الأخ الأكبر تجسيد لتفوق الذكور في حياة المراهقات

11-01-2010

الأخ الأكبر تجسيد لتفوق الذكور في حياة المراهقات

الأخ الأكبر تجسيد لتفوق الذكور في حياة المراهقات.هل هو ولي عهد الأسرة وملكها المتوج لا محالة؟ بل ربما يكون القائم بأعمال الملك حتى قبل رحيله! أم انه فرد مثله مثل بقية أفراد الأسرة؟

تقول عنه لمياء (19 سنة) إنه «هولاكو» في ثياب الألفية الثالثة، في حين تصفه مروة بأنه «روبين هود» الذي يعينها في كل كبيرة وصغيرة.

وسواء كان «هولاكو» أم «روبين هود»، هو يمثل صلة وعلاقة قديمة قدم الإنسانية، وإن كانت تتلون وتتشكل بحسب المكان والزمان.

الأخ الشاب في داخل الأسرة المصرية يتراوح بين كونه «بعبع» لشقيقته الشابة، وكونه هدية نزلت عليها من السماء. صحيح أنه يتأرجح أحياناً بين نقيضين، لكنه في مطلق الأحوال ركن أساسي في حياة الشابة المصرية.

الصورة التي قدمها فيلم «المراهقة» بطولة الفنانة ماجدة الصباحي واقعية جداً وتنقل تفاصيل العلاقة بين الفتاة وشقيقها الذي يقوم بدور الأب القاسي والمتسلط معها والمتراخي مع نفسه. فهو يعتنق مبدأ الازدواجية في التعامل مع أخته داخل البيت فيضيق عليها الخناق، ويسمح لنفسه بإهانتها وضربها ضرباً مبرحاً في حال شك في سلوكها ثم يتعامل مع بقية الفتيات من منطلق «دون جوان» عصره فيقيم علاقات كيفما شاء ويتردد على الملاهي الليلية، ولا يقيم اعتباراً للقيم والأخلاق التي يخنق أخته بها.

أيديولوجيا «البنت زي الولد» و «المرأة نصف المجتمع» ما زالت في مرحلة صراع مرير مع فوبيا «مهيضات الجناح» و «المغلوبات دائماً على أمرهن»، وهو الصراع الذي يتجـسد في شـكل واضـح في نـوع الـعـلاقة وتـفـاصيلها الموجودة بيـن الأخ وأخـتـه، لا سـيما في مرحلة المراهقة والـشباب. فكثيراً ما تكون علاقة غير قائمة على المساواة في الواجبات والحقوق، ولكنها تعتمد في شكل أو آخر على أسطورة الفوقية الذكورية التي لا تغذيها وتقويها سوى الدونية النسوية.

لأنه رجل ... ولأنها بنت

«لمياء» شابة في الـ19 من العمر. هي طالبة متميزة في كلية الصيدلة، وهو ما يعني أنها تنتمي إلى فصيلة المجتهدات «الراجحات العقل». شقيقها «أيمن» أكبر منها بعام ونصف العام. ظل متعثراً في دراسته الثانوية، ما دفع والده إلى إلحاقه بمعهد خاص عقب حصوله على الثانوية العامة بمجموع هزيل. ولأنه الرجل، ولأنها «مهما كانت بنت»، ولأن مشاعر الغيرة من تميز شقيقته وتفوقها تكاد تفتك به، لجأ الوالدان معه إلى أسلوب نفسي لتقوية الثقة والاعتزاز بالنفس عبر التقليل من شأن الابنة، وغض الطرف عن محاولاته الدؤوبة لإثبات أنه الأقوى والأعتى والأهم لأنه «ذكر».

تشكو لمياء كثيراً من تسلط شقيقها وتدخله الدائم في أدق أمورها. فهو يعطي نفسه الحق في تـفتـيـش مـتـعلقاتها الشخصية، وعمل زيارات تفتيشية مفاجئة لها في جامعتها. تقول: «كثيراً ما يعبث بهاتفي المحمول، ويطلع على الرسـائـل وعلى أسماء وأرقام هواتف زميلاتي وزملائي. ليس هذا فقط، بل إنه يهبط عليّ في الجامعة من دون سابق إنذار، ويجاهر أمام صديقاتي بأن واجـبه يحـتم علـيه أن يـتأكد مـن حـسـن سـيـري وسـلـوكي».

شـكوى لـمـياء المـسـتمرة لوالديها لا تقابل إلا بـعبارات على غرار «معلش أخوك وواجبه أن يطمئن عليك» أو «طالما لا تفعلين شيئاً خاطئاً، لماذا تخافينه؟!». لمياء تتساءل بينها وبين نفسها عن هذا المنطق العجيب، لا سيما أنها تعرف أن أخاها يدخن السجائر والشيشة من دون علم الوالد، ويقيم علاقات مريبة مع فتيات غير سويات، وأشياء أخرى كثيرة، لكنها حين جاهرت بذلك مرة، قيل لها: «هو راجل ومسؤول عن نفسه»!

رجل آخر مسؤول عن نفسه، لكنه يترجم مسؤوليته تجاه شقيقته في ضوء علاقة سوية قائمة على الندية وتقديم يد العون إذا طلبت منه ذلك. عمر (24 سنة) يكبر مروة بثلاث سنوات، وعلى رغم أن مكان عمله على مرمى حجر من جامعة مروة، لا يزورها هناك، إلا إذا طلبت منه أن يصطحبها معه في طريقه إلى البيت. ليس هذا فقط، بل أن لديهما الكثير من الأصدقاء والصديقات المشتركين، وأحياناً يخرجان معاً مع «الشلة» المشتركة. تصفه مروة بأنه صديق أكثر منه أخ، فهو كاتم أسرارها، ومصدرها الرئيسي للمشورة والنصح. كما أنه ليس «رذل» مثل بقية الأخوة الذكور الذين تسمع عنهم من صديقاتها.

الأكيد أن هذا النموذج الأخير ليس موجوداً بكثرة في المجتمع المصري، لكن الأكيد أيضاً أن النمط الذي كان سائداً قبل سنوات والذي كان يحتم على الأخوات أن يذعنّ لأشقائهن الذكور إذعاناً تاماً بدأ يتضاءل تدريجاً، وإن كانت فكرة خدمة الأخت لأخيها في مجال الأعمال المنزلية ما زالت قائمة ولا تقابل بكثير من الاعتراض. فقيام الأخت الشابة بتنظيف وتنسيق غرفة أخيها، وتجهيز طعام الغداء أو العشاء له، وكي ملابسـه، وغـيرها من الأعمال ما زالت مقبولة، أو علـى الأقل مـفروضـة علـى الكـثيرات من الفتيات.

ويبـدو أن الـهرم الاجـتماعي ذا الصلة الوثيـقة بالأداء الاقتصادي له كبير الأثر في تكوين الـعلاقة الأخوية بين الجنسين، فقلما تجد علاقة قائمة على الفوقية النوعية في الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المتمركزة على قمة الهرم والقريبة منها. وكلما هبطنا نحو القاعدة، ساد نمط الأخت التي تخدم الأخ، وتـذعن لـقراراتـه وقـيوده تحـت شـعار «البـنـت بـنت، والولد ولد».

وعلى رغم ذلك، فإن اتجاه الغالبية نحو التعليم، وتغلغل وسائل الإعلام، لا سيما التلفزيون، وما يبثه من صور وأفكار وأعمال وأخبار عن مساواة الجنسين ينعكس على مثل تلك العلاقات، إن لم يكن بتغيير نمطها، فبتشجيع الطرف المغلوب على أمره ليثور أو يتمرد أو حتى يعترض.

أمينة خيري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...