المظاهرات مصدر دخل بإندونيسيا
شكلت المظاهرات في إندونيسيا مظهرا بارزا لدخول البلاد في عصر الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي, خصوصا بعد تلك الثورة الشعبية التي قامت عام 1998 ولم تهدأ إلا بعد أن أطاحت بحكم الرئيس سوهارتو "المستبد" الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود.
ولا يخفى على أي مقيم بالعاصمة جاكرتا أنه لا يكاد يمر أسبوع إلا وتشهد ميادينها وشوارعها الرئيسية مسيرة أو مظاهرة صغيرة كانت أو كبيرة, فقد "أشرب الناس في فترة ما بعد حكم سوهارتو الحرية, كما استشعروا قوتهم وعرفوا أن بإمكانهم عمل الكثير لبلادهم وأجيالهم القادمة من خلال هذه المظاهرات" وفق الباحث الصحفي أمروزي محمد رئيس.
ويضيف "لا يهم أن تكون مؤيدا أو معارضا لقانون ما أو حزب أو شخصية أو أي فعالية تثير جدلا, المهم أن تمتلك الاستعداد والوقت لتشارك بالمظاهرة وتحصل بعدها على مبلغ يتم الاتفاق عليه مسبقا, هذه الطريقة التي يتم بها تنفيذ بعض المظاهرات والمسيرات سواء كانت احتجاجية أو مؤيدة في إندونيسيا".
ويرى محمد رئيس أن "عشق المظاهرات لدى الإندونيسيين" أدى إلى بروز ظاهرة "المقاولين المتخصصين في تنظيمها, وإن كانت هذه الظاهرة محدودة، إلا أنها ملموسة ومعروفة لدى الشارع الإندونيسي".
أما الناشط الميداني أرتا ويجايا فيؤكد من خلال خبرته وتعامله مع هؤلاء المتعهدين أنه بإمكان أي شخص أو مؤسسة أو أي فعالية إندونيسية أن تلجأ لهؤلاء الأشخاص، وهم معروفون بأسمائهم ويطلب منهم العمل على تنظيم مظاهرة لخدمة أي قضية أو توجه لديهم, ويتم الاتفاق على مبالغ معينة تدفع لهم.
ويضيف ف أنه يتم كذلك الاتفاق على حجم المظاهرة ومكانها والشعارات التي ستطلق خلالها ومقدار سخونتها والتصعيد فيها –إذا كانت احتجاجية- وهل ستكون مسيرة على الأقدام أم محمولة بوسائل نقل, ويتم تدريبهم وتلقينهم الغرض من المظاهرة حتى تتسنى لهم الإجابة إذا ما سئلوا من طرف آخر, وفي بعض الحالات يتم تدريبهم على كيفية إدارة حالات الفوضى لكنهم يتحملون مخاطر الاعتقال بأنفسهم وقد سبق لبعضهم أن سجن.
ويشير تقرير نشرته وكالة الأنباء الوطنية الماليزية (برناما) إلى أن هؤلاء المقاولين يقومون على تدريب المشاركين, الذين يكون أغلبهم من العاطلين, على كيفية التظاهر بطريقة منظمة ليكونوا أكثر فعالية, ويتم ترتيب كل شيء كوسائل النقل ومكبرات الصوت والحواجز والبيانات واللافتات.
وتحتسب كلفة المظاهرات بناء على عدد المشاركين والجهة المنظمة, وتبلغ قيمة حافلة تحمل ثلاثين مشاركا نحو ثلاثمائة دولار كحد أعلى, يتقاضى كل مشارك نحو خمسة دولارت مع وجبة معبأة والباقي يذهب للمقاولين.
يُشار إلى وجود مقاولين متخصصين بالمظاهرات المدافعة عن الإسلام, وهؤلاء لا يتلقون أجورا إنما يتم اللجوء إليهم ليكونوا نواة للمسيرة أو المظاهرة ليتسنى للمنظمين الخروج بمظاهرة أكثر تنظيما وأكثر فعالية وأضمن للسلامة العامة.
ويؤخذ على المظاهرات مدفوعة الأجر قلة المشاركين فيها, وبرود الحماسة والاندفاع لديهم لتحقيق الأهداف, وهو ما يحاول المنظمون التغلب عليه من خلال زيادة المكافآت المخصصة في حال خرجت المسيرة بنتائج أفضل.
محمود العدم
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد