقراطية من هزم الديموقراطية باسمها عن طريق الاقتراع كما فـعل النـازيون سابقاً ويحاول الإسلاميون أن يفعلوا اليوم؟
في هذا الإطار، اقترح عليّ أحد الأصدقاء بعد اطلاعه على نتائج الانتخابات التشريعية المصرية فكرة مفادها أنه إن كانت الأكثرية الشعبية ترفض العلمانية وتميل إلى إسلامية أكثر تشدّداً في دول مثل مصر حيث تقارب نسبة الأمية الأربعين بالمئة، فلمَ لا يتركز النضال على مطلب العلمانية الاختيارية؟ فمن أراد أن يُجلد ويُرجم وتُضـرب رقبته وتُقطـع يده وتُفـحص عذريته ويُكره على ارتداء البرقع من رأسه إلى أخمص قدميه في عز الحرّ فهنيئاً له بهذا الحق الديموقراطي ومن أراد أن يعيش وفق قوانين القرن الحادي والعشرين فليس عليه أن يزعل إن حرمه السلفيون والخمينيون من شرف الصلاة عليه والدفن في مدافنهم.
زكي بيضون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد