تعدد خيارات النقل أمر تفتقده دمشق
يعتبر تعدد أنواع النقل ووسائله، من أهم مميزات نجاح إدارة أي مدينة في تجاوز الازدحام المروري، وفي تسهيل عملية انتقال وتنقل الركاب فيها، وهو الأمر الذي أكد جدواه في اغلب مدن العالم التي مضى على تطبيق هذا التعدد في بعضها أكثر من ثمانين عاما، على حين بقيت دمشق أسيرة نوع واحد من أنواع النقل الجماعي، فبعد الباصات العامة، جاءت السرافيس الخاصة، والآن وبعد ما يقارب العشرين عاماً على دخولها تبدأ دمشق بالتخلي عن السرافيس لمصلحة ذات الباصات ذاتها ولكن دون احتكار حكومي بل بتشاركية تنافسية مع القطاع الخاص، فهل نتكهن مسبقاً ونبشر أصحاب السرافيس بعودتهم إلى العمل بعد عشرين عاما.
أم إن المستقبل رهن بخطوات اليوم التي نسمع عنها دون أن نراها واقعا على الأرض.
فالطريق إلى مترو دمشق تدخلك في متاهات رحبة المحافظة، حيث تتجمع اغلب مديرياتها من نظافة وصيانة، وإشراف على المشاريع، وحيث تجد أغلب مركباتها الصالحة منها والعاطلة، حيث يتمركز كما يسمى اصطلاحا لدى العليمين بخفايا الأمور «منجم الذهب الأسود».
المترو حلم في الانتظار
أما الدخول إلى مبنى هندسة النقل والمرور في هذه الرحبة، فإنك تجد في الطابق الثاني مكتباً يسمى مكتب إدارة المترو تشغله مهندسة مسؤولة عن المشروع وسكرتيرة تطبع الأوراق وترد على الهاتف، على حين أن المكتب المجاور له الذي تجد على بابه لوحة تبين أن شاغليه هم مهندس المترو، فوفقا لمصادرنا أنه لا يوجد مهندسون، وبالتالي فإن مترو دمشق مسؤول عنه مهندسة واحدة تتبع لمدير هندسة النقل والمرور، الذي يتبع لمحافظ دمشق، علما أن موضوع تشييد الخط الأخضر خرج من يد وزارة النقل وأصبح كامل الملف بيد محافظة دمشق، وذلك وفقا لمصدر من داخل هندسة المرور والنقل التي تقوم بالمراسلات من أجل تنفيذ هذا الخط بعد أن أنهت الشركات المعنية آلية التنفيذ والكلفة المادية والجدوى الاقتصادية والدراسة البيئية.
كتيب مترجم
هندسة النقل والمرور وزعت كتيباً يبين أهمية تشييد المترو في دمشق، وهو أيضاً يتضمن الخريطة والأماكن التي يمر بها ومحطات المترو المزمع تشييدها، لكن ما يفاجئك أن هذا الكتيب هو مترجم ترجمة سيئة عن لغة أخرى، تؤكد أن من كتب كل ذلك ليست يداً محلية، بل هي يد أجنبية بلغة أخرى، لم تبذل إدارة محافظة دمشق والقيمون على مشروع المترو أي جهد حتى في سبيل الخروج من عسر القراءة التي تصيب من يقع بين يديه الكتيب الذي من المفترض أنه كتيب تعريفي موجه للمواطن وليس للمختص.
«التروماي» خارج الخطط
لا تزال تصادف في بعض شوارع دمشق العديد من السكك الحديدية، كتلك السكة الموجودة على يمين الشارع الذي يسبق مشفى المجتهد باتجاه دوار باب مصلى، فهذه السكك الحديدية تخص التروماي أو الترومبيل كما كان يطلق عليه سكان مدينة دمشق، وهو عبارة عن قطار يسير بالطاقة الكهربائية عبر أسلاك تمتد بمسار سكة الحديد أعلى الترومبيل حيث تلامس هذه الأسلاك السلك المحمول عبر عمودين أعلى المقطورة، القوة الدافعة لمسير هذا الترومبيل، ويعتبر هذا النوع من أنواع النقل الآمن للركاب، وإضافة إلى ذلك فإنه لا يشكل أي ضغط مروري على شوارع العاصمة، كما أن وجوده يؤدي بالنتيجة إلى مسارات أخرى لنقل الركاب خارج الشوارع الرئيسية ما يعني بالنتيجة تخفيفا للضغط المروري وللركاب عن شوارع معينة، كما أن مسارات هذه العربات يمكن أن تسير في حارات خاصة بها لا تستطيع أن تصلها وسائل النقل العادية.
تكسي سرفيس
إلى ذلك فقد عملت في دمشق حتى بداية تسعينيات القرن الماضي ما يسمى تكسي سرفيس، وقد كان لها كراج خاص خلف القصر العدلي، وهو الأمر الذي يرى فيه- المحامي عامر حسين الذي عاصر تلك الفترة طالبا في كلية الحقوق، حيث كانت تعمل على اغلب الخطوط التي تعمل عليها الباصات، ولكن بتسعيرة مختلفة ، فأيامها كانت تسعيرة النقل الداخلي ليرة بينما كانت تسعيرة التكسي سرفيس خمس ليرات وكانت تتسع لأربعة أو خمسة ركاب. ويرى حسين: أنها شكلت بوجودها وسيلة نقل معقولة بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود بين الباص والتكسي، فقد كان من السهل على المستعجل أن يدفع خمس ليرات في وقت يجد فيه صعوبة في دفع أجرة التكسي التي تشكل إلى مكان ما مثلاً 25 ليرة، و المسألة في الوقت الحالي ليست صعبة خصوصاً مع وجود أكثر من 40 ألف سيارة تكسي في دمشق، يمكن إيجاد مجال عمل لها على خطوط مختلفة عن خطوط الباصات.
الربط السككي
إلى ذلك فإن دمشق تفتقد الربط السككي مع مناطق ريف دمشق القريبة منها والبعيدة فلا يوجد أي خيار لإقامة القطار الكهربائي الذي في حال وجوده يوفر خياراً آخر من خيارات النقل الآمن والمريح كما يوفر في حال وجوده، كما يؤكد أحد المهندسين العاملين في وزارة النقل شكلاً آخر من أشكال النقل وثقة للركاب في استخدام خيارات النقل العام المختلفة، كما يوفر تغييراً في طريقة وسلوكيات الركاب، فمثلاً هذا الخيار في حال حصوله سيؤدي بأبناء الريف القريب والبعيد إلى التخلي عن سياراتهم لمصلحته وهو الأمر الذي سيعني بالنتيجة تخفيفا للازدحام وللضغط المروري في العاصمة.
عبد المنعم مسعود
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد