عندما «مزّق» هابل نظرية أينشتاين
في ثلاثينات القرن العشرين، لاحظ عالم الفضاء الأميركي إدوين هابل ظاهرة تمدد الكون وتباعد أطرافه عن بعضها بعضاً، بصورة مستمرة. شكّل هذا الأمر بداية لصوغ نظرية عن الكون تأخذ بالاعتبار وجود قوة ما، تعمل في شكل مستمر على المباعدة بين أرجائه. ولأسباب كثيرة، اعتُبر الأمر تحدياً لنظرية العالِم الشهير آلبرت أينشتاين عن الكون، إلى حدّ أنه زار هابل في مرصده. وبعدها، اعترف أينشتاين بأن إيمانه بوجود حدود ثابتة للكون غير مبرر. والمفارقة أن بعض حسابات أينشتاين أوصلته إلى وجود قوة تعمل على «تمزيق» الكون، لكنه لم يتجرّع هذه الفكرة. ثم عمل على حذف هذه القوة من معادلات نظرية النسبية. وعقب زيارته العالِمَ هابل ومرصده، وصف أينشتاين قيامه بحذف القوة التي تباعد بين أنحاء الكون بأنها «الغلطة الأشد غباءً» التي ارتكبها في حياته.
بعد عقود من هذه الوقائع، وقبل فترة غير بعيدة، جمعت «ناسا» وجامعة «سوينبرد»، معلومات تأتّت من تلسكوب الفضاء «غالكسي إيفوليوشن إكسبلورر» Galaxy Evolution Explorer، ومرصد للفلك في جبل «سايدنغ سبرنغ» Siding Spring (أستراليا) يحتوي منظاراً نوعياً ضخماً هو «التلسكوب الأنغلو - أسترالي» Anglo - Australian Telescope. وتضمّنت المعلومات نتائج مراقبة التلسكوبين المذكورين لقرابة مئتي ألف مجرّة في الكون، على مدار 5 سنوات. وتولى فريق بلايك تحليل هذه المعلومات.
وتوصّل إلى تأكيد وجود قوة غامضة، يُسميها العلماء «الطاقة السوداء» تدفع بالكون إلى التباعد عن بعضه بعضاً. وشدّد بلايك على أن هذه النتائج سدّدت ضربة موجعة للنظريات التقليدية التي دأبت على نفي وجود الطاقة السوداء ومادتها، ناسبة ظاهرة تباعد المجرّات إلى أن الجاذبية عند أطراف الكون تعمل في شكل مقلوب، فتباعد بين الأشياء بدل تقريبها!
لكن، كيف يفكّر العلماء في الطاقة السوداء ومادتها؟ لنبدأ من مثال بسيط. ماذا لو قذفت كرة إلى الأعلى، وتابعتها بنظرك، وفتحت ذراعيك منتظراً هبوطها لتلقطها، فإذا بها تبتعد أكثر فأكثر، بسرعة متزايدة؟ هل تكتفي بالقول إنك فوجئت، أم تحس بأن الأرض تحتك تتلاشى، وتخاف أن قوة ما مجهولة قد تنتزعك من موضعك المكين، كأنها تمزّق ما يربطك بالأرض؟
ومن المستطاع القول إن ما أعلنته «الوكالة الأميركية للفضاء والطيران» (ناسا) أخيراً، يشير إلى أن الجدل علمياً في شأن هذه الطاقة (وكذلك المادة السوداء المتداخلة معها)، بات شبه منتهٍ، في الأوقات الحاضرة على الأقل.
فوفق دراسة مطوّلة لفريق علمي قاده البروفيسور كريس بلايك، أستاذ كرسي فيزياء الفضاء في جامعة سوينبرد في ملبورن بأستراليا، نشرت في مجلة «نوتيسز أوف ذي رويال أسترونوميكال سوسايتي» أخيراً، Notices of the Royal Astronomical Society، بات من شبه المؤكّد أن الطاقة السوداء تعمل بصورة مستمرة ودائمة وثابتة، وتؤثّر في تركيب الكون لأنها تدفع المجرّات إلى التباعد بعضها عن بعض باستمرار. ماذا يعني القول إن قوة ما «تعمل بصورة مستمرة ودائمة وثابتة»؟ لفهم الأمر، يكفي القول إن الجاذبية هي قوة ينطبق عليها الوصف السابق، إذ إنها تؤثّر في الأشياء باستمرار وثبات. ويعني ذلك أن الطاقة السوداء هي قوة ذات طبيعة خاصة (ولو أنها غير مفهومة كثيراً حاضراً) تمارس تأثيرها بطريقة معاكسة للجاذبية، بمعنى أنها تبعد الأشياء عن بعضها بعضاً، وتفرّقها. ومن المفارقة أن آلبرت أينشتاين تنبّه إلى إمكان وجود قوة بهذه المواصفات، لكنه تراجع عن هذه الفكرة مكتفياً بتصور أن الكون له حدود ثابتة. ووصف تلك الفكرة، التي ثبت صحّتها لاحقاً، بأنها غلطته الكبرى!
أخيراً، تجدر الإشارة الى أن الطاقة القاتمة تشكّل 74 في المئة من الكون، وأن المادة القاتمة تكوّن 22 في المئة من أشيائه. وللدلالة على ضخامة الرقم الأخير، بكفي التذكير بأن المادة الطبيعية، أي تلك المكوّنة من ذرات وجزئيات، لا تشكل سوى 4 في المئة من الكون، لكنها مادة المجرات ومحتوياتها كافة.
للمزيد من المعلومات، يمكن الرجوع إلى موقع وكالة الفضاء الأميركية «ناسا.غوف» nasa.gov.
أحمد مغربي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد