أبـي اختـرقِ القضبـان واحـكِ لـي حكايـة
كان يقرأ القاموس من الجلدة إلى الجلدة ليحافظ على وجوده، على إنسانيته، ربما. من عساه يفعل ذلك سوى شخص حكم عليه بالعزلة، وحاول أن يحافظ على الخيط الذي يربطه بالعالم الذي يثبت له وجوده، من خلف قضبان زنزانته.
ذلك كان الخيار الأول. أما الثاني فكان الجنون، أو على الأقل هذا ما شعر به جوزيه روسادو أو روسالدو أو رييس، الذي اختلفت هويته واسم عائلته بحسب الجريمة التي قام بها. لدى روسادو (42 عاما) المعروف بـ»البروفسور»، زوجة وثلاثة صبيان، و52 كتابا في انتظاره في بروكلين شرقي نيويورك.
فالكتب ملاذه، لأنها لا تحكم على حاضره، بل تأخذه إلى أماكن بعيدة في مدى مخيلته اللامتناهية حيث لا تحاسبه البطلة على أفعاله ولا على خطاياه. يقضي روسادو منذ عقد 23 ساعة، منفردا في زنزانته، حيث يقرأ كتب التاريخ والجغرافيا، والقرآن والإنجيل اللذين ختمـــهما، ويقـــول «المعرفة تحملك إلى أماكن كثيرة».
خوان كاماشو (35 عاما)، أب لولدين دخل السجن بتهمة تجارة المخدرات يقرأ أيضا في زنزانته، وقد اختار قصة «القطة في القبعة». وقاعيد ريديك (27 عاما) الذي لم يلتق قط طفلته الثالثة لأنها ولدت بينما كان أبوها يقبع خلف القضبان بعدما اتهم بالإتجار بالسلاح، هو أيضا يتصفح قصة «ميلاد مجيد، يا جورج الفضولي».
ثلاثة رجال من أصل ثمانية في سجن إريك م. تايلور أكملوا أسبوعهم الخامس في صف تعليم القراءة «أبي وأنا» هذا الخريف، حيث قاموا بتسجيل قصص الأطفال بأصواتهم ليقدموها لأولادهم، بعد ان اضطروا الى أن يبتعدوا عنهم. يقول مفتش الشرطة في قسم الإصلاح في المدينة دورا شريرو ان «الناس متعددو الجوانب، فداخل كل رجل أب، وداخل كل رجل صالح أب صالح، وهذا هو المنطق الجوهري للعالم». وتم تمويل هذا المشروع بمبلغ 3,800 دولار.
وفي غضون الأسابيع الخمسة، تعلم روسادو كيف يعدل صوته الخشن ليتناسب مع شخصيات القصة، وتعلم كماشو كيف يحرك عضلات وجهه بطريقة مضحكة، أما ريديك فاكتشف كتابا كان قد قرأه عندما كان في المدرسة الابتدائية «المحرك الصغير» وقرر أن يعيد قراءته لكن لابنته هذه المرة. ويقف السجناء بثيابهم الزيتية، وأسماء أمهاتهم وزوجاتهم وأولادهم المخطوطة بأوشام على أجسادهم، ليختاروا من بين قائمة الكتب الموزعة على الطاولة، قصة ظريفة قد تعجب أولادهم.
لدى ريديك ثلاث بنات، ماري جاين (4 سنوات)، معنايا (3 سنوات) وميا التي ولدت في 18 تشرين الأول. وكان قد انتظر بفارغ الصبر الإحتفال الذي كان سيقام في نهاية دورة القراءة، حيث يزور الأولاد آباءهم لتسلم الشرائط المدمجة التي تحتوي على القصص بصوت آبائهم، لأن هذه المناسبة كانت ستجمعه للمرة الأولى بطفلته ميا. وفي أول حصة من الدورة، عندما كان ريديك يقرأ أمام الجميع، كان صوته خافتا، وتلعثم أثناء القراءة، أما في الحصة الثالثة، فقرأ الكتاب حتى النهاية لكن على وتيرة واحدة كما لو أجبره أحدهم على القراءة، فاختار قصة «المحرك الصغير» لماري جاين.
في الحصة الخامسة والأخيرة، خرج ريديك والآخرون إلى غرفة ضيوف السجن، وطلب كل منهم مجموعة من الكراسي الملونة لاستقبال عائلاتهم. فاختار ريديك الكراسي الملونة بالأخضر والأحمر لأطفاله. وبينما كان ينتظر وينظر إلى الآخرين وهم يغمرون أمهات أطفالهم ويدغدغون بناتهم ويحكون لهم القصص، بينما هو وحده على الطاولة يتطلع إلى الكتب والشرائط المدمجة أمامه ثم إلى العدم، ويفكر في نفسه في أن أخته التي تربي ماري جاين ومعنايا، لم تحضرهما كي لا تريا والدهما في تلك الحالة، وعلم لاحقا أن زوجته استيقظت متأخرة ولم تلحق بالحافلة لهذا لم تحضر ميا الصغيرة. فانضم ريديك إلى سجينين آخرين لم تحضر عائلتاهما مثله، يواسون بعضهم بعضا.
أما روسادو، فيعتقد أن «الناس يعاملونك بشكل أفضل إذا كنت متعلما... أنا دائما أقول لأولادي: القراءة ثم القراءة ثم القراءة».
السفير نقلاً عن «نيويورك تايمز»
إضافة تعليق جديد