الغضــب مــرض وأكثــر
يتضاعف يومياً عدد المحتاجين لعلاج للتحكم بغضبهم. ولكن هل ينجحون حقاً؟
لم تدرك ماري أنها أمام مشكلة حقيقية إلا عندما وجدت نفسها تصرخ في وجه أستاذ جامعي كان يحاول إيقافها عن الصراخ في وجه زميلة لها. وهذه لم تكن المرة الأولى، فالأستاذ كان قد تلقى شكاوى عدة حول نوبات غضبها العصيّ على السيطرة. لذا قرّر أن يتكلّم معها في الموضوع.
«نعم، لطالما كنت عصبية وحادة الطباع»، تقرّ ماري. «دائماً كنت أتعارك مع من حولي في المدرسة وفي الجامعة، وأفقد السيطرة على نفسي عند أبسط الأمور». وعندما أبلغها الأستاذ أنها بحاجة إلى مساعدة متخصصة في «إدارة الغضب» وإلا ستُطرد من الجامعة، شكلت نصيحته هذه نقطة التحوّل في حياة ماري، التي كانت قد وصلت إلى المملكة المتحدة وهي في العاشرة من عمرها بينما كانت تكافح للتأقلم مع وفاة شقيقتها.
ماري فتاة محظوظة لأنها وجدت من يوجهها، غير أن الفرصة ليست متاحة للجميع. إذ «يبدو أن الغضب في مجتمعاتنا قد تحوّل إلى وباء، والمساعدة في هذا الإطار ما زالت خجولة جداً»، يقول مدير «الجمعية البريطانية لإدارة الغضب» مايك فيشر الذي يدير سلسلة من عيادات «إدارة الغضب» في جميع انحاء المملكة المتحدة.
ويتحدث فيشر عن ارتفاع غير مسبوق في عدد المسجلين في صفوفه وهو ما يعني ارتفاعاً في عدد طالبي المساعدة في السيطرة على غضبهم. ويعزو ذلك إلى تفاقم العنف المنزلي، وإلى ازدياد الضغوط في أماكن العمل، حيث الضغط يولّد الغضب بطبيعة الحال، على حد قوله.
من جهتها، تؤكد الأستاذة المشاركة في كلية الطب في جامعة «يال» راشيل لامبارت أن «الغضب قد يتسبب بأزمة قلبية وعدم انتظام في ضربات القلب لدى الأشخاص المعرضين للخطر الفعلي». وتتابع لامبارت، التي أجرت دراسات عدة في هذا الإطار، محذرة من أننا «نحتاج أن نأخذ المشاعر السلبية على محمل الجد لكونها تشكل خطراً على الصحة».
توصية يجمع عليها باحثون عديدون إلا أنها ما زالت خارج حيّز التطبيق، إذ «لا يمكن أن يلجأ أحد للطبيب لمجرّد أنه غاضب، ولن يتم تحويله إليه إلا عند ارتكابه جريمة قتل».
من هنا، يرى فيشر أن التدخل المبكر والمباشر مطلوب في هذ الإطار. «صحيح أن الحكومة البريطانية قد خصصت أكثر من 400 مليون جنيه استرليني في الميزانية من أجل العلاجات النفسية الحديثة، غير أنها لم تلحظ موضوع العلاج المعرفي السلوكي لصدمات الطفولة، وكلنا نعلم أن هذه الأخيرة هي من أهم مسببات نوبات الغضب الخطيرة في المستقبل».
يقول خبراء آخرون إن كل واحد منا يحتاج إلى تعلّم كيفية التعبير عن غضبه بشكل مناسب. فالأمر يتعلق أساساً بموضوع «التعبير عن نفسك على نحو فعال وهادئ»، كما ينصح الطبيب النفسي فيليب هودسون. أما عن كيفية التعامل مع شخص غاضب، فـ «ما عليك سوى أن تستمع إلى صراخه دون الدخول في جدال معه، وعندما ينتهي اسأله بهدوء «هل من شيء آخر؟»».
المصدر: السفير نقلاً عن «الغارديان»
إضافة تعليق جديد